ليفربول ومانشستر سيتي: قمة بريميرليغ والوعي الخططي

أمتع ما في مباراة ليفربول ومانشستر سيتي مساء الأحد في قمة الدوري الإنجليزي أنها كانت مواجهة بين مدرستين مختلفتين في كرة القدم.

مراقبة الفريقين خلال المباراة تشكل متعة فائقة في كيفية تنفيذ كل فريق لطريقة اللعب الخاصة به من دون أن يتأثر على الإطلاق بالأسلوب الذي ينفذه منافسه.

لم ينجرف ليفربول إلى الضغط العالي ولا إلى الانتشار وتوسيع دوائر الهجوم ولا إلى التخلي عن تكتله وصلابته، كما أن مانشستر سيتي لم ينسق إلى التأمين في خطوطه الخلفية ولا إلى الحرص والحذر الزائدين في مواجهة متصدر المسابقة الذي لم يهزم مطلقا حتى الآن.

كيف لعب ليفربول؟
  • رغم أن المباراة أقيمت في ملعب أنفيلد في حضور مكثف لجماهير ليفربول إلا أن دقائقها الأولى (قبل هدف ليفربول المبكر في الدقيقة السادسة) شهدت تطبيقا عمليا لما استمر على مدار الـ84 دقيقة تالية، وهو التكتل والتقارب التام بين لاعبي ليفربول في نصف ملعبهم لاسيما في الأمتار الثلاثين الأخيرة أمام خط مرماهم.
  • والهدف هو غلق أية مساحات أمام مهاجمي مانشستر سيتي أصحاب أعلي رصيد تهديفي في أوربا في العامين السابقين.
  • اعتمد كلوب على وجود لاعبيه عند فقدان الكرة في شكل دائرة (قطرها لا يزيد على عشرين مترا لضمان التقارب بينهم) وتتحرك الدائرة في كل الاتجاهات نحو الكرة بجماعية مذهلة.
  • وسيسجل التاريخ لتلك المباراة كيف تحكم مدرب من خارج الخطوط في تحرك لاعبيه وكأنهم مربوطون بسلاسل لا يتفرقون ولا يتباعدون.
  • ولا مانع أبدا عند المدير الفني الألماني يورغن كلوب من أن يتحول عشرة من لاعبيه إلى تلك المنطقة من دون حرج فلا يبقي في الأمام إلا محمد صلاح.
  • ونظرا للكفاءة والسرعة الكبيرتين لرحيم ستيرلنغ الجناح الأيسر لمانشستر فقد بادر كلوب إلى تغيير طريقة مواجهته خلال المباراة مرتين بعدما لاحظ التفوق الفني والبدني لستيرلنغ على الظهير أرنولد في أغلب السباقات والألعاب المشتركة.
  • وكلف كلوب جناحه الأيسر السريع ساديو ماني بالانتقال إلى الجانب الأيمن (واتجاه صلاح مكانه) ليعود ماني للدفاع لدعم أرنولد في مواجهة ستيرلنغ.
  • ومع تكرار أخطاء ماني في فقدان الكرة في مناطق الخطر أعاده كلوب إلى مكانه وأدخل غوميز في النهاية لدرء الخطر.
  • وتظهر قيمة ليفربول كفريق قوي عند استحواذه على الكرة في تنفيذ الهجمات المرتدة بمنتهى السرعة والجماعية واستغلال المساحات الشاسعة خلف لاعبي مانشستر سيتي المندفعين.
  • وجاء الهدفان الأول والثاني تنفيذا لأعلى مستوى من الهجوم الخاطف المنظم.
  • وفي المرتين كان الظهير الأيسر روبرتسون هو مفتاح الهجوم، وتكرار روبرتسون لنفس اللعبة خلال 7 دقائق فقط يشير إلى تنفيذ جملة خططية تدرب عليها اللاعبون مرارا.
  • وأسفرت الهجمة الأولى عن مساحة شاسعة لفابينيو خارج منطقة جزاء مانشستر فوجد كل الزمن والمساحة ليسدد بقوة ودقة، ووجد محمد صلاح في الهجمة الثانية كل الزمن والمساحة منفردا بالمرمى ليحول الكرة برأسه نحو الشباك.
  • آخر الجوانب الخططية التي انتهجها لاعبو ليفربول هو الحرص على التمرير الصحيح للخلف أو بعرض الملعب بهدف عدم فقدان الكرة في أماكن الخطورة بالقرب من مرماهم ومن دون النظر لسرعة الهجمات، وهو الأمر الذي كلفهم ضياع كثير من الفرص السانحة خلال فترات النقص العددي لمدافعي مانشستر.
كيف لعب مانشستر سيتي؟
  • لا تقلل الهزيمة أبدا من مكانة الفريق الخاسر ولا مديره الفني العبقري الإسباني بيب غوارديولا، وكان له القسط الأكبر من السيطرة على الكرة ومن عدد الهجمات ومن الوصول إلى عمق دفاع منافسه وعاكسه الحظ في أكثر من فرصة خطيرة ولم يكن الحكم مايكل أوليفر موفقا في أكثر من قرار وتجاهل ركلة جزاء واحدة على الأقل لمصلحة الضيوف.
  • من الثواني الأولي ظهر لاعبو مانشستر سيتي وكأنهم مطر هبط من السماء فانتشروا في كل مساحة الملعب بلا تمييز.
  • ووضحت السيولة في حركة اللاعبين كأفراد وحركة الفريق كمجموعة في تواجد ستيرلنغ في أقصى يسار الملعب بجوار خط التماس مع تواجد زميله الجناح الأيمن برنادرو سيلفا في أقصي اليمين بجوار خط التماس، لتصبح المساحة الهجومية للفريق بعرض 90 مترا على أمل إجبار المنافس على نشر لاعبيه المدافعين في تلك المساحة.
  • وازدادت السيولة بالتواجد الدائم لظهيري الجانب ووكر وأنجيلنو في عمق ملعب ليفربول حتى أن كليهما له أكثر من تسديدة ومحاولة على المرمى، واصطدمت كرة أنجيلنو بالقائم وذهبت رأسية ووكر فوق العارضة.
  • وتميز لاعبو مانشستر سيتي بأعلى درجات المغامرة في الضغط الجماعي السريع أمام مرمى منافسيهم عند فقدان الكرة أو في التحرك الأمامي عند استعادة الكرة دون تباطؤ أو حرص والتمرير السريع من لمسة واحدة على أمل فك التقارب الدفاعي للمنافس بالإضافة لتنفيذ المراوغات التي تكفل خلق مساحة خلف المدافعين وكان ستيرلنغ الأكثر توفيقا في تنفيذها.
سببان للخسارة

لكن الضيوف خسروا المباراة لسببين رئيسيين.

أولهما الهشاشة الدفاعية غير المقبولة
  • ففي الهدف الأول لم يجد روبرتسون المنطلق في اليسار من يوقفه من منافسيه سواء سيلفا أو رودريغو أو ووكر، ثم عجز مدافعو الفريق عن إبعاد الكرة العرضية إلى أحد الجانبين وعادت سهلة إلى فابينيو.
  • واكتملت الهشاشة بغياب لاعبي ارتكاز الوسط رودريجو وجوندوجان ليجد فابينيو ما يتمناه من زمن ومساحة فيسيطر على الكرة ويسير بها ويطلق قذيفته التي لا تصد ولا ترد.
  • وفي الهدف الثاني تكررت انطلاقة روبرتسون في غياب منافسيه وفشل الثلاثي فرناندينيو وستونز وأنجيلينو في توفير التغطية ليصل محمد صلاح إلى الكرة ويحولها برأسه في المرمى.
  • وفي الهدف الثالث ترك أنجيلينو منافسه هندرسون ينطلق بالكرة في الجناح الأيمن دون عائق أو إيقافه بمخالفة ليرسل الأخير كرة عرضية داخل منطقة المرمى.
  • وتباطأ الحارس كلاوديو برافو في الخروج من مرماه ومرت الكرة من أمام جميع المدافعين ليحولها أخر من في الملعب ساديو ماني برأسه نحو يدي الحارس مباشرة لتصطدم بهما وتدخل إلى الشباك.
ثانيا نقص التسديد على المرمى
  • لاحت للفريق سلسلة من الكرات المتاحة خارج منطقة الجزاء ولكن لاعبيه كانوا مصرين على الاختراق إلى داخل المنطقة وإنهاء هجماتهم داخلها.
  • ولا يخفي على أحد أن قدرا من سوء الحظ واجه الفريق في تسديدتين لأغويرو وثالثة لأنجيلينو ورابعة لستيرلنغ.
  • المباراة قمة حقيقية في كرة القدم ودرس خططي جديد. والدوري الإنجليزي بريميرليغ لا يزال طويلا.
علاء صادق
المصدر : الجزيرة مباشر + علاء صادق