قصة الدايت.. أهلا بالسكّر (الحلقة الرابعة)

الغذاء المحتوي على كمية كبيرة من السكر المضاف يرفع مستوى الدهون في الدم

إحدى أهم التغيرات التي شهدها القرن التاسع عشر هو دخول السكر بشكل كبير في تغذية عامة الناس.

وهو لم يكن شيئًا جديدًا، لكن عندما كان ينتج من قصب السكر كان مرتفع الثمن وبالتالي لم يكن متاحًا بكميات كبيرة لعامة الشعب.

مثلا استهلك الفرنسيون في بداية القرن التاسع عشر، حوالي 1.6 رطل من السكر للشخص الواحد، ولكن بفضل تطور عملية استخراج السكر من البنجر في عام 1812، بدأت أسعار السكر في الانخفاض وأصبح السكر تدريجيًا مكونًا غذائيًا شائعًا.

وارتفع استهلاك السكر في فرنسا ليصل 16 رطلًا في السنة للشخص الواحد في عام 1880، و34 رطلًا في عام 1900، و60 رطلًا في عام 1930، و80 رطلًا في عام 1960.

السكر والصحة

هذا الدخول للسكر في الحمية الغذائية سيكون له انعكاسات سلبية على الصحة، فمثلًا السكر يلعب دورًا أساسيًا في مرض تسوس الأسنان، والعلاقة بين تسوس الأسنان والسكر مثبتة، وهذا يشمل العصائر والعسل والدبس والحلويات، فجميعها تسبب التسوس.

أيضًا هناك علاقة بين استهلاك السكر وأمراض القلب، إذ قد يؤدي الغذاء المحتوي على كمية كبيرة من السكر المضاف كالسكروز والسكر البني إلى رفع مستوى الدهون في الدم مما يزيد مخاطر أمراض القلب.

التغير الثاني الكبير في تغذية الناس في القرن التاسع عشر هو تطور عملية طحن القمح، مما جعل الطحين الأبيض متاحًا للجميع وبأسعار معقولة.

في القرن التاسع عشر ومع الثورة الصناعية أصبح تصنيع المواد الغذائية صناعة عملاقة، وتم تطوير طرق حفظ الطعام، مما سمح بتوفير عدد كبير من الأطعمة الطازجة للمستهلكين بشكل مستمر وفي خارج مواسمها التقليدية.

ربطت أبحاث السكر الزائد بمرض الشريان التاجي وفرط الدهون الثلاثية والسرطان وتسوس الأسنان (الجزيرة مباشر)
القرن العشرين

حدثت في القرن العشرين تغيرات هائلة في التغذية، من أبرزها تقدم علم التغذية الحديث، حيث تم عزل أول فيتامين وتعريفه كيميائيًا في عام 1926 قبل أقل من 100 عام.

شهد النصف الأول من القرن العشرين تحديد العديد من الفيتامينات والمعادن واستخدامها لمنع وعلاج الأمراض المرتبطة بنقص التغذية، مثل داء الاسقربوط (نقص فيتامين سي)، ومرض البري بري (نقص الثيامين)، والبلاغرا (نقص النياسين)، والكساح (نقص فيتامين دي)، وفقر الدم (نقص الحديد وفيتامين بي 12).

توصل كازيمير فونك في عام 1913 إلى فكرة وجود “أمين حيوي” (فيتامين) في الغذاء، ونشأت الفكرة من ملاحظة مفادها أن قشرة الأرز غير المعالج تحمي الدجاج من حالة تشبه “البري بري”.

تم عزل هذا الفيتامين في عام 1926، وسمي الثيامين، وتم تصنيعه في عام 1936، وفي عام 1932 تم عزل فيتامين سي، وثبت أنه يحمي من الاسقربوط.

أدت هذه الاكتشافات إلى تدعيم أطعمة أساسية بالمغذيات الدقيقة، مثل إضافة اليود إلى الملح، وإضافة النياسين (فيتامين B3) والحديد إلى دقيق القمح والخبز.

أثبتت هذه الأساليب فعاليتها في الحد من انتشار العديد من أمراض نقص التغذية الشائعة، بما في ذلك تضخم الغدة الدرقية (اليود)، الكساح (فيتامين د)، وفقر الدم (الحديد).

 تم تدعيم عديد من الأطعمة حول العالم بالكالسيوم والفوسفور والحديد وفيتامينات (أ، ب، ج، د)، اعتمادًا على تكوين الأطعمة الأساسية المحلية.

من خمسينيات القرن الماضي حتى 1970 انخفضت معدلات سوء التغذية نتيجة نقص السعرات الحرارية ونقص الفيتامينات بشكل حاد في البلدان ذات الدخل المرتفع بسبب التنمية الاقتصادية والزيادات الكبيرة في المعالجة منخفضة التكلفة للأغذية الأساسية المدعمة بالمعادن والفيتامينات.

اتجاهات بحثية جديدة

وفي الوقت نفسه بدأ الاعتراف بالأعباء المتزايدة للأمراض غير المعدية المرتبطة بالنظام الغذائي، مما أدى إلى اتجاهات بحثية جديدة، وشمل الاهتمام بمجالين: الدهون والسكر.

ساهمت أبحاث من أبرزها دراسات للعلماء أنسل كيز، وفريدريك ستير، ومارك هيجستد، في الاعتقاد السائد بأن الدهون كانت مساهمًا رئيسيًا في أمراض القلب.

في الوقت نفسه ربطت أبحاث جون يودكين وغيره السكر الزائد بمرض الشريان التاجي وفرط الدهون الثلاثية والسرطان وتسوس الأسنان.

في نهاية المطاف حصل التركيز على دور الدهون في أمراض القلب على قبول علمي وسياسي، وهو ما تجسد في تقرير لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي لعام 1977 عن الأهداف الغذائية للولايات المتحدة، والتي أوصت بتناول وجبات منخفضة الكوليسترول ومنخفضة الدهون للجميع.

ولكن في عام 1980 استعرض مجلس الأغذية والتغذية التابع للأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم البيانات، وخلص إلى أنه لا توجد أدلة كافية للحد من إجمالي الدهون والدهون المشبعة والكوليسترول بين السكان.

في البلدان الأقل ثراء في العالم ظلت الأهداف الرئيسية لسياسة وتوصيات التغذية خلال هذه الفترة هي زيادة السعرات الحرارية ومغذيات دقيقة مختارة.

ترافقت هذه الجهود مع تدعيم الأطعمة الأساسية وكذلك برامج المساعدات الغذائية لتعزيز بقاء ونمو الرضع والأطفال الصغار في الفئات الضعيفة من السكان.

منذ السبعينيات وحتى عام 1990 استمر تسارع التنمية الاقتصادية والتقنيات الزراعية وتقنيات تصنيع الأغذية، وأيضًا سُجل ارتفاع في العديد من الأمراض المزمنة المرتبطة بالنظام الغذائي مثل السمنة ومرض السكري من النوع الثاني وعدة أنواع من السرطان.

منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر حدث تقدم في مجال تصميم وإجراء دراسات واسعة في التغذية، مما قدم معلومات جديدة ومهمة.

وأظهرت التطورات الحديثة في علم التغذية أن الأطعمة وأنماط النظام الغذائي تفسر العديد من تأثيرات النظام الغذائي على الأمراض غير المعدية.

في الحلقة القادمة نتعرف على مفهوم الحصص الغذائية، والسعرات الحرارية.

اقرأ أيضًا: قصة الدايت.. العصور الوسطى في أوربا (الحلقة الثالثة)

 

المصدر : الجزيرة مباشر