لبنان.. هل يستطيع رئيس الوزراء المكلف حديثا إنقاذ الاقتصاد؟

حسن دياب يتحدث إلى وسائل الإعلام في القصر الرئاسي في بعبدا

بعد شهرين من تفجر أزمة سياسية، كلف لبنان أخيرًا رئيس وزراء جديدًا بتشكيل حكومة، وجاء دور الجزء الصعب: إنقاذ لبنان من أزمة مالية غير مسبوقة.

يتعين على رئيس الوزراء حسان دياب المكلف بدعم من حزب الله وحلفائه، ومجلس الوزراء الذي تعهد بتشكيله سريعًا، الفوز بدعم المستثمرين والمانحين الدوليين.

دين عام ضخم

يبدو عبء دين لبنان العام، الذي يعادل حوالي 150% من الناتج المحلي الإجمالي، وما يشهده من عجز في المعاملات الجارية وعجز مالي، غير قابل للاستمرار حتى من قبل الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي خرجت إلى الشوارع قبل شهرين.

وسيواجه لبنان اختبارًا لقدرته على الوفاء بالتزاماته في 2020 في ظل ديون بقيمة 10.9 مليار دولار مستحقة على مدار العام، بما في ذلك سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار مستحقة في مارس/آذار.

وما زالت السندات السيادية الدولية متداولة بأقل من نصف قيمتها الإسمية، بينما ارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان بشدة، ما يشير إلى أن لبنان قد يكون في طريقه للانزلاق نحو تعثر في السداد.

أمر غير محتوم

قال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي لدى غولدمان ساكس “قد يكون مزيجًا من الإصلاحات المالية وإعادة هيكلة الدين الداخلي كافيًا لوضع المالية العامة على أساس مستدام دون الحاجة للتوجه صوب تعثر في سداد الديون الخارجية.”

وحتى مع حدوث تعثر في سداد الديون، قد يكون لبنان قادرًا على تخفيف التداعيات.

خفض العملة

تدهور وضع ربط العملة بالدولار الأمريكي المعمول به في لبنان منذ 22 عامًا ليقترب من نقطة الانهيار بفعل الأزمة السياسية والمصرفية في البلاد.

فمع فقدان الليرة ثلث قيمتها الرسمية تقريبًا في السوق السوداء، يلوح خفض قيمة العملة في الأفق على نحو متزايد.

واستبعد محافظ مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، أي خطوة من هذا النوع، قائلًا إن لدى الحكومة الوسائل للحفاظ عليها.

لكن قدرة البنك المركزي على الإبقاء على الربط ستتقلص دون إنعاش تدفقات رؤوس الأموال التي تشهد تراجعًا وتعافي ميزان لبنان الخارجي.

وبحسب غولدمان ساكس، تقلصت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 28 مليار دولار.

ويقول الاقتصاديون إن خفض العملة قد يكون ضارًا في المدى القصير على الأقل، إذ أنه سيرفع التزامات لبنان الخارجية المرتفعة جدا بالفعل، مما يعجل بخطر التعثر في سداد الديون. ومن المرجح أيضا أن يذكي نيران التضخم الذي بلغ 1.3% على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول.

إنعاش النظام المصرفي

ظلت البنوك لفترة طويلة بمنزلة دعامة هامة للإبقاء على حركة اقتصاد لبنان، فمن خلال استقبال ودائع ملايين اللبنانيين في الخارج والشراء في الدين المحلي للحكومة، ساعدت البنوك على دعم مالية الدولة. لكن ذلك النظام تداعى في ظل شح في الودائع الأجنبية مع انهيار للثقة في النظام المصرفي.

وتراجعت ودائع غير المقيمين في القطاع المصرفي 5.2% على أساس سنوي في أكتوبر/تشرين الأول، بينما يواجه لبنان نقصًا في النقد الأجنبي، ما تسبب في فرض قيود على وصول اللبنانيين في الداخل والخارج لأموالهم بالبنوك.

وقال وليد علم الدين، الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف بلبنان، والذي كان من الأسماء المرشحة لرئاسة الوزراء “استعادة الثقة في النظام المصرفي يجب أن تشمل استعادة الثقة في الإدارة السياسية للنظام. هذه هي النقلة المالية التي يطالب بها الآلاف في شوارع لبنان.”

وحذر علم الدين من أن خفض قيمة الودائع سيأتي “بنتائج عكسية”. وبدلًا من ذلك، يتعين أن تضمن الدولة الودائع المصرفية للمساعدة على استعادة الثقة.

الدعم المالي الأجنبي

لبنان غارق في الركود وما زال تعافيه يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة دياب على تشكيل حكومة جديدة وتبني الإصلاحات اللازمة لضمان دعم مالي من الخارج.

فاز لبنان بتعهدات بأكثر من 11 مليار دولار في مؤتمر دولي العام الماضي مشروطة بالإصلاحات التي يخفق حتى الآن في تطبيقها.

ويبدو الحصول على مزيد من الدعم أمرًا غير مؤكد نظرًا لما يحظى به دياب من مساندة من حزب الله المدعوم من إيران وحلفائه.

فالسعودية والإمارات اللتان قدمتا عونًا ماليًا للبنان فيما مضى، بدتا أكثر تحفظًا خلال الأزمة الأخيرة، بل وربما تقل رغبتهما في تقديم الأموال في ظل وجود دياب في السلطة.

في المقابل، قد يحول لبنان نظره صوب قطر التي يتهمها جيرانها الخليجيون بالاقتراب بشكل أكبر من إيران. وقال وزير المالية القطري علي العمادي هذا الأسبوع إن قطر ستقف بجانب لبنان خلال أزمته الاقتصادية.

كان رئيس حكومة تصريف الأعمال بلبنان سعد الحريري يناقش سبل الحصول على مساعدة فنية من صندوق النقد والبنك الدوليين. لكن من غير الواضح ما إذا كان دياب سيسير على هذه الخطى، في حين يحذر بعض المراقبين من أن الولايات المتحدة، الداعم المالي الأكبر لكلا المؤسستين، قد تعارض أي صفقة بسبب دور حزب الله وحلفائه في اختيار دياب. وتعتبر واشنطن حزب الله “جماعة إرهابية”.

المصدر : رويترز