مظاهر العسكرة في الإمارات عقب ثورات الربيع العربي

تدريبات عسكرية بإمارة العين الإماراتية

جاء الإعلان في نهاية شهر مايو/أيار المنصرم عن دخول اتفاقية الدفاع العسكري المشترك بين الإمارات وأمريكا حيز التطبيق، ليمثل أحد آخر التطورات في المشهد العسكري الإماراتي.

وشهدت الإمارات العديد من المستجدات منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وفي مقدمتها: 

1- إنشاء حرس الرئاسة: 

فمع اندلاع ثورات الربيع العربي، أصدر ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة محمد بن زايد توجيها في فبراير 2011 بإنشاء قوة حرس للرئاسة. 
وتشكل الحرس من قوة ضاربة يبلغ عدد عناصر 12000 فرد، وتضم قوات برية وجوية وبحرية، حيث تعمل ضمن صفوفه قوة للمهام الخاصة يناط بها مكافحة الإرهاب تدعى قيادة العمليات الخاصة (SOC). 
ويؤهل عناصر الحرس الرئاسي وفق مناهج تدريب مشاة البحرية الأمريكية. 
وقد نفذت أولى خطوات ذلك عبر ايفاد بعثة من ضباطه إلى مراكز تدريب المارينز بالولايات المتحدة في مارس (2011). 
وقد عُهد بقيادة الحرس إلى الجنرال الأسترالي مايكل هندرماش الذي تولى سابقا منصب قائد القيادة المشتركة للعمليات الخاصة في الشرق الأوسط بالجيش الأسترالي. 
ويمتلك حرس الرئاسة حسب تقرير التوازن العسكري الصادر عام 2018 عن (المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، 50 دبابة قتال من طراز لوكلير، و290 عربة مشاة مدرعة. 

الجنرال الأسترالي مايكل هندرماش
2- إنشاء كلية الدفاع الوطني: 

ضمن جهود تطوير مستوى الكوادر العسكرية والمدنية، صدر في أغسطس/آب من عام 2012 مرسوم اتحادي بتأسيس كلية الدفاع الوطني بحيث تتبع للقيادة العامة للقوات المسلحة الإماراتية. وافتتحت الكلية رسميا في ديسمبر 2013. 
وتهدف الكلية حسب المعلن على موقعها الإلكتروني إلى (إعداد وتأهيل القيادات العسكرية والمدنية، ورفع قدراتهم على تحديد وتقييم تحديات الأمن الوطني والإقليمي والدولي، وفهم أسس ومتطلبات إدارة وتوظيف موارد الدولة من أجل حماية المصالح الوطنية).
وقد بلغ عدد طلاب أول دفعة 30 طالبا، ونظرا لندرة الخبراء الإماراتيين في الشؤون الاستراتيجية فقد اعتمدت الكلية في هيئة تدريسها وشئونها الإدارية على شراكتها مع جامعة الدفاع الوطني الأمريكية. 
وقد تولى منصب أول عميد لكلية الدفاع الوطني جون بالارد، وهو ضابط سابق في سلاح مشاة البحرية الأمريكية. واستمر في منصبه حتى عام 2017 حيث حل مكانه توماس دروهان. 

ورغم اهمية افتتاح كلية متخصصة من هذا النوع، إلا أن الوضع السياسي في أبوظبي لا يسمح بفتح باب النقاشات الحرة حول التهديدات الاستراتيجية وأولوياتها وكيفية مجابهتها انطلاقا من الصالح العام، وهو ما يخالف الأسس التي وضعت بناء عليها المناهج الأمريكية التي تقتبس منها الكلية. 
وكذلك توضح مضامين المقالات التي تنشرها مجلة الدفاع الوطني السنوية، أو ينشرها خريجو الكلية في مجلة درع الوطن التابعة لمديرية التوجيه المعنوي بالجيش الإماراتي أنها تآخذ بعدا دعائيا يركز على حكمة القائد وبعد نظره وكرمه وسماحته لا على نقاش الاستراتيجيات السياسية بشكل نقدي أو مستقل بعيدا عن الخط السياسي الذي ينتهجه النظام الحاكم. 

3- فرض التجنيد الإلزامي: 

مع بروز دور الشباب في انتفاضات الربيع العربي والخشية من تأثر الشباب بتلك الروح الثورية فضلا عن انخراط أبوظبي بشكل متزايد في الصراعات الإقليمية، فعّلت الإمارات في عام 2014 المادة 43 من الدستور والتي تنص على أن (أداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين ينظمه القانون). 
ففُرض التجنيد الإجباري على الذكور من سن 18 حتى 30 عاما لمدة عامين للحاصلين على مؤهل أقل من الثانوية، وتسعة شهور للحاصلين على الثانوية فما أعلى، فضلا عن فتح باب التجنيد غير الإلزامي للإناث، حيث بلغت مدة خدمتهم 9 أشهر. 
ومُددت الخدمة لأول مرة في عام 2016 لتصبح سنة كاملة للذكور والإناث. ثم في عام 2018 مُددت فترة تجنيد حملة المؤهلات للمرة الثانية إلى 16 شهرا، ومن دونهم إلى ثلاث سنوات.
كما فُتح باب التجنيد التطوعي أيضا في مارس من عام 2016 للذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة، فضلا عن فتح باب التطوع منذ أغسطس 2015 للابن الوحيد، وأبناء وبنات المواطنات المتزوجات من أجانب. 
وجرت تلك الخطوات في ظل أجواء احتفالية شملت تسليط الضوء على انضمام بنات حكام الإمارات للخدمة الوطنية مثل حصة بنت محمد بن زايد، وفاطمة بنت عبدالله بن زايد. 

القوات اليمنية المدعومة إماراتيا ـ رويترز
4- تعيين وزير دولة لشؤون الدفاع: 

تولى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم منصب وزير الدفاع منذ عام 1971، ومع تزايد انخراط الإمارات في الصراعات العسكرية، وصعوبة الجمع بين مناصب رئاسة الوزراء، وإمارة دبي ووزارة الدفاع، استُحدث في فبراير من عام 2016 منصب وزير الدولة لشؤون الدفاع. 
وشغل المنصب الجديد محمد البواردي، وهو حاصلٌ على درجة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية من الولايات المتحدة الأمريكية. 
تدل التطورات المذكورة على عناية دولة الإمارات بتطوير جوانب الأمن والعسكرة لديها سواء باستحداث مؤسسات ومناصب وهياكل جديدة كما في نماذج حرس الرئاسة وكلية الدفاع الوطني ومنصب وزير الدولة لشؤون الدفاع، أو عبر توظيف التجنيد الإلزامي لتعميق الشعور بهوية وطنية جامعة لدى المواطنين، وعسكرة الأجيال الشابة بحيث لا تشذ عن الخيارات السياسية للدولة. 
ويرى جان لو سمعان أستاذ الدراسات الاستراتيجية بكلية الدفاع الوطني بالإمارات أن خطوة تأسيس كلية الدفاع تهدف إلى تحويل الضباط والقيادات إلى مخططين استراتيجيين قادرين على ربط مهماتهم العملياتية بالأهداف السياسية العليا للبلاد، وهو ما يتجاوز نمط الكليات العسكرية التقليدية التي تهدف إلى تزويد الجنود بمهارات القتال الأساسية. وإن كان هذا الهدف يواجه صعوبات جمة نظرا لأن الجيش في الإمارات والخليج عموما يمثل أداة لتحقيق السياسات القومية ولا يشارك في النقاشات حول تلك السياسات أو في صياغتها مثلما هو الحال في الدول الغربية. 
ويذهب إميل الحكيم الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أنه رغم توسع الإمارات كغيرها من بعض دول الخليج في الاستثمار بالقطاعين الأمني والعسكري إلا أنها تظل دولة غير عسكرية، حيث لا ينخرط الجيش بشكل كبير في الأعمال المدنية، كما أن ولاء المؤسسة العسكرية والأمنية مكفول بشكل عميق عبر تولي أشخاص من الأسرة الحاكمة للمناصب القيادية العليا في الجيش والأجهزة الأمنية. 
ويؤكد حسين إبيش الباحث في معهد دول الخليج العربي في واشنطن على أن التركيز على تعزيز الهوية الوطنية في الإمارات بما يتجاوز أي هويات فوق وطنية (دينية مثلا أو عرقية) أو دونها، يمثل سمة جوهرية من سمات استراتيجية الأمن القومي الإماراتي، وهو ما يساهم التجنيد الإلزامي في تحقيقه. 

المصدر : الجزيرة مباشر