شاهد: جرحى مسيرة العودة.. شواهد حيّة على “إرهاب” الاحتلال

لم يتوقع الشاب محمد أبو القرايا (23 عاما) أنه سيكون “الضحية” القادمة، بعد دقائق من محاولته إنقاذ فتى كان قد أصيب برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من الحدود الشرقية لمدينة غزة.

محاولاتٌ عدة أجراها محمد خلال “مسيرة العودة وكسر الحصار” السلمية الطابع، من أجل إنقاذ حياة المُصاب، إلا أن رصاصات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تطلق صوب المنطقة القريبة منه، كانت تحول دون نجاح ذلك.

لكن الدقائق الـ (20) التي مضت وتُرك الفتى خلالها ينزف، دفعت محمد للمغامرة بحياته، فذلك “واجب الإنسانية”، كما يقول.

وفور وصوله إلى الفتى، بدأ محمد بضمّ مكان النزيف ومحاولة وقفه، حتّى تشجّع شبان آخرون وهرولوا نحوه، وهمّوا بحمله وإخراجه من المنطقة “الساخنة”.

وفي تلك اللحظة تماماً، تحوّل الشاب محمد إلى ضحية، إذ أُصيب في قدمه برصاصة من جيش الاحتلال، وسقط غارقًا بدمائه مكان الفتى المصاب.

ونزف محمد لأكثر من 30 دقيقة، مضت وكأنها “دهر كامل”، كما يقول، بالقرب من السياج الحدودي الفاصل بين شرق مدينة غزة والاحتلال الإسرائيلي، حتّى تمكّن الشبان من إنقاذ حياته.

ويضيف “تم إنقاذي بعد معاناة طويلة، إذ تعمّد جيش الاحتلال إطلاق النار باتجاه الشبان الذين يقتربون لمحاولة إنقاذي”.

ويقول إن ما جرى معه، تكرر مع غالبية الشبان الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون تقديم المساعدة “الإنسانية” للمصابين برصاص الاحتلال الإسرائيلي.

ويضيف أنه شارك في المسيرات، من أجل تحقيق حلمه بالعودة إلى قريته “بيت دَراس”، التي هُجر منها أجداده عام 1948، والتي تبعد عن غزة مسافة 32 كيلو مترا.

وفور امتثاله للشفاء، يقول الشاب المصاب وهو مستلقي على أحد الأسرة بمجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، إنه سيعاود المشاركة في المسيرات السلمية، حتى عودته إلى أرضه المحتلة.

وفي غرفة قريبة من محمد، يستلقي الفتى باسل الحلو (16 عامًا)، على سريره، محاولًا تشتيت ذهنه، كي لا يشعر بالألم الذي تسبب به انفجار رصاصة (من نوع متفجّر)، في قدمه، يوم الجمعة الماضي.

ويصف الدقائق الأولى من تلك الإصابة بأنها كـ”الصعقة الكهربائية التي أصابته”.

ويمسك باسل رأسه ويغمض عينيه الاثنتين، قائلًا إنه “غير قادر على نسيان لحظة انفجار الرصاصة داخل قدمه”.

ويقول باسل، إنه كان يجلس بالقرب من تلّة تبعد عن السياج الأمني الفاصل بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي نحو 200 متر، فشاهد تساقط عدد من الفتيان بشكل متتالٍ، على تلك التلّة.

وحين رأى صديقه من بين الفتيان الخمسة، الذين أصابتهم رصاصات الاحتلال، هرول لإنقاذه، فأخذ الكوفية التي كان يرتديها أحد الشبان بجانبه، وافترشها على الأرض كي تساعدهم في حمل صديقه المصاب.

وما إن انحنى باسل لحمل صديقه، حتّى أصيب بالرصاصة المتفجرة في قدمه.

ويوضح الفتى الفلسطيني أن جيش الاحتلال استخدم طائراته الصغيرة، من أجل إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع، على رؤوس المواطنين العزّل.

وقال إن تلك الطائرات كانت تلقي مجموعة كبيرة من القنابل تصل إلى خمسة دفعة واحدة.

ويعتبر باسل استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمن كان يقدّم خدمات إنسانية للمصابين، وللمواطنين العزّل، بـ”التصرف الإرهابي”.

باسل، كان يحلم دائمًا بتناول المشمش والزيتون من قريته الأم “الكوفخة”، التي هُجّر منها أجداده عام 1948(تبعد عن غزة 19 كيلو مترا)، الأمر الذي دفعه للمشاركة في مسيرات العودة وكسر الحصار، حسب قوله.

ويضيف “أرض الإنسان هي كرامته، ولا بد أن يكون للفلسطينيين كرامة، ولن يتركوا أراضيهم وكرامتهم للاحتلال”.

ويؤكد باسل أنه سيعاود المشاركة في المسيرات السلمية التي تطالب بتحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لكنّه سيكون أكثر حذرًا في المرة المقبلة.

وفي الغرفة المجاورة، يرقد الطفل بشار وهدان (12 عامًا)، على سريره، ويبدو أن “التعب نال من جسده الصغير حظًا وفيرًا”.

شارك وهدان في مسيرات العودة وكسر الحصار الحدودية خفيةً عن عائلته حرصًا على حق عودته إلى قرية “وادي حنين” (على بعد 9 كيلومترات غربي مدينة الرملة الفلسطينيّة)، التي هُجّر منها أجداده.

وهدان الطفل المسالم، الذي لم يقترب من السياج الحدودي وبقي جالسًا مذهولاً بأعداد المواطنين الذين يطالبون بحق عودتهم، وفرحاً بذلك الإنجاز، أصيب برصاصة إسرائيلية في قدمه، تسببت بقطع 3 شرايين وكسر عظامه.

ورغم مرور 4 أيام، على تلك الأحداث، إلا أن 309 مصابين ما زالوا يرقدون داخل مستشفيات قطاع غزة.

وتقول وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، إن 46 فلسطينيًا ما زالت أوضاعهم الصحية “حرجة”، جرّاء إصابتهم برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال مسيرة العودة.

وبدأت مسيرات العودة، صباح الجمعة الماضي، إذ تجمهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين، في عدة مواقع قرب السياج الفاصل بين القطاع وإسرائيل، للمطالبة بالعودة.

وقمع جيش الاحتلال هذه الفعاليات السلمية بقسوة ما أسفر عن استشهاد 18 فلسطينيًا، وإصابة المئات.

وأعادت هذه المسيرات الأنظار مجددًا إلى مصطلح “حق العودة” الفلسطيني، الذي ظهر عقب “النكبة” التي حلت بالفلسطينيين عام 1948، بعد أن أسفرت سلسلة مذابح ارتكبها العصابات الصهيونية بحق عشرات القرى والمدن الفلسطينية إلى نزوح نحو 800 ألف فلسطيني.

ومنذ ذلك الوقت، يطالب اللاجئون الفلسطينيون، البالغ عددهم حاليًا نحو 5.9 مليون شخص، بالعودة لأراضيهم، رغم مرور 70 عامًا على الحدث.

وتنص قرارات دولية، أصدرتها الأمم المتحدة على حق اللاجئين في العودة لأراضيهم، وهو الأمر الذي لم ينفذ حتى الآن.

ويقول الفلسطينيون إن “عصابات صهيونية” هاجمت المدن والقرى الفلسطينية عام 1948، وأوقعت آلاف القتلى والإصابات، ودمرت قرى ومدنًا بشكل كامل، ما أدى إلى تشريد الفلسطينيين، وإعلان قيام ما بات يعرف بدولة إسرائيل في 15 مايو/أيار.

المصدر : الأناضول