كيف يتجنب الفلسطينيون أخطاء مناضلي جنوب أفريقيا؟

فلسطينيون يلتقطون صورة أمام تمثال نيلسون مانديلا أول رئيس لجنوب أفريقيا بعد التخلص من نظام الفصل العنصري

قال الباحث والكاتب الفلسطيني رمزي بارود إن الفلسطينيين الذين يتطلعون إلى تجربة جنوب أفريقيا في التخلص من نظام الفصل العنصري يتعين عليهم تجنب الأخطاء التي وقعت فيها المقاومة هناك.

وفيما يلي أبرز ما جاء في مقال رمزي بارود بموقع الجزيرة الإنجليزية:
مثال إيجابي
  • المقارنة بين نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا شائعة.
  • مثلما فعلت جنوب أفريقيا والعديد من مستعمرات المستوطنين في الماضي، تستخدم إسرائيل الآن سياسات الفصل العنصري والتطهير العرقي للنهوض بمصالح المستعمرين والحفاظ عليها، مع قمع وتهميش الحقوق الإنسانية الأساسية للسكان الخاضعين للاحتلال.
  • يعتمد خطاب التحرير الفلسطيني على الإشارة إلى النضال الشعبي ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كما أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (بي دي إس) تتخذ إلى حد كبير من حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا نموذجا لها.
  • بذلت حركة النضال في جنوب أفريقيا تضحيات هائلة لمحو مئات السنين من الاستعمار الهولندي والبريطاني والفصل العنصري.
  • هذا النضال يقدم مثالا إيجابيا للفلسطينيين.
أخطاء

لكن مع السعي لتأكيد أوجه التشابه بين التجربتين، والتي تنبع من رغبة الفلسطينيين الملحة والمبررة في تحقيق انتصارهم على الاحتلال كما فعل مناضلو جنوب أفريقيا، يجري ارتكاب خطأين رئيسيين.

  • أولا، يسيء الفلسطينيون في الغالب فهم طريق الكفاح ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا ويضفون عليه طابعا رومانسيا.
  • ثانيا، هناك اعتقاد شائع على نطاق واسع بين الفلسطينيين ومؤيديهم أن إلغاء قوانين الفصل العنصري بشكل رسمي قد دشّن بشكل تلقائي عصرا جديدا من الديمقراطية والمساواة في جنوب أفريقيا.

وتؤدي مثل هذه التصورات إلى افتراض خاطئ مفاده أن تحقيق نصر قانوني مماثل في إسرائيل يمكن أن يحل جميع مشاكل فلسطين ويمهد الطريق لحل الدولة الواحدة المنشود.

الأمة والديمقراطية والتهميش
  • أحد التحديات الرئيسية التي واجهتها جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري هي بناء دولة على أنقاض نظام قائم على الانقسام العنصري والتهميش والقمع.
  • يوضح الأكاديميان نعيم جينه وسليم فالي في مقالهما “ما وراء القومية الإثنية: الدروس المستفادة من جنوب أفريقيا” أنه لا يمكن بناء المستقبل المشترك للمستعمرين والسكان الخاضعين للاستعمار “إلا عندما يكون هناك اتفاق على ضرورة تشكيل أمة جديدة داخل الدولة الجديدة”.
  • يقول الكاتبان “في حين أنه قد يكون من المغري الحديث عن الدولة الجديدة الآن، وترك مسألة الأمة الجديدة في مرحلة ما بعد التحرير، فإن هذا سيكون خطأ كبيرا. فقد جرى تأجيل هذا في جنوب إفريقيا، والآن يواجه مواطنو جنوب أفريقيا عواقب هذا”.
  • أكدت حكومات ما بعد حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا على رموز الوحدة والتنوع المشهور، لكن الرمزية لم تكن كافية لتشكيل الأمة.
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (يمين) مع رئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا (غيتي)
عدم المساواة والحقوق في الأرض
  • وفقا لدراسة أجراها البنك الدولي مؤخرا تظل جنوب أفريقيا “أكثر بلد يعاني من عدم المساواة الاقتصادية في العالم”.
  • هذا واقع محزن له علاقة كبيرة بالنموذج الاقتصادي النيوليبرالي الذي تبنته حكومة جنوب أفريقيا المنتخبة ديمقراطيا بعد عام 1994، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقوى الاستعمارية الجديدة القوية التي لا تزال تعمل في جنوب أفريقيا.
  • نتيجة لذلك فإن نهاية قانون الفصل العنصري لم تغير تكوين الطبقات وعلاقات القوة في جنوب أفريقيا، حيث شهدت فترة ما بعد الفصل العنصري استمرار الطابع الطبقي للدولة.
  • يتجلى هذا التفاوت المستمر في عدد لا يحصى من الأشكال، ويتضح بشكل أكبر في مسألة الحقوق في الأرض وإعادة التوزيع.
  • كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين، يرى الجنوب أفريقيون أن الأرض لها قيمة أعمق بكثير من سعرها في السوق، وهو أمر يرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية والجذور الثقافية.
  • توقع السود في جنوب أفريقيا إعادة الأرض إليهم في حقبة ما بعد الفصل العنصري، لكن ظل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يحجم عن مصادرة أي أرض من البيض لسنوات، خوفًا من أن تؤدي هذه الخطوة إلى خسارة الاستثمارات الأجنبية والدعم الخارجي.
  • بدلا من المصادرة، سعت الحكومة إلى شراء الأراضي من البيض.
  • اعتمد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مؤخرا قرارا بالتقدم بتشريع لمصادرة الأراضي دون تعويض.
  • احتفى البعض بهذه الخطوة، لكن آخرين كانوا حذرين تجاهها.
العنف وعدالة الغوغاء
  • أثبتت تجربة جنوب أفريقيا أن زوال الفصل العنصري لا يعني بالضرورة نهاية قمع الدولة وإكراهها.
  • رغم أن أعمال العنف التي يمارسها جهاز الأمن في جنوب أفريقيا جرى ترشيدها بشكل مختلف عما كانت عليه في حقبة الفصل العنصري، فإن تأثيرها المؤلم ما زال كما هو.
  • يقول توكيلو نلابو، الباحث في منظمة “مقاتلو الحرية الاقتصادية”، إن حكومات جنوب أفريقيا استخدمت القمع للحفاظ على نفس مصفوفة السيطرة التي استخدمها الحكام الاستعماريون في البلاد.
  • تمكنت الحكومات من القيام بذلك لأسباب من بينها أن العدالة الانتقالية في جنوب أفريقيا فشلت في معالجة العديد من آثار عنف الفصل العنصري على عموم السكان، بحسب نلابو.
  • نتيجة لغياب المصالحة الحقيقية والجهد الجاد من جانب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لمعالجة وحشية الفصل العنصري في جميع مظاهره وهياكله، انتشر العنف من جديد في المجتمعات التي عانت سابقا من الاضطهاد.
درس للفلسطينيين
  • يشير العديد من المفكرين في جنوب أفريقيا إلى أن تجربة بلدهم ما زالت محفوفة بالمصاعب والنكسات، حتى إن العديد من المثقفين هناك يشعرون أن مسار ما بعد الفصل العنصري ليس واعدا بشكل كبير.
  • لذلك يجب على الفلسطينيين الانتباه إلى ما يجري في جنوب أفريقيا اليوم، بدلا من مجرد الاحتفاء الأعمى بماضيها المناضل ضد الفصل العنصري.
  • ينبغي النظر عن كثب في قضايا بناء الأمة بعد الفصل العنصري، والاضطهاد الاقتصادي، والعنف المتوطن، ودمج هذه القضايا في استراتيجية التحرير الفلسطينية، لتجنب أخطاء تجربة جنوب أفريقيا في مكافحة الفصل العنصري.
المصدر : الجزيرة