صنداي تايمز تروي خفايا قصة سقوط رامي مخلوف في سوريا

رجل الأعمال السوري رامي مخلوف "يمين" والرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء

كشفت صحيفة صنداي تايمز البريطانية عما قالت إنها قصة سقوط رجل المال السوري الشهير رامي مخلوف والخلافات التي نشبت مع ابن خاله رئيس النظام السوري بشار الأسد والعائلة الحاكمة في سوريا.

وفي تقرير لمراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط ” لويز كالاغان”، روت الصحيفة كيف تحول الملياردير السوري الشهير من داعم حرب ابن خاله على الشعب السوري إلى شخص منبوذ من عائلة الأسد.

وفي تقرير بعنوان “رجل المال السوري في ورطة مع عائلة بشار الأسد الحاكمة” سردت الصحيفة البريطانية كيف أن الملياردير رامي مخلوف الذي كان يسيطر على نحو 60 بالمئة من اقتصاد سوريا قبل الحرب، موّل حرب بشار الأسد التي فاز بها مستفيدا من ثروة قُدرت في عام 2008 بنحو ستة مليارات دولار.

وذكرت الصحيفة أن رامي مخلوف كان يشار إليه غالبا بأنه “صراف عائلة الأسد” إلا أنه الآن بات في مشكلة عويصة.

وقالت الصحيفة إنه “على مدار الأشهر القليلة الماضية تابع السوريون النشر غير المسبوق للغسيل القذر من داخل أكثر الدوائر قربا من النظام، إذا يحاول مخلوف مواجهة محاولات من الحكومة السورية لمصادرة أصوله وتجميدها”.

وتابعت “وفي سلسلة من التسجيلات المصورة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” راوح مخلوف بين التهديدات المبطنة والنأي المحرج عن الرئيس، فبعد كل سنين خدمته، اشتكى من أن الأجهزة الأمنية تستهدف موظفيه وتصادر أعماله”.

وقال مخلوف “طُلب مني التنحي” متوسلا من الأسد “الإنصاف”.

وذكرت الصحيفة: “كانت هذه إشارة واضحة أن العائلة، التي تُقارن طريقة عملها كثيرا بعمليات المافيا، تتقوقع على نفسها إذ يتحرك الأسد لتعزيز سلطته على البلاد”.

وقالت الصحيفة: “كشفت المحادثات مع دبلوماسيين ورجال أعمال -مع نظرة ثاقبة للنظام- حيثيات سقوط رجل المال في العائلة من النعيم. كما كشف هؤلاء كيف أن الأسد، بعد أن انتصر في الحرب، يسلب الشخص الذي مولها ثروته. وفي غضون ذلك، فتحت الأعمال القذرة للطبقة الحاكمة في سوريا ليراها الجميع”.

كما سلطت الصحيفة الضوء على دور السيدة السورية الأولى أسماء الأسد وتمهيد الطريق أمام ابنها “حافظ بشار” باعتباره وجها جديدا للنظام.

القصة كما ترويها الصحيفة كالتالي:

بدأت الشائعات بشأن الحملة ضد مخلوف العام الماضي، إثر نشوب خلاف بشأن امتناعه عن رد ملايين اقترضها إلى الأسد بينما يتباهى بثروته في الخارج.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي جمد وزير المالية أصول مخلوف بدعوى ما قيل إنه رسوم جمارك لم تسدد.

نفى مخلوف أي صلة بالشركة وسرعان ما بدأت الرئاسة هي الأخرى بالسيطرة على جمعية البستان التابعة لمخلوف، وهي منظمة خيرية ومليشيا لطالما استخدمها على أنها إقطاعيته الخاصة.

داهمت السلطات المصرية الشهر الماضي سفينة شحن من سوريا كانت تحمل فيما يبدو علب من الحليب من شركة مملوكة لمخلوف. سرعان ما كشف أنها محشوة بمخدرات الحشيش. وعلى الرغم من نفي مخلوف أي تورط، إلا أن هذا أعطى انطباعا لا يُمحى عن أن مخلوف يحاول إثراء نفسه من خلال طرق غير تقليدية.

قال  الدبلوماسي السوري السابق،بسام بربندي، والذي انشق عن النظام في عام 2012 ويعيش حاليا في واشنطن: “أعتقد أنهم ببساطة يرغبون في وجه جديد؛ لأن رامي أصبح يمثلا صداعا بالنسبة لهم”.

لطالما كان مخلوف العالم ببواطن الأمور، والذي يفعل كل ما بوسعه؛ ليجعل من نفسه لا غنى عنه بالنسبة للنظام. وكان والده المتشدد رجل المال صهر الديكتاتور الراحل حافظ الأسد، والد بشار، وساعد في تشكيل المجمع الصناعي العسكري الشبيه بالمافيا لسوريا الحديثة.

وظل رامي مراعيا لوالده، وفقا لعدد من الأشخاص التقوا معه قبل الحرب إلا أنه على غرار بشار، كان طفلا يحمل امتيازات انتقل إلى أعلى الدوائر في دمشق، وحكموا دمشق باعتباره جزءًا من جيل ثانٍ أكثر ليونة حوّل اقتصادا مركزيا على النمط السوفيتي إلى اقتصاد أوليغاري بنقاط وصولة غامضة بالأسواق الدولية.

وقال بربندي “أردوا أن يظهروا للجميع بالقوة أنه لا يمكن لأحد أن يتحداهم؛ فعندما كنا في المدرسة الثانوية، كان كل واحد منا يرغب في شراء سيارة إلا أنك لا يمكنك شراء سيارة أفضل من سيارة مخلوف حتى لو كنت قادرا على شرائها إلا أنك لا يمكنك شراءها، كان لا يمكن المساس بهم”.

تقول القصة إنه في أحد المرات أرسل مخلوف حراسه لضرب ابن وزير الخارجية لفوزه عليه في سباق للسيارات. احتمى الابن بمكتب أبيه، حيث تنحى الحراس جانبا تاركين رجال مخلوف يعتدون عليه.

ومع سنين عمره، بدأ مخلوف في جمع المال والسلطة من حوله، وكان أول ظهور كبير له عندما فتح سلسلة متاجر معفاة من الرسوم الجمركية على الحدود اللبنانية ما سمح للطبقة الغنية في دمشق أن تقود سيارتها للتزود بالشمبانيا وكبد الإوز دون الاضطرار إلى الذهاب إلى بيروت وتهريب البضائع في مؤخرة سياراتهم.

ويقول أستاذ التاريخ والأنثروبولوجيا في جامعة شواني ستيت بولاية أوهايو الأمريكية ومسؤول الآثار السابق في سوريا، عمرو العظم: “كان هذا عندما بدأنا نسمع للمرة الأولى عن رامي، ومع سنوات الألفية الجديدة أصبح -حرفيًا- المصدر الرئيسي للقوة الاقتصادية في البلاد”.

وبعد استحواذ مخلوف على شركة سيريتل، وهي شركة الاتصالات الحكومية في البلاد، تحول مخلوف، وفق وزارة الخزانة الأمريكية، إلى بقرة حلوب.

ومع إدارة مخلوف للاقتصاد بالنيابة عن الرئيس، أصبح من المستحيل تقريبًا أن يُمارس نشاط دون موافقته.

ومع عمل حافظ، شقيق رامس، كمسؤول بارز في الأجهزة الأمنية، تمدد نطاق العائلة في نظام المصالح المعقد للنظام الحاكم.

إلا أن التوترات بين أقوى عائلين في سوريا تستعر منذ فترة طويلة حتى قبل الحرب، ويتحدث المجتمع الدمشقي خفية عن العداوة المستعرة بين السيدة الأولى أسماء الأسد، البريطانية التي ترتدي أحذية كريستيان لوبوتان الفاخرة، وعائلة مخلوف، ويتكهن مقربون سابقون أن العداوة الشخصية لا تزال متعمقة.

ومع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، تحول المزاج العام ضد مخلوف، الذي كان يمثل اسمه مرادفا للفساد الباذخ الذي دفع المتظاهرين للخروج للشوارع، وأضرمت النار في مقرات شركة سيرتيل.

ووفقا لمقابلات في ذلك الوقت، كان يبدو أن مخلوف يعتقد حقا -أو يرغب في أن ينظر إليها على أنه يعتقد- أن المعارضة ليست سوى حشد من متعاطي المخدرات وعملاء الموساد الإسرائيلي الراغبين في تدمير النظام.

ومع هذا، في يونيو/حزيران 2011 عقد مؤتمرا صحفيا غريبا إذ أعلن تقاعده عن ممارسة الأعمال الاقتصادية فيما يبدو أنه تضحية من النظام لتهدئة مطالب المتظاهرين.

إلا أن مخلوف ظل على الساحة، ومع احتدام القتال، وسّع مؤسسته الخيرية البستان لتضم مليشيا، قدرت في فترة بأنها تقود 20 ألف شخص، وكانت واحدة من أهم مكونات القوى القتالية للنظام.

وفي عام 2014 خسر شقيقه حظوته وجرى استبعاده. نجح مخلوف بصورة كبيرة في كبح مشاكله مع الرئاسة بصورة كبيرة حتى العام الماضي، عندما انقلب عليه الأسد الذي استوثق من النصر.

وربما أن روسيا، والتي كان يعول على الكلفة الآلية لدورها الحاسم في الحرب، طالبت بأن يبدأ النظام في توفير كلفته بنفسه.

وقال شخص مطلع على النظام إن “الأسد سيبدأ التفكير في المستقبل داعموه الدوليون، خاصة روسيا، ربما يرون أنه لا حاجة أن يدفعوا الأموال؛ لأنه بدا واضحا أن النظام لن ينهار، وهو السبب الذي دفعهم للتدخل بصورة أساسية”.

ومع ترنح عائلة مخلوف، ظهر في الأفق آخرون، وحظيت بالنفوذ عائلة الدباغ، المقربة من السيدة الأولى، كما حظي أيضا بالنفوذ رجال أعمال بارزين مثل سامر فوز، الذي كون ثروة من الحرب.

ومع أن أسباب صعود هؤلاء معقدة إلا أن محللين يقولون إن حقيقة أن هؤلاء الصاعدين من السنة، على النقيض من المخلوف الذي ينتمي للطائفة الرئيس العلوية، ربما يضطلع بدور في تفضيلهم حيث يسعى الأسد لتعزيز قاعدة دعمه.

وعلى المدى الطويل، تقول مصادر عدة إن الأسد سيسعى لإفساح الطريق من أي شخص ربما يمثل عائقا محتملا لخلافة ابنه حافظ للقيادة.

وعلى الرغم من أن حافظ بشار لا يزال في الثامنة عشر من العمر، ويحق له الحصول على الجنسية البريطانية مثل والدته، يتم تقديمه على أنه الوجه الجديد للنظام.

ويقول عمرو العظم إنه “يجري دفع حافظ بنفس الطريقة السخيفة التي دفع بها بشار، ليظهر أنه “سأصبح أكثر لطفا”.

وأضاف العظم “أنها إذا استطاع بشار الصمود لفترة كافية ليستعد ابنه لتولي الحكم، فيمكنهم الانتقال إلى صفحة جديدة، وسيكون لديه الفرصة ليقول أنا لست كأبي أنا لم أتورط في القتل ومن ثم سيتزوج من امرأة لطيفة مثل أسماء ويفتح الباب أمام إعادة تأهيل محتملة”.

في الوقت نفسه، لم يتضح إلى أي مدى سيمضي الأسد للقضاء على سلطة مخلوف. أحد الخيارات سيكون نفيه، عاكسا بذلك مصير رفعت الأسد، عم الرئيس الحالي، الذي عوقب في عام 1984 بعد محاولة انقلاب فاشلة.

ولم تمر حياة المنفى بالنسبة لرفعت دن صعوبات. ويواجه حاليا وهو في الثانية والثمانين من العمر اتهامات في محكمة بالعاصمة الفرنسية أنه بنى امبراطورية عقارية فرنسية بمئات الملايين من الدولارات التي سرقت من الدولة السورية.

والسؤال هو هل سيكون هذا هو المصير الحتمي لمخلوف؟

المصدر : الجزيرة مباشر + صنداي تايمز