في كرة القدم: لا تصدق (أحيانا) ما تراه عيناك!

فاز ليستر سيتي على ساوثهامبتون في ملعبه سان ماري ووسط جمهوره بـ 9-صفر.

المتنبي قال قبل مئات السنين (إذا رأيت نيوب الليث بارزة.. فلا تظنن أن الليث يبتسم) وهذه الحكمة القديمة تعني أنه أحيانا لا يكون كل ما تراه العيون صحيحاً.

الدكتور علاء صادق

وهو ما حدث هذا الأسبوع في ملاعب كرة القدم خلال مباراتين تفصلهما آلاف الكيلومترات في المسافة ويفصلهما فارق شاسع في المستوى الفني، لكن كرة القدم تبقي دائما رياضة الإثارة والغرائب والمفاجآت في كل زمان ومكان، ولذلك استحقت شعبيتها الجارفة ولقبها (اللعبة الجميلة).

في سان ماري

مباراة ساوثهامبتون في ملعبه سان ماري ووسط جمهوره ضد ليستر سيتى في المرحلة العاشرة من البريميرليغ الدوري الإنجليزي لكرة القدم انتهت بهزيمته 9-صفر.
رقم قياسي لأكبر فوز لفريق ضيف في تاريخ المسابقة باسمها الجديد (بريميرليغ)، وسبق لمانشستر سيتي الفوز 9-صفر على إيبسويتش عام 1995 في بريميرليغ ولكن على ملعبه.
فاز ليستر سيتي 9-صفر في ظل أكبر انهيار فني وبدني ومعنوي من لاعبي ساوثهامبتون خلال تاريخ النادي الطويل مع كرة القدم، وهو الأمر الذي دفع الآلاف من جماهير الناديين لاسيما أنصار ساوثهامبتون إلى فرك عيونهم غير مرة خلال اللقاء لتصديق أن ما يرونه واقعاً وليس كابوساً، وكان طبيعياً أن يغادر الآلاف منهم المدرجات بعد نهاية الشوط الأول الذي شهد خمسة أهداف بينما صمدت قلة لا تتجاوز ألف متفرج حتى صفارة النهاية لتغادر بعد السقوط المهين.
كل شيء في كرة القدم كان غريباً حتى إن الخبير ليعتقد أن المباراة أقيمت بالخطأ بين لاعبين كبار من المستوى الأول وبين فريق من اللاعبين المعتزلين العائدين إلى الملاعب على سبيل الترفيه.
وسيكتب تاريخ كرة القدم أنه وربما للمرة الأولى في تاريخ كرة القدم يمنح مدافعان لمنافسيهم المهاجمين تمريرتين نهائيتين (أسيست) ومن داخل منطقة الجزاء ليسجل المنافس هدفين ولا أسهل، ولو جاءت التمريرتان من مهاجمين لاعتبرهما الخبراء من أجمل وأذكى التمريرات في عالم اللعبة.

طرد مبكر لريان برتراند لاعب ساوثهامبتون شهدته الدقيقة العاشرة في بداية الهجمة التي أسفرت عن الهدف الأول بقدم الظهير الأيسر تشيلويل (النجم الأول للمباراة وللمرحلة رغم أن زميليه بيريز وفاردي تقاسما إحراز ستة أهداف).
وسمح الحكم باستمرار اللعب حتى لا يستفيد الفريق المخطئ من المخالفة الجسيمة التي ارتكبها، وصدق حس الحكم باستمرار اللعب وجاء الهدف وأتبعه الطرد المستحق الذي قتل المباراة مبكرا؛ وتفكك ساوثهامبتون مرتين في ثوان بالهدف والطرد ثم كان الانهيار.
رالف هاسينهاتل المدير الفني للفريق الخاسر قال إنه لم يشهد في تاريخه الطويل مع كرة القدم مباراة كارثية مثلما قدم فريقه حيث تحول لاعبوه في معظم فترات المباراة إلى مشاهدين، ولكنه لم يتبرأ من المسؤولية وأعلن أنه يتحمل الهزيمة وتبعاتها واعتذر لجمهوره، ثم أشار إلى أن لاعبيه افتقدوا كل أنواع الجدية والإصرار والقتال.
المثير أن ساوثهامبتون الجريح سيخرج لمانشستر سيتي (أقوى هجوم في أوربا) لأداء مباراتين متتاليتين في أسبوع في الكأس والدوري. 

جينراسيون فوت المغمور تلاعب بالزمالك العريق في كل عناصر اللعبة من سرعة ولياقة ومهارة وانتشار وتنوع في الألعاب
وفي القاهرة

ومن إنجلترا إلى القاهرة ومباراة الإياب في الدور الثالث لدوري الأبطال الأفريقي بين الزمالك المصري (ثاني أكثر الأندية تتويجا باللقب) وضيفه السنغالي جينراسيون فوت أحد أحدث الأندية تأسيسا وأقلها مشاركة في البطولة القارية الكبرى، وتشكيلته لا تضم أي لاعب دولي على الإطلاق.
وهنا ملاحظة أن المنتخب السنغالي في كأس أمم أفريقيا 2019 لم يضم أي لاعب من الأندية المحلية.
وكان جينراسيون قد حقق مفاجأة صارخة بفوزه ذهابا في داكار 2-1 وتعين على الزمالك الفوز في ملعبه بفارق هدفين أو بنتيجة 1-صفر.
المباراة سارت غريبة من دقائقها الأولى بلجوء الضيوف الذين يكفيهم التعادل إلى الهجوم واللعب المفتوح حتى اهتزت شباكهم بالهدف المرجو لجماهير الزمالك في الدقيقة 17، ومعه بدأت الغرابة لأن مدافعا سنغاليا هو الذي قام بالدور نيابة عن منافسيه.
وعلى مدار 80 دقيقة من عمر الشوطين وحتى الصفارة النهائية لحكم المباراة الكاميروني اليوم نيانت كان للضيوف المغمورين الكلمة العليا والسيادة والهجوم والفرص والتسديدات، وانكمش أصحاب الملعب وهم أبطال مصر كثيرا وأبطال القارة بما يزيد عن مجموع الألقاب التي حققتها الأندية السنغالية معا، ومجددا فركت الجماهير عيونها في المدرجات وتساءلت، هل الفريق الذي يرتدي اللون الأبيض الشهير هو نادي الزمالك صاحب الملعب والجمهور والنجوم والتاريخ؟

ليس طبيعيا أن يظهر الزمالك بذلك المستوى الهزيل رغم توافر كل الإمكانات لمدربه الصربي ميتشو وللاعبيه (ومنهم 15 لاعبا دوليا في منتخبات مصر والمغرب وتونس) وتواجد أكثر من سبعة آلاف مشجع متحمس في المدرجات على رغم إقامة كل مباريات الكرة في مصر من دون حضور جماهيري، وحتى ركلة الجزاء التي ارتكبها مدافع سنغالي بطريق الخطأ إثر لمسة يد غير متعمدة وكان الحكم الكاميروني موفقا في احتسابها، أهدرها محمود علاء أكثر لاعبي مصر توفيقا في تسديد ركلات الجزاء، فاليوم ليس يوم الزمالك.
جينراسيون فوت المغمور تلاعب بالزمالك العريق في كل عناصر اللعبة من سرعة ولياقة ومهارة وانتشار وتنوع في الألعاب، حتى إن نسبة الاستحواذ على الكرة كانت غريبة للغاية بتفوق الضيوف زمنيا لأكثر من الضعف، ومن الغريب أيضا أن يكون حارس مرمى الزمالك محمد عواد بطل المباراة وينقذ فريقه من عدة تسديدات وأهداف محققة حتى استبدل بعد إصابته من فرط حماسته ومخاطراته المتكررة.
لكن اليوم كان غريبا في كل شيء، ولحسن الحظ أن المباراة انتهت بفوز الزمالك 1-صفر وتأهله إلى الدور التالي في البطولة (دوري المجموعات).
في كرة القدم، يحدث أحيانا أن ترى ما لا يمكن تصديقه ولا يمكن تكراره إلا نادرا.ولكنه يحدث!

المصدر : الجزيرة مباشر