كارنيغي: السيسي يبني “منطقة خضراء بالصحراء” لحمايته من شعبه

شبهت الباحثة الأولي لدراسات الشرق الأوسط بمركز كارنيغي، بناء نظام السيسي لعاصمة جديدة شرق القاهرة بـ “المنطقة الخضراء في بغداد” التي شيدت عقب الغزو الأنغلو- أمريكي للعراق عام 2003.

وقالت الباحثة بمركز كارنيغي ميشيل دن، في دراسة تنشرها مجلة (التاريخ المعاصر- كارنت هيستوري) الأمريكية في عدد ديسمبر 2018، إن العاصمة الإدارية الجديدة، التي تسمى مؤقتا باسم “وديان” تعد تجسيدا حقيقيا للمسار الذي يسلكه نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال سنوات خمس مضت من عمر نظامه السلطوي حيث يتم استبعاد المواطنين المصريين، وحكم البلاد من وراء طوق أمني يحميه من مطالب المصريين البالغ عددهم 97 مليون نسمة.

وأوضحت الباحثة في الدراسة المنشورة حاليا على موقع “مركز  كارنيغي للسلام” أن تلك المدينة التي يقوم الجيش المصري ببنائها على بعد 28 ميلا من العاصمة القاهرة، سوف تكون أنيقة وعصرية وذكية بحيث تضم الهيئات والوزارات والمصالح الحكومية جنبا الي جنب مع البنايات السكنية.

وأكدت دن في الدراسة المعنونة: “السيسي يبني منطقة خضراء لمصر” أن حقيقة كون “وديان” غير مفتوحة تماما أمام المواطنين، سوف يخدم فقط إنجاز السيسي الأكبر وهو: إعادة بناء جدار للخوف يفصل المواطنين المصريين عن الدولة ومؤسساتها، حيث تم تحطيم هذا الجدار الذي بناه رؤساء مصر السابقين (ناصر والسادات ومبارك) خلال انتفاضة 2011، وهو ما أسعد الثوار من الشباب لكنه قرع أجراس الخطر عند كبار ضباط الجيش والمؤسسة الأمنية.

مقدمة الدراسة:
  •  المتظاهرون في انتفاضة 2011 حرقوا المقر الرئيس للحزب الوطني الحاكم، كما اجتاحوا مقرات جهاز أمن الدولة في مطلع مارس/آذار من ذات العام 2011، كما كانت مواقع القصر الرئاسي ومقر وزارة الداخلية والمحكمة العليا من بين مواقع التظاهر المفضلة لدى المصريين بعد خلع مبارك في فبراير/شباط من العام 2011.
  • الرئيس المنتخب محمد مرسي خلال فترة الأشهر الستة الأخيرة من حكمه، أظهر ميولا استبدادية بعد مواجهته لمعارضة متزايدة ممن وصفتهم بالجماعات العلمانية، كما تصاعد التوتر بعد إصدار الإعلان الدستوري الذي حصن بمقتضاه قراراته من الطعن أمام القضاء.

 

  • بعد مظاهرات واسعة طالبت مرسي بالاستقالة (أحداث 30 يونيو 2013)، قام وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي بوقف التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد بعد قيامه بانقلاب عسكري في الثالث من يوليو/ تموز من العام 2013، وردت عليه جماعة الإخوان المسلمين باحتجاجات شاملة واعتصامات في ميداني رابعة العدوية والنهضة فيما قام السيسي بحملة واسعة للقمع والتنكيل تضمنت فض الاعتصامات في القاهرة مما أسفر عن مصرع نحو 1000 شخص في يوم واحد في 14 أغسطس/ آب من العام 2013.
  • السنوات الخمس التي مرت على تلك الأحداث، أثبتت أن القمع الذي يقوم به السيسي ونظامه تجاوز ما هو أبعد كثيرا من جماعة الإخوان المسلمين بعد قيامه بسجن أكثر من 60 ألف شخص من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي المصري، وخضع الكثير من المعتقلين لشتى أنواع التعذيب.
الجيش لا يترك شيئا للصدفة:
  • بحلول العام 2018، كان معظم المصريين الذين لعبوا أدوارا مهمة في الحياة العامة خلال الفترة من العام 2000 وحتى الانقلاب العسكري في العام 2013 صاروا إما في السجون أو في المنفى بالخارج فيما يرقى لكونه استنزافا شاملا للعقول المصرية، أما الذين آثروا البقاء في البلاد فقد باتوا يسعون فقط للنجاة من الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد من خلال خفض رؤوسهم وأصواتهم.
  • فيما يتعلق بـ “وديان”، فإن الجيش في مصر لا يترك القليل للصدفة، وكما قال العميد المتقاعد خالد الحسيني سليمان لقناة (إن بي سي نيوز) الأمريكية في أغسطس /آب من العام 2018 فإن الجيش سيقود ويسيطر على المدينة مركزيا، ويعمل الحسيني كناطق رسمي باسم الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية التي تشرف على بناء العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، بما يجعل لها اليد العليا على شركات الانشاء المصرية الخاصة.
  • هذا الترتيب المريح هو الذي يغلف ” الإنجاز” الثاني لنظام السيسي خلال السنوات الخمس الماضية من حكمه وهو: إعادة توجيه الاقتصاد في مصر ضمن صيغة “دولة تخدم جيشها” في مجال الاقتصاد حيث وصل توغل الجيش في الاقتصاد في ظل حكم السيسي مراتب غير مسبوقة من قبل

 

  • من الصعب- وربما من المستحيل- تحديد مساهمة الجيش في الاقتصاد المصري غير أن الضباط رفيعي المستوي في الغالب لا يجدون حرجا في الحديث عن الدور المتزايد للجيش في الاقتصاد المصري، فقد أبلغ ممثل عن وزارة الإنتاج الحربي وكالة “رويترز” للأنباء في مايو/ آيار من العام 2018 الجاري أن عوائد 20 شركة تابعة للوزارة في العام 2018/ 2019 سيصل إلى 15 مليار جنيه مصري (840 مليون دولار) وهو ما يمثل خمسة أضعاف ما حققته في العامين 2013/ 2014.
  • أي مواطن مدني يتحدث عن تدخل الجيش في شؤون الاقتصاد أو سوء الإدارة الحكومية يمكن أن يثير غضب النظام الذي اعتقل الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق في أكتوبر/ تشرين أول الماضي ثم أطلق سراحه بكفالة بعد ذلك بتهمة قيامه بنشر أخبار كاذبة.
مدينة أحلام السيسي:
  • بناء مدينة الأحلام بالنسبة للسيسي يحول طاقات نظامه عن المشاكل الأخرى التي تعاني منها البلاد مثل تناقص موارد البلاد من المياه العذبة، وتزايد معدلات النمو السكاني وعدم القدرة المزمن على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لمصر التي يحتاجها الاقتصاد لخلق المزيد من الوظائف.

 

  • الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر انخفضت في العام 2017 بالمقارنة بعام 2016 السابق عليه لكنها ما لبثت أن عادت للارتفاع الطفيف في العام 2018 الجاري غير أنها لم تصل أبدا إلى مرحلة القفز فوق معدلاتها المعتادة حتى مع الشركات الصينية التي لديها النسبة الأكبر من إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
  • نظام السيسي يعتزم تعديل الدستور للبقاء في الحكم بعد انتهاء مدته الرئاسية الثانية التي تنتهي في العام 2022، وهو يعلم أنه سيمرر التعديل بسهولة في برلمان تم ترويضه واختياره بواسطة المؤسسة الأمنية في انتخابات العام 2015، وكذلك الموافقة في استفتاء شعبي صوري غير أنه يخشى رد الفعل الجماهيري عبر أعمال احتجاج واسعة النطاق.
  • لذلك، فإنه بحلول العام 2020 أو قريبا منها، فإن السيسي سوف يعمل على الانتقال بحكومته إلى ” المنطقة الخضراء ذات الأسوار المحكمة” محاطا بعدد كاف من ضباط الجيش والموظفين المدنيين والدبلوماسيين الأجانب بحيث لا يقلق مطلقا جراء قيام متظاهرين غاضبين بالتجمع بالآلاف حول القصر الرئاسي.
  • قد يكون تجمع الآلاف من المتظاهرين أمام المقار الحكومية كما حدث في العام 2011 للمطالبة بالتغيير، أمرا صعب تخيل حدوثه في العاصمة الإدارية الجديدة غير أن الشباب المصري المبتكر وواسع الحيلة، والإسلاميين المضطهدين، ورجال الأعمال الساخطين، وضباط الجيش الطموحين، الذين يعملون سويا أو بشكل منفصل، ربما يجدون وسائل بمقدورها هدم ” قلعة الرمال” التي يتحصن فيها السيسي.
خلفية:
  • ميشيل دنّ هي باحثة أولى في برنامج  كارنيغيللشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثها على التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وخصوصاً في مصر.
  • المنطقة الخضراء هو الاسم الشائع للحي الدولي في بغداد، العراق، أنشأتها قوات التحالف الدولية التي غزت العراق عام 2003. وتبلغ مساحتها تقريبا  10 كم² وتقع في وسط بغداد. وبدأ اسمها بالظهور مع قيام الحكومة العراقية الانتقالية.
  • المنطقة الخضراء في بغداد من أكثر المواقع العسكرية تحصنا في العراق، وهي مقر الدولة العراقية من حكومة وجيش، إلى جانب احتوائها على مقر السفارة الأمريكية ومقرات منظمات ووكالات حكومية وأجنبية لدول أخرى.
المصدر : الجزيرة مباشر + مركز كارينغي