صندوق النقد.. الإرادة السياسية ضرورة لمكافحة الفساد

شعار صندوق النقد الدولي على مقره في العاصمة الأمريكية واشنطن - أرشيفية

تتطلب مكافحة الفساد إرادة سياسية، لخلق مؤسسات مالية قوية، تشجع النزاهة والمساءلة في كل أجزاء القطاع العام.

ما من بلد محصن من الفساد، وتؤدي إساءة استخدام الوظيفة العامة بغرض تحقيق كسب خاص إلى تقويض ثقة الشعوب في حكوماتها ومؤسساتها، وإضعاف فعالية السياسات العامة والانتقاص من عدالتها، وتحويل أموال دافعي الضرائب بعيدا عن الإنفاق على المدارس والطرق والمستشفيات.  

وفي حين أن الأموال المهدرة مهمة، فإن التكلفة أكبر من ذلك بكثير، فالفساد يُحْدِث تآكلا في قدرة الحكومة على مساعدة الاقتصاد على النمو بصورة تعود بالنفع على كل المواطنين.

لكن الإرادة السياسية لبناء مؤسسات قوية وشفافة يمكن أن تحوِّل مجريات الأمور ضد الفساد، بحسب تقرير الراصد المالي، الذي يصدره صندوق النقد الدولي

سلط التقرير الضوء على مؤسسات وسياسات المالية العامة، مثل الإدارة الضريبية أو ممارسات المشتريات العامة، ونوضح كيف يمكن أن تعمل على مكافحة الفساد.

الفساد يساعد على التهرب الضريبي

حلل التقرير حالات أكثر من 180 بلدا، وخلص إلى أن البلدان كلما زاد فيها الفساد، قَل تحصيلها للضرائب، إذ يدفع الناس الرشاوى لتجنبها بشتى السبل، ومنها استغلال الثغرات الضريبية المصممة للاستفادة من العمولات غير المشروعة، وعلاوة على ذلك، فحين يقتنع دافعو الضرائب بأن حكوماتهم فاسدة، تزداد احتمالات تهربهم من سدادها.

وأوضح التقرير بشكل عام أن أقل الحكومات فسادا تحصِّل إيرادات ضريبية تزيد بنسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي على ما تحصله البلدان المناظرة في مستوى التنمية الاقتصادية التي بلغت أعلى مستويات الفساد، بل إن بضعة بلدان حققت إيرادات أعلى من خلال الإصلاحات.

 في جورجيا، على سبيل المثال، تم تخفيض الفساد إلى حد كبير فزادت الإيرادات الضريبية بأكثر من الضِعف، أي بنسبة 13% من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2003 و 2008.

في رواندا، أثمرت الإصلاحات الرامية إلى مكافحة الفساد منذ منتصف التسعينات ورفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 6 % من إجمالي الناتج المحلي.

 يتسبب الفساد أيضا في الحيلولة دون استفادة المواطنين بشكل كامل من الثروة التي تدرها الموارد الطبيعية في بلدانهم. فالتنقيب عن النفط أو المعادن يولد أرباحا هائلة، ومن ثم يخلق حوافز قوية للفساد. ويوضح البحث أن متوسط البلدان الغنية بالموارد لديها مؤسسات ضعيفة ومستوى أعلى من الفساد.

الفساد يهدر أموال دافعي الضرائب

يشير التقرير إلى أن البلدان التي تقل فيها مستويات الفساد المُتَصَوَّر تتسم بمستويات هدر أقل بكثير أيضا في مشروعات الاستثمار العام. وتشير التقديرات إلى أن أكثر اقتصادات الأسواق الصاعدة فسادا تهدر أموالا تعادل ضِعف ما تهدره أقل البلدان فسادا.

تهدر الحكومات أموال دافعي الضرائب حين تنفقها على تجاوزات في التكاليف بسبب العمولات غير المشروعة أو التلاعب بالعطاءات في المشتريات العامة. ومن ثم، فحين يكون البلد أقل فسادا، يقوم باستثمار الأموال على نحو أكثر كفاءة وإنصافا.

الفساد والتعليم

يؤدي الفساد أيضا إلى تشويه أولويات الحكومة، ففي البلدان منخفضة الدخل، على سبيل المثال، تقل النسبة المخصصة للتعليم والصحة في الموازنة العامة بمقدار الثلث في البلدان الأكثر فسادا.

يؤثر الفساد على فعالية الإنفاق الاجتماعي، ففي البلدان الأكثر فسادا، يحصل طلاب المدارس على درجات أقل في الاختبارات المدرسية.

يشكل الفساد مشكلة أيضا في المؤسسات المملوكة للدولة، مثل شركات النفط في بعض البلدان، والمرافق العامة كشركات الكهرباء والمياه، ويشير التحليل إلى أن هذه المؤسسات أقل كفاءة في البلدان التي ترتفع فيها مستويات الفساد.

حيثما وُجدت الإرادة السياسية، وُجد المخرج

بعض الدروس التي تساعد البلدان على بناء مؤسسات فعالة تقلص مواطن التعرض للفساد:

الاستثمار في رفع مستويات الشفافية والفحص الخارجي المستقل:

يسمح هذا بتحقيق إشراف فعال من أجهزة التدقيق والجمهور العام. فعلى سبيل المثال، تستخدم كل من كولومبيا وكوستاريكا وباراغواي منصة إلكترونية تسمح للمواطنين بمراقبة التقدم المادي والمالي للمشروعات الاستثمارية.

في النرويج، وُضِع معيار عالٍ للشفافية في إدارة الموارد الطبيعية. ويشير التحليل أيضا إلى أن الصحافة الحرة تعزز المنافع المحققة من شفافية المالية العامة.

في البرازيل، أثرت نتائج عمليات التدقيق على احتمالات إعادة انتخاب المسؤولين المشكوك في سوء استخدامهم للأموال العامة، لكن التأثير كان أكبر في المناطق التي تتوافر فيها محطات إذاعية محلية.

إصلاح المؤسسات:

تزداد فرص النجاح حين تصمم البلدان إصلاحات لمعالجة الفساد من جميع الزوايا. فعلى سبيل المثال، تؤتي إصلاحات الإدارة الضريبية ثمارا أكبر إذا كانت القوانين الضريبية أبسط، وكانت تضيِّق مساحة التقدير الاستنسابي المتاحة للموظفين.

بناء خدمة مدنية مهنية:

تقل فرص الفساد في وجود ممارسات شفافة وقائمة على الجدارة للتعيينات والأجور. فيجب أن يعمل رؤساء الهيئات والوزارات والمؤسسات العامة على تشجيع السلوك الأخلاقي بتقديم قدوة واضحة على قمة الهرم الوظيفي.

مواكبة التحديات الجديدة مع تطور التكنولوجيا وفرص التجاوز:

يتعين التركيز على المجالات عالية المخاطر – مثل المشتريات وإدارة الإيرادات وإدارة الموارد الطبيعية – بالإضافة إلى الضوابط الداخلية الفعالة.

في شيلي وكوريا، على سبيل المثال، كانت نظم الشراء الإلكتروني أدوات قوية للحد من الفساد عن طريق تعزيز الشفافية وتحسين المنافسة.

زيادة التعاون لمكافحة الفساد:

من الممكن أيضا أن تبذل البلدان جهودا متضافرة تجعل من الأصعب على الفساد أن يعبر حدودها الوطنية.

على سبيل المثال، قام أكثر من 40 بلدا حتى الآن بتجريم الرشاوى التي تدفعها الشركات لكسب صفقات تجارية في الخارج بمقتضى اتفاقية “منظمة التعاون والتنمية للميدان الاقتصادي” المعنية بمكافحة الفساد*. وتستطيع البلدان الانخراط بقوة أيضا في أنشطة مكافحة غسل الأموال والحد من فرص الفساد العابرة للحدود الوطنية التي تتيح إخفاء حصيلة الفساد في مراكز مالية غير شفافة.

إن كبح الفساد تحدٍ يتطلب المثابرة على عدة أصعدة، لكنه يحقق كسبا وفيرا في نهاية المطاف، وهو يبدأ بالإرادة السياسية، ومواصلة تقوية المؤسسات لتعزيز النزاهة والمساءلة، والتعاون الدولي.

المصدر : الجزيرة مباشر