كيف تواجه حكومات العالم الهبوط الاقتصادي القادم؟

صندوق النقد الدولي

يشهد النمو الاقتصادي العالمي تباطؤا، ولا يزال الدين العام لبلدان العالم مرتفعًا، وتتوقف فرص التعليم الجيد، والآفاق الوظيفية، والرعاية الصحية، ودخل التقاعد، على خيارات الحكومات.

ما الذي ينبغي أن يفعله صناع السياسات؟
  • تقرير الراصد المالي الصادر عن صندوق النقد الدولي، يرى أن بإمكانهم اعتماد رؤية طويلة الأجل لتشجيع النمو الأعلى والأكثر شمولا للجميع.
  • يعني هذا ترتيب بيوتهم المالية من الداخل عن طريق الخفض التدريجي للدين، استعدادا لمرحلة الهبوط الاقتصادي القادمة، وتطوير سياسة المالية العامة لإتاحة الاستثمار في مستقبل البشر.
  • هذا يتطلب تخصيص الإنفاق بصورة أفضل، وخلق حيز أكبر في الميزانية، وتحسين السياسة الضريبية.
الاستعداد لمرحلة الهبوط القادمة:
  • يمكن أن يكون الدين المرتفع عقبة تعوق قدرة صناع السياسات على زيادة الإنفاق أو تخفيض الضرائب لتعويض ضعف النمو الاقتصادي، حيث إن الدائنين قد يكونوا أقل استعدادا لتمويل عجوزات أكبر في الميزانية.
  • كذلك فإن مدفوعات الفائدة على الدين تعمل على إزاحة الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية، وكلها استثمارات تساعد البلدان على النمو لسنوات عديدة قادمة.
  • وسيكون على كل بلد أن يحدد استراتيجية ملائمة لخلق حيز في ميزانيته يساعد الاقتصاد أثناء الهبوط الاقتصادي القادم.
  • على البلدان ذات المديونية العالية أن تزيد من إيراداتها أو تحد من إنفاقها المفرط. وينطبق هذا بشكل خاص حيثما كان النمو الاقتصادي الجاري أعلى من مستوى النمو الممكن على المدى الطويل، كما هي الحال في الولايات المتحدة، أو حيثما كانت تكاليف الاقتراض مرتفعة واحتياجات التمويل كبيرة، مثلما نجد في البرازيل وإيطاليا.
  • لكن هذه البلدان ينبغي أن تحافظ على استثماراتها في التعليم والصحة والبنية التحتية، إما بإعادة ترتيب أولويات الإنفاق أو توسيع القاعدة الضريبية، وذلك، على سبيل المثال، بإلغاء الإعفاءات الضريبية وتحسين الإدارة الضريبية.
  • إذا كان التمويل شاغلا أقل أهمية بالنسبة للبلد المعني، مثلما هي الحال في ألمانيا وكوريا، يمكن لصناع السياسات زيادة الاستثمار في البنية التحتية أو التعليم لدعم الاقتصاد على المدى القصير، وتشجيع النمو الاحتوائي على مدار العقود القليلة القادمة.  

الاستثمار في مستقبل البشر:

  • أيضا يجب أن تنظر سياسة المالية العامة إلى ما هو أبعد من التأهب للهبوط الاقتصادي القادم. فالتحول الديموغرافي والتكنولوجيات الجديدة بدأت تُحْدِث تأثيرًا عميقًا في النمو الاقتصادي وفي توزيع الدخول والثروة، وهي اتجاهات عامة تؤثر على المالية العامة أيضًا.
  • في الاقتصاديات المتقدمة على سبيل المثال، حيث تتزايد أعداد المسنين بسرعة، نتوقع أن يستحوذ الإنفاق العام المرتبط بتقدم العمر، مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية، ربع إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2050.
  • في المقابل، نجد أن نسبة كبيرة من السكان في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية منخفضة الدخل أقل سنا بكثير وتزداد أعدادهم بسرعة. وللتقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة بشأن البنية التحتية والخدمات العامة، سيتطلب الأمر إنفاقا عاما إضافيا في هذه البلدان.
  • ما الذي تستطيع البلدان القيام به للتكيف مع هذه الاتجاهات العالمية وتخفيض مديونيتها؟ يمكنها اتباع سياسات أذكى وأسرع استجابة بغية تسهيل التغيير. ويعني هذا تطوير سياسة المالية العامة على ثلاث جبهات.
تحويل الإنفاق:
  • أولًا، ينبغي أن تعمل البلدان على تحويل إنفاقها نحو الاستثمار الداعم للنمو في مجالات البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، مع تخفيض الإنفاق المهدر للموارد، كدعم الطاقة غير الكفء.
  • على سبيل المثال، إذا تم إلغاء دعم الوقود بالتدريج، مع حماية الفئات الضعيفة اقتصاديًا، يمكن توفير موارد إضافية تعادل 4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي يمكن للبلدان استثمارها في البشر والنمو.  
  • من المهم أيضًا في عالم أكثر اهتمامًا بالرقمنة والتشغيل الآلي، أن يتم التركيز على السياسات الداعمة للتعلم مدى الحياة والارتقاء المستمر بالمهارات. فعلى سبيل المثال، تقدم سنغافورة منحًا تدريبية للبالغين طوال حياتهم العملية، كما تقدم هولندا تخفيضات ضريبية مقابل تدريب القوى العاملة.  
  • من شأن كبح الفساد أن يساعد بدوره في تدبير موارد إضافية والحد من الهدر.
خلق حيز أكبر للإنفاق في الميزانية:
  • ثانيًا، مع اتخاذ خطوات لتحسين الإدارة المالية العامة ورفع الإيرادات، يمكن خلق حيز إنفاق أوسع في الميزانية.
  • في الاقتصاديات المتقدمة، يمكن أن يؤدي تحسين إدارة الأصول المالية الحكومية إلى تحقيق إيرادات إضافية تصل إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي سنويًا، على النحو الموضح في عدد أكتوبر 2018 من تقرير الراصد المالي.
  • في اقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصاديات النامية منخفضة الدخل، ينبغي زيادة تحصيل الإيرادات. فعلى سبيل المثال، يمكن لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء تحقيق إيرادات إضافية تتراوح في المتوسط بين 3% و 5% من إجمالي الناتج المحلي على مدار خمس السنوات القادمة، إذا تمكنت من تحسين كفاءة نظمها الضريبية الحالية.
تحسين السياسات الضريبية:
  • ثالثًا، ينبغي للاقتصاديات المتقدمة أن تعود إلى تطبيق ضرائب دخل أكثر تصاعدية، مما سيساعد على الحد من عدم المساواة. كذلك فإن معظم هذه البلدان لديه فرصة لتحقيق زيادة كبيرة في الإيرادات من ضرائب التركات، والأراضي، والعقارات.
  • علاوة على ذلك، ينبغي للحكومات أن تتعاون في إصلاح النظام الضريبي المطبق على الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، ولا سيما الرقمية. فمن شأن ذلك أن يرفع الإيرادات، بما في ذلك إيرادات البلدان النامية منخفضة الدخل، عن طريق الحد من تحويل الأرباح والتنافس الضريبي العالمي.  
  •  هذه الإجراءات من شأنها المساعدة على رفع النمو الاقتصادي طويل الأجل، الذي يشكل أداة أساسية لتخفيف عبء الدين العام المرتفع. ومن شأنها أيضا أن تعمم المنافع الاقتصادية على نطاق أوسع داخل البلدان وفيما بينها، واستعادة ثقة الجماهير في المؤسسات اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.  
المصدر : الجزيرة مباشر