ما دلالات زيارة “حفتر” المفاجئة للسيسي في هذا التوقيت؟

صورة عرضها التلفزيون المصري للقاء السيسي مع حفتر بحضور مدير المخابرات المصرية الشهر الماضي

في وقت تشهد فيه ليبيا حرب تتسع كل يوم، وسط مطالبات حكومية بتضييق الخناق على قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومعاقبته دوليا، قام حفتر بزيارة إلى القاهرة تحمل دلالات سياسية وعسكرية.

وأثارت هذه الزيارة عدة تساؤلات من حيث التوقيت والوضع الميداني للمعارك، ومنها: هل هي زيارة “مهزوم” كون أغلب التقارير القادمة من الغرب الليبي تؤكد هزيمة قوات “حفتر” وخسائرها اليومية في الأرواح والمعدات العسكرية، وهذا باعتراف المتحدث باسم “حفتر” نفسه، وآخرها إسقاط طائرة واعتقال قائدها.
أم إن الزيارة تأتي في إطار استمرار الدعم المصري المقدم لـ”حفتر” كونه حليف استراتيجي للنظام الحالي، حتى لو مجرد دعم معنوي أو سياسي، وفي هذا أيضا إشارة إلى أن الجنرال الليبي في ورطة حقيقية ويحاول البحث عن منقذ إما لاستمرار الحرب وتحقيق نتائج تجبر الطرف الآخر على قبوله أو الانسحاب بأقل خسائر والعودة للمفاوضات الأممية من جديد.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومبعوث الأمم المتحدة لليبيا غسان سلامة ـ أرشيف
مصر والحل السياسي

المتابع للتصريحات المصرية منذ فترة كبيرة يتأكد أن “القاهرة ارتمت في أحضان المجتمع الدولي والبعثة الأممية في ليبيا، وأكدت مرارا أن الحل السياسي والملتقى الوطني وخارطة المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة هي الطريقة المثلى لحل المشكل الليبي”.
وتؤكد ذلك التصريحات المتتالية التي أطلقها وزير الخارجية المصري، سامح شكري بأن “بلاده تدعم الحلول السياسية في ليبيا، وتنحية الحلول العسكرية جانبا للوصول إلى وضع يؤهل لإجراء الانتخابات، والتفاعل مع خارطة المبعوث الاممى للأمم المتحدة بليبيا”.
وظلت الدبلوماسية المصرية تؤكد على هذا التوجه عبر المنابر الإقليمية والدولية، حتى بعد قيام “حفتر” بشن عدوان على العاصمة “طرابلس”، وهو ما قرأه متابعون أنه “محاولة من النظام المصري لإبعاد أي شبهة في تورطه عن دعم الأخير في عدوانه أو تعرضه لأي مساءلة دولية”.  
لكن جاء لقاء السيسي بحفتر مؤخرا لينسف هذا التوجه ويؤكد أن “مصر لا تزال تراهن على حليفها العسكري هناك، وأنها مستمرة في دعم مشروعه، وبهذا فهي خسرت حكومة الوفاق المناوئة لحفتر والتي طالبت الجميع بالتخلي عنه وإيقاف دعمه ولو سياسيا وكذلك البعثة الأممية التي رفضت التدخلات الخارجية في أزمات ليبيا.
والمثير للغرابة في هذا اللقاء أنه تم بصورة رسمية جدا وكأن “حفتر” رئيس دولة، إذ  التقى به الرئيس المصري في قصر الاتحادية، فيما قام باستقباله مدير المخابرات المصرية العامة، ومدير مكتب “السيسي” السابق، عباس كامل والذي حضر اللقاء كاملا”.
وذكرت عدة تقارير تناولت العدوان على العاصمة الليبية أن “هذه الخطوة كانت مفاجئة للنظام المصري وأن التنسيق معها تم مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان والذي اعتبره البعض الداعم الأول للعملية وبمباركة من دولة الإمارات التي أفسحت المجال قليلا للرياض من باب تبادل الأدوار، لكن “السيسي” تدارك الأمر والتقى “حفتر” في وسط المعارك ليؤكد وجوده وفاعليته في الملف الليبي، وأنه لا يمكن اللعب بدونه”.
وجاءت تصريحات الرئيس المصري خلال اللقاء لتثير الجدل ولتلمح لدور مصري ما في الأمر، كونه أكد دعم بلاده لجهود مكافحة “الإرهاب” والمليشيات المتطرفة في ليبيا، لتحقيق الأمن والاستقرار في كافة الأراضي الليبية، وبما يسمح بإرساء قواعد الدولة المدنية المستقرة ذات السيادة”، دون مزيد من التفاصيل أو التوضيح”.
وقد ربط مراقبون للوضع “زيارة “حفتر” للقاهرة الآن بالزيارة التي قام بها “السيسي” مؤخرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتقى خلالها بالرئيس “ترمب”، متوقعين أن يكون الرئيس المصري قد حمل رسالة ما لحفتر من قبل الإدارة الأمريكية التي أدانت عمليات الأخير في طرابلس وطالبته بالرجوع فورا إلى ثكناته والتي ترفض حتى الآن التواصل مع “حفتر”.
مصطفى المجعي المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب”، التي أطلقتها حكومة الوفاق لصد عدوان حفتر على العاصمة، أكد للجزيرة مباشر” أن “الوضع الميداني الصعب الذي تعانيه “ميليشيات” حفتر بعد انقلابه الفاشل، دفعت به إلى البحث عن دعم خارجي، فإن لم يكن لتوفير الدعم لحسم المعركة لصالحه، فعلى الأقل الخروج بما تبقى من ماء وجهه، والعودة إلى قواعده التي انطلق منها لحفظ مكان له في المشهد القادم”.
وأضاف في تصريحات خاصة أن “مصر تدخلت منذ انكسار “حفتر” الأول على أسوار العاصمة “طرابلس”، وعرضت الدبلوماسية المصرية على رئيس الحكومة فائز السراج الوساطة، لكن “الرئيس” رفض أي حديث في هذا الأمر قبل خروج “حفتر” من الغرب والجنوب الليبي ..
 ثم صعد وزير الداخلية بالحكومة، فتحي باشاغا الخطاب بتأكيده أن “حفتر” لن يكون له مكان في المشهد القادم أو الحوار”، وفق معلوماته.
وتابع المجعي أن “مصر وفرت الدعم لحفتر في بنغازي ودرنة، وتدخلت بطيرانها بشكل سافر، والآن يبدو أن هناك من أوقف مصر والدول الراعية للانقلاب الفاشل من التدخل السافر، والواضح أن هجوم حفتر على طرابلس وانكساره قبل أن يدخلها قد أحرج من راهنوا عليه ورعوه، واضطروا إلى إظهار مواقف ضد تحركه، بما فيها الدبلوماسية المصرية والفرنسية والإماراتية، وصمتت السعودية صمت القبور”، كما عبر.
وأضاف: “أما الدبلوماسية الأمريكية فقد أدانت تحركه عبر وزير الخارجية نفسه وبشكل واضح، والآن قد يطلب “السيسي” غطاء أمريكيا لتدخل سافر لمساعدة “حفتر”، لكن الوقت لن يكون في صالحه فيما لو تأخر، فمعركة “طرابلس” تلفظ أنفاسها بهزيمة مذلة لم يتجرعها حفتر منذ 28 مارس 1987، فيما يعرف في التاريخ الليبي المعاصر باسم “معركة وادي الدوم”.

مصادر ليبية قالت إن الغارات المصرية استهدفت أحياء سكنية في درنة ـ أرشيف
“مغامرة مصرية كبرى”

المستشار السياسي السابق لحفتر والمحلل السياسي الليبي، محمد بويصير أشار إلى أن “الجنرال الليبي ذهب إلى القاهرة ليستطلع نتائج زيارة الرئيس المصري إلى واشنطن، وكون الإدارة الأمريكية ترسل رسالة لحفتر عن طريق “السيسي”، فلن تكون مختلفة عما صدر عن الخارجية الأمريكية والوزير نفسه بوقف الهجوم والانسحاب، فلا يمكن أن يكون للولايات المتحدة خطابين متناقضين”.
وأوضح في تصريحات للجزيرة مباشر أن “حفتر ذهب أيضا لطلب الدعم من القاهرة زاعما أن حكومة الوفاق الليبية تتلقى دعما أوربيا، وهنا يصبح الخيار المصري بالتدخل مغامرة كبرى، كون أوربا، عدا “فرنسا” طبعا، وفى مقدمتها “بريطانيا” هي ضد عمل “حفتر” وسوف توازن التدخل المصري حال حدوثه”.
بويصير، المقيم في أمريكا، أشار أيضا إلى أن “الجزائر ورغم ظرفها الداخلي إلا أن العقيدة العسكرية الجزائرية ضد دخول “مصر” للعاصمة الليبية وهذا الأمر أكده مسؤول جزائري كبير منذ أقل من شهرين، وما إدانة الرئيس التونسي، الباجي السبسي لعدوان “حفتر” على طرابلس إلا امتداد للموقف الجزائرى الثابت ضد ذلك”.
وتابع: “من الصعب جدا تصور حدوث تدخل مصري في معركة “طرابلس” للاعتبارات السابقة وكذلك وجود قوات عسكرية إيطالية بالفعل في العاصمة وفي مدينة مصراتة وهذا ما أكدته وزيرة الدفاع الإيطالية مؤخرا، كل هذا سيمنع القاهرة من التدخل، لكن الإمداد بالسلاح والذخائر من قبلها لحفتر فهو لم يتوقف منذ أربع سنوات”، وفق رأيه.
الباحث السوداني المختص بالملف الليبي، عباس محمد صالح أكد أن “طرابلس” هي عنوان الزيارة وهدفها الأساسي، خاصة وأن عملية “حفتر” هناك لا تمضي كما كان يتوقع حلفاؤه، وربما ستأخذ وقتا أطول، وأن الهزائم المتكررة لقوات الأخير دفعته لطلب مساندة مصرية له لاسيما في الجانب الإعلامي، إذ تعتبر “القاهرة” مقر الشؤون المعنوية لجيش “حفتر”، حسب كلامه.
وقال في تصريح للجزيرة مباشر إن “حفتر” يهدف أيضا لإقناع ودفع مصر من أجل حشد الدعم له ولعمليته في “طرابلس”، كون فشله هذه المرة سيعتبر ضربة قاصمة للحلف الإقليمي المعادي لثورات الربيع العربي مع عودة موجة ثانية للثورات الجماهيرية، مع اعتقاد “حفتر” وحلفائه أن التراجع عن العملية هو بمثابة كارثة لمشروعهم الإقليمي برمته وليس في ليبيا فقط”، كما رأى.

المصدر : الجزيرة مباشر