شاهد: شهداء لدى الاحتلال.. لا قبر ولا قبلة وداع

صورة طفل فلسطيني شهيد محتجز جثمانه لدى الاحتلال

تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي ثمانية جثامين لفلسطينيين من غزة استشهدوا خلال مسيرات العودة السلمية، و25 جثمانًا من جميع أنحاء فلسطين منذ 2016.

شهيد من رفح:

تُقلّب سلوى عبد العال (52 عامًا) من سكان رفح جنوبي قطاع غزة، كُتبًا دراسية وملابس داخل خزانة صغيرة، تحمل رائحة فلذة كبدها خالد (17 عامًا)، الذي تحتجز جثمانه سلطات الاحتلال، منذ مطلع يوليو/تموز الجاري.

واستُشهد “خالد” في الثاني من يوليو، عقب اعتقاله رفقة اثنين آخرين جراء تعرّضهم لإطلاق نار من قبل جيش الاحتلال قرب السياج الأمني شرقي رفح؛ وبعد أيام أبلغ الجانب الإسرائيلي مؤسسة “الميزان” الحقوقية (فلسطينية غير حكومية) بمقتله، وأن الآخرين محتجزين على قيد الحياة.

وتنتظر والدة الشهيد، الجثمان المُحتجز على أحر من الجمر، من أجل أن تُقبل نجلها قبلة الوداع الأخيرة وتطمئن أنه وضع في قبرٍ يمكنها من زيارته في أي وقت.

وقالت “لا أعرف مصير نجلي حتى الآن، كل ما أعرفه أنه أُطلق النار عليه، وتم سحبه من قبل جنود الاحتلال، وبعد أيام أخبرونا باستشهاده، وحُرمنا من وداعه ومن تهنئته بنجاحه في الثانوية العامة”.

وأضافت “نجلي ولد في 14 سبتمبر/أيلول، وأنهى الثانوية العامة”، إذ أعلنت وزارة التعليم نتائج الامتحانات في الثامن من الشهر نفسه، أي قبل أيام على استشهاد خالد.

كان يكتب في كتبه الدراسية العنوان (إسطنبول)، لطموحه بأن يدرس المُحاماة في تركيا، ويُصبح قاضي قُضاة، لكن حرمنا الاحتلال من الفرحة وحرمه من حُلمه وأمله، كأي طفل وشاب في العالم”، وفق السيدة المكلومة.

وعن يوم الحادثة تسرد “توجّه (خالد) إلى الحدود مع أصدقائه، كأي طفل وشاب يتوجه للمشاركة في المسيرات السلمية قرب شارع العودة، الذي لا يُبعد سوى 300 متر عن السياج الأمني، كان الجيش متربصًا بهم وأطلق النار ودخل مسافة 200-250 مترًا واختطفهم”.

وتتساءل: “لماذا أطلق جنود الاحتلال النار عليه وهو سلمي مدني، ومثّلوا بجُثته؟!، وفوق ذلك اختطفوه وحرمونا منه، ولم تتمكن أي جهة من رؤيته. لا يوجد أي وجه حق لاختطافه، لم يفعل بهم شيئًا؛ كما أنه قُتل بشكل غير إنساني أمام الناس”.

وتختتم والدة الشهيد بالقول “أطالب كل الجهات التدخل لإعادة جثمان ابني، حتى أودعه وتنطفئ النار المُشتعلة في قلبي، وأدفنه في قبر قريب مني. لا أرى هدفًا من احتجاز جثمان طفل سوى زيادة معاناتنا، وجعلنا نشعر بالحسرة”.

والدة شهيد من غزة محتجز جثمانه لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي (الأناضول)
طفل شهيد:

أما جاسر أبو جزر (40 عامًا)، والد الطفل المُحتجز يوسف (15 عامًا ونصف)، المحتجز لدى سلطات الاحتلال منذ 29 إبريل/نيسان الماضي، فيطالب هو الآخر بإخلاء جثمان نجله؛ مؤكدًا أن جُرحهم جُرحين؛ لأنهم لم يودعوه.

وقال أبو جزر “يوسف طفل، لم يتخط السادسة عشر من عمره، ذهب كأي طفل إلى الحدود مع أصدقائه للمشاركة في مسيرات العودة؛ وهناك أطلق الجنود النار عليهم على بعد عشرات الأمتار من السياج الأمني“.

وأوضح الرجل “رفع نجلي يديه وقال لهم: لا ترموني بالنار، ولكن حينها أطلقوا النار عليه بعدة رصاصات وتركوه ينزف نحو ساعة، حسب رواية شهود بالمكان، من بينهم طفل اعتقل وأفرج عنه بنفس يوم الحادثة”.

وأضاف “أبلغنا من الارتباط الفلسطيني (مديريّة التنسيق والارتباط المدني/حكومية) باستشهاده، وتفاجئنا بالإفراج عن المعتقل الذي كان معه بالحدث، وبقيت جثة نجلي قيد الاحتجاز“.

وتساءل “لا نعرف لماذا، ولا يوجد مبرر لذلك؛ فهو ليس صاحب حدث أمني، لم يكن يحمل سوى (قطعة خبز وزجاجة عصير فقط!)، ويعتبر يوسف، الابن الِبكر لوالده، ولديه شقيقين محمد (10 أعوام)، ومراد (8 أعوام)، وثلاثة شقيقات يكبُرنه.

ولفت والده إلى أنه لم يستطع الحصول على شهادة وفاة له؛ وتواصل مع مؤسسات حقوقية بينها “بتسيلم” (مركز معلومات إسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة/غير حكومي)، “والميزان” الفلسطينية، للعمل على استرداد الجثمان.

وتابع “مطلبنا شرعي، كأي جثمان في العالم يجب إكرامه بدفنه وإلقاء نظرة الوداع عليه، نريد أن نكون على علم أين هو مدفون، كي نزوره، الجميع يودعون أبناءهم، إلا نحن”.

والد طفل شهيد في مسيرات العودة محتجز جثمانه لدى سلطات الاحتلال (الأناضول)
مطالبات باسترداد الجثامين:

بدوره، يؤكد محامي مركز “الميزان لحقوق الإنسان”، يحيى محارب أن لديهم “ثمانية ملفات” لجثامين محتجزة لفلسطينيين من قطاع غزة خلال مسيرات العودة منذ انطلاقتها في 30 مارس/آذار الماضي.

وقال يحيى إن محاميي المركز (يُقدم الخدمة القانونية فيما يتعلق بملف احتجاز جثامين الشهداء لدى الاحتلال) تحرّكوا في الملفات، فور تسلمهم توكيل من ذوي المحتجزين ومعظمهم من وسط وجنوبي قطاع غزة.

وأضاف أنهم خاطبوا مصلحة السجون الإسرائيلية، وتلقوا ردًا شفهيًا بعدم وجود أي منهم على قيد الحياة في السجون، وبناءً عليه تحركوا في الإجراءات المعتادة للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء، وتم الرد في بعض الملفات بأن الوضع قيد الفحص، وبعض الملفات لم يتم الرد عليها بعد.

وأفاد المحامي أن قرار مجلس وزراء الاحتلال، احتجاز الجثامين على أساسين؛ “الانتماء لحركة حماس، والمشاركة في عملية نوعية” والمنطق يقول إن ما حدث مع معظم الجثامين لم يكن عملية نوعية، خاصة ملف الطفل أبو جزر لا تشوبه شائبة، كما أنه لم يثبت حتى الآن انطباق تلك الشروط على المحتجزين المذكور، وعبد العال“.

وتابع “نحن نحاول الوصول لأقرب نقطة من العدالة، في سبيل إنصاف ذوي شهداء مسيرات العودة واسترداد الجثامين، ونحاول التقدم ببعض الملفات بخطوات أكبر، وهناك طلبات التماس قُدمت عبر عدة مراكز قانونية وحقوقية حول احتجاز (25 جثمانًا) من الضفة والقدس وغزة منذ عام 2016 حتى الآن”.

وأكمل “لكن أهالي الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة قاموا بالاحتجاج، وبناءً عليه قررت المحكمة العليا إعطاء حُكم بعد حوالي شهرين إلى ثلاثة، وجيش الاحتلال، يقول إنه يحتجز الشهداء على أساس المادة 130 من قانون الطوارئ البريطاني لعام 1955، التي تعطيهم الحق في احتجاز جثث مقابل جثث، على اعتبار أن هناك في غزة جثث وفق اعتقادهم.”

وفي أبريل/نيسان 2016، أعلنت حركة “حماس” وجود 4 جنود إسرائيليين أسرى لديها.

ويتظاهر آلاف الفلسطينيين، قرب السياج الفاصل، منذ 30 مارس/آذار الماضي، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948، ورفع الحصار عن قطاع غزة.

ويقمع الجيش الإسرائيلي تلك المسيرات السلمية بعنف، ما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة الآلاف.

المصدر : الأناضول