مقال بـ هآرتس: قطر هي صانعة السلام الحقيقية هذا الأسبوع وليس الإمارات.. ماذا فعلت؟

أول رحلة مباشرة من إسرائيل إلى الإمارات عبر الأجواء السعودية )
حطت أول رحلة مباشرة من إسرائيل في مطار أبو ظبي عابرة الأجواء السعودية

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقال رأي للأكاديمي مارك أوين جونز المختص بدراسات الشرق الأوسط والدعاية الرقمية المزيفة بجامعة حمد بن خليفة ناقش فيه اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.

وحمل المقال عنوان “صانعة السلام الحقيقية هذا الأسبوع هي قطر وليس الإمارات، إليك لماذا”، وفيما يلي ترجمة المقال:

إن علاقة الدفء الجارية بين الإمارات وإسرائيل ليست بصفقة سلام وإنما هي أقرب لحملة دعائية توسط فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وروجت لها وسائل إعلام وضخمتها.

وربما لا توجد صورة مجازية لما يسمى بصفقة (السلام) الإسرائيلية الإماراتية أفضل من أول رحلة لشركة العال، رقم LY971، التي طارت من تل أبيب إلى أبو ظبي أمس، حاملة كلمة (السلام) والتي برزت أعلى نوافذ قمرة القيادة، وهي الكلمة التي أرادت الحكومتان للعالم أن يراها، وقد تُرجمت إلى العربية والعبرية أيضا.

لكن من المفارقات أنه على بعد أقل من متر واحد فقط برز اسم الطائرة، “كريات جات”، وهي بلدة إسرائيلية كانت تعرف سابقًا باسم قرية الفلوجة. وبحسب المؤرخ بيني موريس وآخرين، تعرض سكانها العرب في عام 1949 لعمليات ضرب وملاحقة وسرقة متواصلة من قبل الجنود الإسرائيليين حتى اضطروا لمغادرتها.

حملت الطائرة اسم "كريات جات" المستوطنة التي أقيمت على أنقاض قرية الفالوجة (رويترز)

وهذا التذكير بالعنف التاريخي، جنبًا إلى جنب مع التأكيد المخادع على “السلام”، ليس بالمفارقة التي يريد مؤيدو الصفقة أن يراها الناس، لكنها نتيجة حتمية لحيلة إعلامية سيئة الصياغة، تتعلق في الواقع بدعم القادة المتورطين في دور صانعي السلام، مع إخفاء الواقع المعقد لاحتلال لا يظهر أي علامة على قرب نهايته.

وبالفعل، فإن التغطية الإعلامية “المقززة” لهبوط الطائرة الإسرائيلية تشبه ما وصفه المؤرخ دانييل بورستين “بالحدث الزائف”.

والحدث الزائف هو شيء يتم ترتيبه لغرض الدعاية الإيجابية، لكنه لا يملك قيمة حقيقية كبيرة في حد ذاته. وبفضل التضخيم الذي توفره وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن تنظيم الأحداث الزائفة بهدف التقليل من الفشل السياسي، أو على الأقل الفشل في تلبية التوقعات السياسية.

وبالنسبة لحدث “الاتفاق الإسرائيلي والإماراتي”، فإن الهدف هو توفير الوهم بأن “صفقة القرن” قد تحققت بطريقة ما، مما سيؤدي إلى تدفق المال السياسي نحو دونالد ترمب الذي لا يحظى بشعبية كبيرة قبيل الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى دعم حظوظ نتنياهو السياسية أيضا.

إنها فرصة لكل من ترمب ونتنياهو لتقديم نفسيهما باعتبارهما صانعي سلام بالشرق الأوسط، أما بالنسبة لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، فهي محاولة أخرى لتعزيز آفاق حليفين أيدا طموحاته الإقليمية العدوانية.

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يعلن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وتطبيع كامل للعلاقات بينهما برعاية أمريكية

وكذلك لعبت المصلحة الذاتية دورًا أيضًا، فهذا الاتفاق يعني إمكانية أن تكون دولة الإمارات، وهي القوة الإقليمية الطموحة، أول دولة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل تحصل على طائرة F-35، الطائرة الحربية الأكثر تقدمًا في العالم- وليست رمزا “للسلام” بالطبع.

من الواضح أن أولئك الذين يقترحون حصول “ثلاثي السلام” (ترمب ونتنياهو ومحمد بن زايد) على جائزة نوبل قد خُدعوا باللمعان والتفاخر، ولكن مثلما وقف جورج بوش على حاملة الطائرات عام 2003 أمام لافتة مكتوب عليها الرسالة السابقة لأوانها “المهمة اكتملت”، لم يتحقق السلام في أبو ظبي هذا الأسبوع.

فهذه ليست صفقة سلام بين طرفي نزاع، كما أنه بينما كان المسؤولون الإسرائيليون والإماراتيون يتبادلون المجاملات، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية وحماس يتبادلان القنابل عبر الحدود.

وبالطبع، ولكي ينجح الحدث الزائف، يجب تقليل الروايات المضادة التي تتعارض مع رسالته المركزية.
وتم إسكات منتقدي الصفقة أو توجيههم من قبل عصابات تويتر. فعلى سبيل المثال شارك الأمير علي بن الحسين، الابن الثالث للملك الأردني الراحل الحسين، مقالاً كتبه أستاذ العلاقات الدولية في أكسفورد، آفي شلايم، ندد فيه بالصفقة ووصفها بأنها نفاق “واضح”، كما تضمنت تغريدته صورة المقال وهي لمحمد بن زايد مكتوب عليها كلمة “خائن”.

مظاهرات بالقدس ضد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد (الأناضول)

وسرعان ما تم انتقاده على تويتر، وتم تداول الأخبار بأن الأردن تواصلت مع الإمارات لإصلاح أي إزعاج تسببت فيه التغريدة.

وفي الأثناء برز على موقع تويتر بالعربية، وسوم متعارضة مثل “التطبيع خيانة” و”محمد بن زايد، رجل السلام”. فبالنسبة للمقيمين بالإمارات، فإن التوجه التحريري هو الاحتفاء بمحمد بن زايد والخطاب الموجه للأمير الأردني يشكل طبقا جانبيا من التخويف.

بعبارة أخرى، إذا كنت في الإمارات: فإنها بالتأكيد صفقة سلام، ومحمد بن زايد هو مهندسها الرئيسي، وغير مسموح لك بانتقادها.

ومناخ الخوف هذا الذي ساعده أسلوب تعامل دولة الإمارات مع معارضيها السياسيين (بمساعدة برامج التجسس الإسرائيلية)، تم تدعيمه عندما وجه حسن سجواني، المغرد الإماراتي الداعم لإسرائيل بشكل لافت، تعليماته لمتابعيه، وعددهم 87 ألفا، بإبلاغ النائب العام عن كل من “لا يحترم” قرارات قيادة الإمارات (لكن تم حذف هذه التغريدة).

ومن المفارقات أيضا أن كل هذه الجعجعة عن سلام زائف بين الإمارات وإسرائيل قد صرفت الانتباه عن صنع السلام في العالم الحقيقي الذي انخرطت فيه قطر، في نفس الأسبوع، وسعت لتهدئة الوضع المتصاعد في غزة.

حيث اتفقت حماس وإسرائيل يوم الإثنين على وقف القصف العابر للحدود، فمنذ 6 من أغسطس/آب الماضي، تقوم الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف مواقع لحماس في غزة، بعد أن أطلقت حماس بالونات متفجرة وعدة صواريخ فوق السياج الحدودي.

وأصبحت هذه المفارقة أكثر حدة عندما أشادت وسائل الإعلام برحلة طيران العال فوق المجال الجوي السعودي في طريقها إلى أبو ظبي، بينما لازالت شركة الطيران الوطنية القطرية تُمنع من دخول المجال الجوي الإماراتي والسعودي بسبب الحصار الذي فرضته الدولتان عليها منذ عام 2017.

وشكلت المساعدات المالية القطرية مكونًا مهمًا لإقامة هدنة فعالة بين حماس وإسرائيل منذ نوفمبر 2018. ومع ذلك، ورغم حديثها عن السلام، فكثيرون يعتبرون الإمارات هي المهندس الرئيسي لاستراتيجية عزل قطر بسبب دورها في تسهيل الهدنة بين حماس وإسرائيل على وجه التحديد.

وفي غضون ذلك، تروج وسائل الإعلام في المنطقة بلهفة لدعاية السلام الزائف. وهذا يرجع جزئيًا إلى أنه يُنظر إليه باعتباره حدث جدير بالنشر، ولكن أيضًا لأنه عمل دعائي رائع تم تمويله من خلال المصالح المشتركة لثلاثة قادة أقوياء، أحدهم على الأقل يحكم دولة ربما يؤدي انتقاد صفقة السلام داخلها إلى السجن.

إن “اتفاق السلام” الإماراتي الإسرائيلي يمحو مظالم ملايين الفلسطينيين، الذين صادرت الإمارات العربية المتحدة دورهم كمحاورين شرعيين عن مستقبلهم من خلال خلق “سلام” مزيف بين دولتين لم تكونا حتى في حالة حرب.

ومن خلال نقلها باعتبارها صفقة سلام تاريخية، تعمل وسائل الإعلام على تبسيط وتهميش العنف الخطابي والحقيقي المستمر ضد الفلسطينيين، وتشبع الطموحات الشخصية لرجال يسعون منذ فترة طويلة إلى تفاقم الصراع في المنطقة بدلاً من تقليله.

المصدر : هاآرتس