كيف تشاهد وتحلل مباراة كرة القدم؟ (4)

الناقد الرياضي الدكتور علاء صادق

أفسحنا في الحديث عن واجبات وحقوق ومهارات حارس المرمى في مباريات كرة القدم وضربنا الأمثال بحراس كبار مثل السوفييتي القديم ليف ياشين والإيطالي دينو زوف والألماني مانويل نوير.

استعرضنا كيف تحكم مبدئيا على الحارس قبل انطلاق اللعب من قامته وبنيانه.

وفى هذه الحلقة ندخل أعماقا فنية في تقييم الحارس أثناء سير اللعب وفى المواقف المفاجئة.

يتبين للخبير مع انطلاق اللعب مدى يقظة حارس المرمى وتركيزه في اللعب وعدم انشغاله بالأمور الخارجية مثل الجماهير والأشخاص المحيطين بالملعب.

والحارس الكفء يحرص على الاحتفاظ بأعلى درجات التركيز لأطول وقت ممكن خلال المباراة، وكم شاهدنا من سقطات غريبة لحراس من الكبار في مباريات مهمة سواء بتقدمهم غير المبرر أمام مرماهم استهتارا لوجود الكرة في الجانب الآخر من الملعب فتأتيهم الكرات الساقطة فوقهم إلى المرمى وسط دهشة الجميع.

وكم من حارس كبير انشغل بترتيب زملائه أو توجيههم على حساب مهمته الأساسية وهي متابعة الكرة ومنعها.

ولا ينسي أحد الهدف العجيب الذي أحرزه البرازيلي رونالدينيو من ركلة حرة في مرمى الحارس الانجليزي ديفيد سيمان في ربع نهائي كأس العالم 2002.

ورغم أن كرة رونالدينيو كانت سهلة للغاية وفى متناول سيمان إلا أن الحارس لم يكن يقظا لانشغاله بالحوار مع زملائه ولم يلحظ الكرة إلا عندما اقتربت منه جدا فتجاوزته إلى الشباك.

ومع الدقائق الأولى من دخول الحارس في الاختبارات الجادة تظهر مدى رشاقته سواء في تحركاته أو دورانات أو ردود أفعاله السريعة عندما تتغير اتجاهات الكرة بشكل مفاجئ.

ويحتاج الحارس لأعلى درجات السرعة والرشاقة للاندفاع المفاجئ من مرماه عند الحاجة أو لتنفيذ قفزات أمامية لمسافات غير قصيرة للحاق بالكرات الطويلة قبل منافسيه أو للنهوض السريع والاستعداد لمهمة جديدة إذا أبعد الكرة أو دفعها في اتجاه أحد المنافسين.

وما أكثر المرات التي يبعد الحارس كرة خطيرة أو مستحيلة لتتحول إلى منافس ليسجل بسهولة بالغة وينسي الجميع الإنقاذ الأسطوري وتبقي في الأذهان صورة الهدف السهل.

وتجتمع مهارات القوة والشجاعة مع الرشاقة والسرعة عند خروج الحارس من مرماه لمواجهة منافس منفرد ومستحوذ على الكرة.

ويدور بين الحارس والمهاجم صراع ذهني في التوقع والخداع حيث يسعى المهاجم للمرواغة مستخدما جسمه بينما يحاول الحارس في نفس الوقت إيهام المهاجم وتوجيهه إلى الجانب الذي يريده.

وتبقي النتيجة دائما مرتبطة بثلاثة عناصر أولها سرعة الحارس في الحركة لتقليل زمن المهاجم في التصرف والتفكير وثانيها تركيز نظر الحارس على الكرة دون الانخداع بتمويه المهاجم وثالثها براعة المهاجم في استغلال المساحة والزمن المتاحين له قبل تنفيذ لمسته الأخيرة دون أن يتاح للحارس أي تدخل.

ويحتاج الحارس كثيرا لدرجات عالية من سرعة رد الفعل خاصة عند الحالات الطارئة التي ينفذ خلالها حركة سريعة للتوجه لمنع كرة من المنافسين فإذا بها تغير اتجاها إلى اتجاه آخر أو معاكس وهي المهمة الأكثر صعوبة عند أي حارس في العالم.

وما أصعب أن يتابع الحارس الكرة التي تحرك لها بامتياز ليجدها تتجه ببطء إلى الاتجاه المعاكس وهو عاجز عن اللحاق بها.

الجانب الأكثر اختبارا لحراس المرمى في المباريات هو الكرات المسددة من مسافات بعيدة اعتبارا من 15 ياردة أي من حدود منطقة الجزاء الداخلية وحتى مسافة 40 أو 50 ياردة.

وبراعة الحارس في كيفية التصدي والإبعاد تتوقف على عناصر متنوعة أولها التركيز والتوقع للذهاب إلى المكان المناسب لانتظار الكرة وفقا للزاوية التي يسدد منها المنافس والمكان الصحيح يقلل على الحارس مهام كثيرة من القفز والارتقاء أو التأخير في الوصول إلى الكرة.

ثم تكون المسافة بين الحارس وبين الكرة عند تسديدها كلما اقترب المنافس بالكرة كلما كان ضروريا على الحارس أن يقلل المسافة بينهما بالتقدم لعدة خطوات إلى الأمام في خط يجعله رأسا لمثلث مع قائمي المرمى، ما يزيد مهمة المنافس صعوبة في أبعاد الكرة عن متناول الحارس.

بينما يخطئ الحارس كثيرا إذا تقدم عن مرماه في مواجهة الكرات البعيدة وتكون حركته في تلك الحالات قاصرة على الاتجاه إلى اليمين أو إلى اليسار للاقتراب من مكان الكرة القادمة.

وهنا يعرف الجميع الدور الرئيسي والمهم للتحرك بالقدمين قبل السعي باليدين نحو الكرة.. والحارس الكفء هو الذي يتحرك بقدميه بسرعة وفى الاتجاه الصحيح ولا ينفذ عملية القفز إلا بالارتكاز على القدم الأقرب إلى مكان الكرة.

وفى النهاية يكون قرار الحارس حاسما للنجاح في تنفيذ إنقاذه سواء بإمساك الكرة تماما والمحافظة عليها أو بإبعادها إلى أحد طرفي الملعب أو الى مكان بعيد عن منطقة جزائه.

ويتحمل الحارس جانبا مهما في توجيه الكرة إلى الجانب الأقل كثافة من المنافسين ليضمن عدم تعرضه لاختبار سريع وقاس في حالة ذهاب الكرة أمامه إلى لاعب منافس.

الحديث عن واجبات وبراعة حراس المرمى يحتاج كتبا ومجلدات.. ولكننا لا نملك رفاهية المساحة ونكتفي بما قدمنا للمشاهد الراغب في تعلم فنون كرة القدم ليشاهدها بوعي أكبر ومتعة أعلى.

ونختصر ما قلنا إن الحارس الكفء يتمتع بالإمكانات والمهارات التالية وهي طول القامة والقوة والسرعة والرشاقة والشجاعة والتوقع والتركيز وعدم التردد وخفة الحركة وسرعة رد الفعل وحسن اتخاذ القرار والرؤية الواسعة للملعب وتوجيه زملائه والتغطية خلف مدافعيه وسرعة بناء الهجمات المرتدة مع وعى كامل في التحرك نحو الكرة بقدميه قبل يديه.

علاء صادق
ناقد رياضي مصري

كيف تشاهد وتحلل مباراة لكرة القدم؟ (1)

كيف تشاهد وتفهم مباراة لكرة القدم؟ (2)

كيف تشاهد وتحلل مباراة كرة قدم؟ (3)
المصدر : الجزيرة مباشر