عام على هجوم حفتر الفاشل.. طرابلس ليست بنغازي

المتحدث باسم قوات الوفاق الليبية أعلن رسميًا بداية معركة تحرير مطار طرابلس

أعلنت قوات حكومة الوفاق الليبية، الجمعة، مقتل 24 من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إثر ضربات جوية استهدفت تجمعات لهم قرب مدينة سرت الساحلية.

وفي وقت سابق الجمعة، دمرت قوات الوفاق، ضمن عملية “عاصفة السلام”، 3 طائرات لقوات حفتر في قاعدة “الوطية” الجوية.

ورغم إعلانها، في 21 مارس/ آذار الماضي، الموافقة على هدنة إنسانية للتركيز على جهود مكافحة فيروس كورونا، إلا أن قوات حفتر، تواصل خرق التزاماتها بقصف مواقع مختلفة بالعاصمة.

وردا على ذلك، أطلقت حكومة “الوفاق” عملية “عاصفة السلام” العسكرية، في 25 مارس الماضي.

ورغم مرور عام على محاولة قوات حفتر اقتحام العاصمة طرابلس، إلا أنها عجزت عن تحقيق ذلك حتى الآن.

ويأتي عجز حفتر رغم الدعم الذي يتلقاه من دول كبرى وأخرى إقليمية على غرار روسيا وفرنسا والإمارات ومصر والسعودية وحتى مؤخرا من النظام السوري، فضلا عن مرتزقة من أوربا الشرقية وأفريقيا.

عملية عاصفة السلام التي تشنها قوات الوفاق

وحرمت المقاومة التي تبديها قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، حفتر من نصر قريب، كما تعهد أكثر من مرة وأخلف، فيما أصبحت جائحة كورونا تهدد قواته.

طرابلس ليست بنغازي

مرت أيام وأسابيع بل أشهر طويلة دون أن تقتحم قوات حفتر طرابلس، رغم أنها أعلنت مع بداية هجومها في 4 أبريل/نيسان 2019، أن الأمر لن يستغرق سوى 48 ساعة، لكن وبعد مرور عام، أصبح الحديث في شرق ليبيا عن نموذج بنغازي (مدينة تبعد ألف كلم عن طرابلس) التي تطلبت عملية السيطرة عليها أربع سنوات (2014-2017) وكلفت حياة آلاف المسلحين، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة.

لكن هل فعلا معركة طرابلس تشبه بنغازي؟ الأكيد أن الأمر مختلف تماما ومن عدة جوانب، رغم بعض أوجه التشابه.

ففي بنغازي تشكل تحالف بين كتائب ثوار المدينة الذين أطاحوا بنظام معمر القذافي في 2011، وتنظيم أنصار الشريعة، تحت اسم مجلس شورى ثوار بنغازي، بهدف صد محاولة حفتر السيطرة على المدينة في 2014.

تمتلك حكومة الوفاق، الشرعية الدولية وتحظى بحاضنة شعبية واسعة في طرابلس وفي عدة مدن بالغرب الليبي (غيتي)

ولم يكن عدد مسلحي شورى بنغازي يتجاوز بضع مئات، مزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة وعدد من الآليات المسلحة، لكنهم لا يملكون طائرات حربية ولا منظومة دفاع جوي، بينما تسيّد طيران حفتر وحلفاؤه الدوليون سماء المعركة بدون منازع.

كما أن شورى بنغازي كان يفتقد لحاضنة شعبية كبيرة باستثناء أحياء قليلة وسط المدينة، في حين أن أغلب أحياء بنغازي والمدن المحيطة بها تقطنها قبائل داعمة لحفتر، أو سكان موالون لنظام القذافي (اللجان الثورية)، ما أدى إلى ظهور الصحوات أو الخلايا النائمة، الذين قلبوا انتصارات شورى بنغازي إلى هزيمة.

 ثوار بنغازي، كانوا يفتقدون الدعم الدولي، وتطاردهم شبهة التطرف، خاصة بعد تحالفهم مع أنصار الشريعة في إطار مقولة عدو عدوي صديقي، لكن دخول تنظيم الدولة إلى بنغازي في 2015 للقتال ضد حفتر، ألصق بثوار بنغازي شبهة أخرى هي التنسيق مع الإرهاب.

وبعد دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس في 2016، وتآكل سلطة حكومة الإنقاذ في العاصمة، فقدَ ثوار بنغازي آخر دعم سياسي وعسكري لهم من غرب البلاد، خاصة بعد أن تولى أحد خصومهم في المدينة وزارة الدفاع في حكومة الوفاق (المهدي البرغثي) وكانت نهايتهم، رغم مقاومتهم الشرسة.

وعلى العكس من ثوار بنغازي، تمتلك حكومة الوفاق، الشرعية الدولية، وتحظى بحاضنة شعبية واسعة في طرابلس وفي عدة مدن بالغرب الليبي، عَكَستها المظاهرات الحاشدة التي خرجت في الذكرى التاسعة للثورة الليبية في 17 فبراير/شباط 2020، المنددة بحفتر.

كما تملك القوات الحكومية جيشا يضم عشرات الآلاف من المقاتلين، بالإضافة إلى آلاف الآليات المسلحة ومئات الدبابات، وطائرات نفاثة ومسيرة، ومنظومة دفاع جوي بطرابلس ومصراتة، وهو ما وازن الأمر مع طيران حفتر إلى حد ما، بل تفوق عليه مؤخرا.

وتحيط بطرابلس، مقر الحكومة الليبية، مدن قوية وداعمة لها مثل مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) والزاوية (50 كلم غرب طرابلس) وغريان (100 كلم جنوب طرابلس) وشطر من الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس)، بالإضافة إلى زوارة (100 كلم غرب طرابلس).

وهذه المدن لا تكمن أهميتها فقط في قربها من طرابلس، بل في كتلتها البشرية التي تعادل لوحدها أكثر من نصف سكان البلاد، البالغ عددهم أكثر من 6.5 ملايين نسمة، وما يمثله ذلك من قوة بشرية استعانت بها الحكومة في حشد مزيد من القوات وتحقيق التفوق العددي على مليشيات حفتر.

ولعبت قوات الوفاق، الدور الأبرز في القضاء على إمارة تنظيم الدولة في مدينة سرت ومحيطها (450 كلم شرق طرابلس)، وعناصره في مدينة صبراتة (70 كلم غرب طرابلس)، وفي العاصمة ذاتها التي تلقت عدة هجمات من التنظيم، مما يجعل الدعاية التي روجها حفتر في بنغازي حول مكافحته للإرهاب غير قابلة للإسقاط على طرابلس.

لذلك فتعويل قوات حفتر على عامل الزمن لدخول طرابلس رهان خاسر، خاصة وأن معظم عناصرها يقاتلون بعيدا عن ديارهم وأهاليهم، ولا بد أن يتسلل اليأس والملل يوما ما إلى نفوسهم، ويفقدهم حماسة القتال.

فضلًا على أن عودة طيران الوفاق لاستهداف خطوط الإمداد البعيدة والطويلة لقوات حفتر من شأنه استنزافها، وإفقادها القدرة على التقدم أكثر.

المصدر : الأناضول