ما الذي تبقى لمصر من أوراق ضغط في أزمة سد النهضة؟

سد النهضة الإثيوبي
سد النهضة الإثيوبي

توقع مصدر مطلع في وزارة الري المصرية تزايد الضغوط على مصر بسبب قرب انتهاء الاجتماعات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة.

التفاصيل
  • المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ “الجزيرة مباشر” إن هناك أزمة حقيقية بسبب موافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على اتفاقية الخرطوم لبناء سد النهضة، بالمخالفة لرأي الوزارة والجهات السيادية المصرية، ما نزع أهم ورقة ضغط مصرية، ومثل إقرارًا مصريًا بالموافقة على قيام إثيوبيا ببناء السد من دون أية ضمانات ولا التزامات.
  • المصدر قال إن العاصمة السودانية الخرطوم ستشهد اجتماعات “المجموعة العلمية المستقلة” في الفترة من 30 من سبتمبر/ أيلول الجاري إلى 3 من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، على أن يعقبها اجتماع وزراء الري والمياه في مصر والسودان وإثيوبيا يومي 4 و5 من أكتوبر/ تشرين الأول.
  • المصدر أوضح أن الاجتماعات ربما تكون الأخيرة التي تعقد بموجب اتفاقية الخرطوم، الموقعة في مارس/ آذار 2015، وأن هذا سر توتر السيسي وتصريحاته الأخيرة.
  • الرئيس المصري أكد أنه “لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل”، مشيراً إلى أن 95% من مساحة مصر صحراء، وأن أي إضرار بالمياه سيكون له تأثير مدمر على المصريين.
المفاوضات الأخيرة
  • القاهرة سعت للضغط على إثيوبيا في المفاوضات الفنية التي تتعلق بسلامة جسم السد وأضراره، ولكن إثيوبيا عرقلت المفاوضات، ما جعل السيسي يقول إن إثيوبيا قامت ببناء سد النهضة رغم عدم إجرائها لدراسات وافية.
  • كشفت مذكرة وزعتها الخارجية المصرية على الدبلوماسيين بتاريخ 12 من أغسطس/آب 2019، أن إثيوبيا “رفضت من دون نقاش” المقترح المصري بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، ووجود خلافات أساسية حول كميات تدفق المياه سنويا لمصر.
  • مع اقتراب بناء السد وملء خزانه (74 مليار متر مكعب) وضعت مصر شروطا تتعلق بالملء فترة 7 سنوات، ووقف الملء أوقات الجفاف وضمان تدفق 40 مليار متر مكعب سنويا، والمحافظة على مستوى المياه أمام السد العالي بارتفاع 165 متراً فوق مستوى سطح البحر.
  • رفضت إثيوبيا المقترح المصري، وقال وزير الري والمياه الإثيوبي سيلشي بقلي إن الموافقة على المقترح الذي تقدمت به الحكومة المصرية بشأن سد النهضة سيحوله إلى مجرد خزان احتياطي للسد العالي.
أوراق الضغط المصرية
  • الخبير في الشؤون الأفريقية الدكتور بدر شافعي قال إن السيسي أخطأ بتوقيع اتفاق سد النهضة، الذي لم ينص للمرة الأولى على حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، وإن سعيه الآن لتدويل المفاوضات ونقل القضية للأمم المتحدة لن يفيد مصر.
  • شافعي ذكر أن أوراق مصر للضغط كانت تتمثل في: التحكيم وهو ما ترفضه إثيوبيا، والخيار العسكري وهو ما يستبعده شافعي.
  • شافعي قال إن أوراق مصر الأخرى، التي كانت تتمثل في إريتريا وجبهة تحرير الأورومو، سقطت بعد نجاح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في تحييد الطرفين بالمصالحة معهما.
  • حسب خبراء ري وسياسة في مصر تتمثل أوراق الضغط المصرية التي يمكن مواجهة إثيوبيا بها في ظل سعي أديس أبابا لفرض أمر واقع ورفض تأمين حصة مصر المائية في التالي:
  • التهديد بالعمل العسكري، ولكن الخبراء يرون أن هذا خيار صعب وباهظ، كما أن مصادر إثيوبية هددت بالرد عليه بقصف السد العالي.
  • تهديد أمن إثيوبيا من الداخل والخارج، سواء بإثارة قلاقل داخلية أو اللعب بورقة إرتيريا والمعارضة الإثيوبية، وهي ورقة مهمة ولكن إريتريا وجبهة الأورومو تصالحت معهما حكومة إثيوبيا ما أضعف خيارات مصر.
  • دعم المعارضة الإثيوبية من قوميات الأورومو والأمهرة وقبائل بني شنقول في إثيوبيا، والتي يقع السد في نطاقها، ضد حكم الأقلية من “التيغري”، لإحداث قلاقل داخلية.
  • سبق لرئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميليس زيناوي الكشف عام 2010 عن دعم مصر للأورومو، وتجدد الأمر في اضطرابات الأورومو التي شهدتها البلاد نهاية عام 2016، ولكن تولي رئيس وزراء جديد من الأورومو يضعف هذه الخطة.
  • الورقة السودانية، ولكن حالة السيولة الحالية في السودان وتولي نظام جديد وتوافق مصلحة السودان مع بناء السد الإثيوبي للحصول على كهرباء رخيصة منه تشكل قيودا على ورقة الضغط السودانية مصريا.
  • ورقة المحافل والمحاكم الدولية ومقاضاة إثيوبيا، كونها تخلت عن اتفاقات النيل السابق توقيعها في العشرينيات والخمسينيات، وهي ورقة ضعفت بموافقة السيسي بنفسه على اتفاق لا يعترف بحقوق مصر المائية التاريخية.
بدائل أمام القاهرة لمواجهة الأزمة

مقابل أوراق الضغط المصرية السابقة، تسعى مصر لطرح بدائل عاجلة حال نقص حصة مصر المائية السنوية، وأغلبها حلول تستغرق وقتا طويلا لن يكون هناك متسع من الوقت أمام القاهرة للجوء إليها حين يبدأ ملء سد النهضة العام المقبل وهي:

أولا: مياه من قناة جونغلي

  • هو مشروع كانت تسعى وراءه مصر لتنفيذه منذ سنوات، بهدف توفير 10-15 مليارات متر مكعب مياه تضيع في المستنقعات والأدغال في جنوب السودان.
  • حكومة جنوب السودان ترفض المشروع منذ سنوات، لأن حجز هذه المياه عبر قناة جونغلي لتقسيمها بين مصر والسودان سوف يضر بالبيئة ويجفف هذه الترع والمستنقعات التي تقوم عليها الزراعة وتجارة المواشي.
  • دخل مشروع قناة جونغلي حيز التنفيذ عام 1974، وكان من المقرر الانتهاء من المرحلة الأولى عام 1985، لكنه توقف بسبب الحرب بين الحركة الشعبية بقيادة “قرنق” وبين حكومة الخرطوم.

ثانيا: مشروع نهر الكونغو

  • يهدف المشروع إلى ربط نهر الكونغو بنهر النيل، وتم طرحه لأول مرة في العام 1980، بعدما أمر الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بعمل جولة ميدانية في الكونغو من أجل وضع تصور للمشروع.
  • جاء اختيار نهر الكونغو باعتبار أنه ثاني أطول نهر في أفريقيا بعد النيل، وأولها من حيث مساحة الحوض، ويلقي هذا النهر سنوياً ما يزيد على 1000 مليار متر مكعب من المياه في المحيط الأطلسي، دون استفادة، وتريد القاهرة الاستفادة منها.
  • المشروع قد يوفر نحو 55 مليار متر مكعب من المياه السنوية، أي نصيب مصر بالكامل من مياه النيل، وبالتالي سيغطي جزءاً كبيراً من احتياجات مصر المائية، التي وصلت في العام 2017 إلى 80 مليار متر مكعب.
  • المشروع يواجه عقبات، أهمها تكلفته الباهظة التي لا تستطيع مصر تحملها في ظروفها الحالية، والحروب الأهلية في البلاد الأفريقية التي سيمر من خلالها النهر، والأبعاد الهندسية والفنية والقوانين الدولية المنظِّمة للأنهار المشتركة.

ثالثا: المياه الجوفية

  • تمثل المياه الجوفية المصدر الثاني للمياه في مصر، حيث تساهم بنحو 6.7 مليار متر مكعب سنوياً من إجمالي الموارد المتاحة، ولكن السنوات الماضية شهدت حالة فوضى في استخدام هذه المياه الجوفية.
  • لدى مصر 5 خزانات مياه جوفية، أكبرها “الحجر الرملي النوبي”، الذي يمتد بين تشاد والسودان وليبيا، ومياهه بدرجة عذوبة النيل نفسها، والخزانات الأخرى هي: خزان الكاربونيت وخزان دلتا النيل وخزان المغرا وخزان جبال البحر الأحمر.

رابعا: تحلية مياه البحر

  • هذا هو البديل الوحيد الذي شرعت حكومة السيسي في تنفيذه، حين أعلن رئيس الهيئة الهندسية العسكرية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، نية مصر إنشاء محطات ضخمة في مطروح والضبعة بهدف تحلية 100 ألف متر مكعب يومياً.
  • وزير الري السابق حسام المغازي أشار إلى أن مجموع إسهامات تحلية المياه يعد محدوداً للغاية إذا ما قورن بالاحتياجات المائية لمصر التي تقدر بـ 80 مليار متر مكعب، إذ ستوفر محطات التحلية نحو مليار متر مكعب فقط.
  • عيوب الاعتماد على هذا الخيار هي مزيد من رفع أسعار المياه على المصريين بسبب ارتفاع تكلفة بناء هذه المحطات بعكس مياه النيل المتوفرة طبيعيا.

خامسا: معالجة مياه الصرف

  • في يناير/ كانون الثاني 2018، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الدولة تعكف حالياً على إنشاء أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف والتحلية بتكلفة تتعدى 3.4 مليار دولار.
  • جاء هذا بعد طرح خبراء مسألة معالجة مياه الصرف الزراعي وإعادة استخدامها مرة أخرى مع تزايد خطر العجز المائي، الذي قد يتفاقم عقب تشغيل سد النهضة.
  • المتحدث باسم وزارة الزراعة المصرية حسام الإمام أشار في مداخلة تلفزيونية في نفس الشهر إلى أن مصر تستخدم 20 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي سنوياً.

حصة مصر من مياه النيل قد تتراجع 25 في المئة خلال 15 سنة، وفقا لتقديرات دراسة جديدة أعدها باحثون بجامعة دارتموث كوليدج بالولايات المتحدة، بسبب التغيرات المناخية التي ستؤدي إلى زيادة بنسبة 50% في تذبذب معدل تدفق مياه النيل، والزيادة السكانية.

المصدر : الجزيرة مباشر