محمد علي.. المقاول الذي هز عرش السيسي

محمد علي أطلق هاشتاجا تفاعل معه الملايين في مصر والعالم

قبل أسبوعين فقط، لم يتخيل أحد داخل أو خارج مصر أن يصبح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الرجل القوي كما تراه الأغلبية، بهذا الضعف والاهتزاز.

السيسي الذي عزل رئيس الجمهورية محمد مرسي، وسجن عشرات الآلاف ممن وقف أمامه كان من بينهم رئيس أركان القوات المسلحة سامي عنان، وأحكم قبضته الأمنية على طول البلاد وعرضها، اهتز إلى الدرجة التي خرج فيها خصيصًا بمؤتمر مفاجئ للرد على شاب في منتصف الأربعينيات من عمره، لم يكن معروفًا لأحد، بل ويفشل السيسي في الرد عليه وينكشف بشكل لا سابقة له.

البطل الشعبي
  • استطاع محمد علي، المقاول والممثل المغمور، حصد إعجاب عشرات الملايين من المصريين، حتى باتت فيديوهاته فقرة مسائية ينتظرها الجميع، فلماذا وكيف نجح هذا الشاب فيما فشل فيه معارضو السيسي من نشطاء وسياسيين وجماعات وأحزاب على مدار السنوات الماضية؟
  • منذ الفيديو الأول تميز أسلوب علي في الحديث بقربه من لغة الشارع البسيطة، ليس متقعرًا ولا نخبويًا ولا يستخدم أي مصطلحات تُبين أنه بعيد عن الناس العاديين، وهو ما جعل الناس يشعرون بأنه “واحد منهم” يتكلم بلغتهم ويستخدم مصطلحاتهم.
  • ذلك الخطاب صاحبه كون الرجل كان قريبًا من النظام الحاكم، ثم انشق عنهم وفضح سترهم، وهو ما جعل كلامه مصدَقاً لدى الناس.
  • لكن النقطة الأهم كان حديثه عن رئيس الجمهورية وما فيه من ألفاظ ومصطلحات تهدم الصنم الذي صنعه إعلام الجنرال، والحديث عن أسرة السيسي التي لطالما حافظ على النأي بها كي لا يتكرر ما حدث مع أسرة مبارك.
  • محمد علي قال عن رأس الدولة ما عجز عنه الملايين خوفًا من بطشه الأمني، تلك العوامل التي صنعت منه بطلاً شعبيًا، مثل علي الزيبق وأدهم الشرقاوي، واللذين عبرا عن آلام المصريين رغم عدم تنزههما عن الأخطاء، لكن الناس تغاضوا عنها مثلما تغاضوا عن كون محمد علي أحد المستفيدين من الفساد الذي فضحه، لسنوات طويلة.
محمد علي استطاع أن يهدم صورة الجنرال التي بناها إعلام النظام لتخويف المصريين
الرجل الذي سبق الجنرال
  • عدة عوامل أخرى جعلت من قصة محمد علي الأهم والأخطر منذ تولي السيسي رئاسة الجمهورية، كان أبرزها أنه تقدم على النظام في الحيل.
  • لطالما سبق السيسي كل من كانوا ضده، سواء بإجراءات أمنية كمنع التظاهر وضرب التنظيمات السياسية ومصادرة الإعلام، جعلت المعارضين بلا حيلة ولا وسيلة يمكن بها الوصول إلى الناس أو تهديد النظام والضغط عليه، أو عن طريق الخطاب الشعبي والتعبئة الإعلامية من شعبوية وطنية.
  • لكن حديث محمد علي عن فساد السيسي نفسه وأسرته ورجاله المقربين، كانت خطوة متقدمة لم تُفلح معها الطرق التقليدية من اتهامه بالانضمام لجماعة الإخوان أو الحديث عن محاربة الإرهاب واتهام ثورة يناير بالكوارث التي حلت بمصر للتهديد من أي حراك سياسي، وهو خطاب ملّه الناس وأصبح دربًا من الماضي لا يُقدم ولا يؤخر.
مكمن الخطورة
  • محمد علي أوصل النظام إلى مستوى من الخوف غير مسبوق، ما دفع السيسي نفسه لعقد مؤتمر مفاجئ للرد عليه، وتكمن خطورة محمد علي، في ضربه الصورة التي قدمها الجنرال عن نفسه وأسرته من النزاهة ونظافة اليد.
  • علي قدم دلائل على فساد السيسي وإسرافه الشديد في وقت يُعاني فيه غالبية الشعب المصري من الفقر من جرّاء قرارته الاقتصادية، وكذلك كشف كذبة أن دخول الجيش في الاقتصاد هو لمصلحة الناس ومساعدتهم في ظروفهم بينما اتضح العكس تمامًا.
  • الأهم من ذلك هو ضرب داعمه الأكبر وسنده في الحكم وهو المؤسسة العسكرية على جانبين، الأول كشف فساد قيادات الجيش التي تدير مصالحها في الخفاء، والثاني والأخطر من ذلك هو الضباط والقيادات الوسطى البعيدون عن جنة الفساد الغارق فيه السيسي وأسرته والقيادات العليا المقربة منه.
  • هؤلاء الضباط يُعانون هم وأسرهم ويرون معاناة الناس من حولهم، تلك المعاناة التي كان يمكن الصبر والسكوت عليها بدافع فقر الدولة وانهيار اقتصادها الذي يُصدره السيسي في خطاباته.
  • لكن مع انكشاف حقيقة هذا الاسراف الشديد والتبذير فقد أصبح السيسي نفسه أحد أهم عوامل ذلك الفقر، ومع الانتشار الضخم لفيديوهات محمد علي التي اخترقت المؤسسة ووصلت لرجالها أصبح هناك نبرة تململ شديدة ستجعلهم يفكرون ألف مرة قبل الدفاع عن هذا السيسي فضلًا عن السكوت عنه.
  • بغض النظر عن كون محمد علي ظرفًا طارئًا عشوائيًا جمع المصريين، أو أحد ألاعيب جهة داخلية تُريد تأديب السيسي أو الضغط عليه أو حتى إزاحته، يبقى أن ما حدث هو أكبر هزة للسيسي منذ توليه الرئاسة، وبغض النظر عن نتائج تلك الهزة فإن استقرار النظام وصورته وقوته لن تعود أبدًا مثلما كانت.
المصدر : الجزيرة مباشر