رويترز تكشف: هكذا شدد السيسي قبضته على الحكم في مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أدى اليمين الدستورية لولاية ثانية
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يؤدي اليمين الدستورية لولاية ثانية

نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر قولهم إن ثلاثة من المستشارين المقربين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدأوا التخطيط للتعديلات الدستورية الأخيرة قبل إقرارها بعدة أشهر.

وقالت المصادر إن المستشارين الثلاثة هم محمود السيسي أكبر أبناء الرئيس، ومدير المخابرات عباس كامل، والمستشار القانوني لحملة السيسي الانتخابية محمد أبو شقه.

وناقش الثلاثة خلال اجتماعات بمقر جهاز المخابرات العامة خلال شهري سبتمبر/ أيلول، وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين المواد التي يجب إعادة صياغتها في الدستور، وكيفية تحقيق ذلك، وتوقيت كل خطوة.

ونقلت “رويترز” عن دبلوماسيين وشخصيات معارضة أن مستشاري السيسي حرصوا على اقتناص الموافقة على التعديلات قبل زيادات مقررة في أسعار الوقود في الصيف.

وقالت “رويترز” إن الحكومة المصرية لم ترد على أسئلة تفصيلية من جانبها بشأن التقرير.

اجتماع المخابرات المصرية
  • خلال فصل الربيع هذا العام 2019 وبينما كان مجلس النواب المصري يناقش منح الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطات إضافية والسماح له بمواصلة الحكم حتى عام 2030 أعلن رئيس المجلس علي عبد العال أن التعديلات المقترحة تعبر عن إرادة المجلس.
  • قال عبد العال “هذه التعديلات نابعة من البرلمان ولا علاقة لرئيس الجمهورية بها من قريب ولا من بعيد”.
  • قال خمسة أشخاص مطلعين على هذا الأمر إن الواقع كان مغايرا لذلك.
  • مصادر قالت لـ “رويترز” إن ثلاثة من مستشاري السيسي المقربين أحدهم محمود أكبر أبنائه بدأوا التخطيط للتعديلات الدستورية قبل ذلك بعدة أشهر في أعقاب انتخاب السيسي لفترة رئاسة ثانية وأخيرة في أبريل/ نيسان 2018. وكان أحد المصادر حاضرا أثناء بحث الأمر.
  • أضافت المصادر أن محمود السيسي ومدير المخابرات عباس كامل ومحمد أبو شقه المستشار القانوني لحملة السيسي الانتخابية تدارسوا خلال اجتماعات عقدت في شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول 2018 في مقر جهاز المخابرات العامة المصري في القاهرة الآراء بهدف إطالة فترة بقاء الرئيس في منصبه.
  • ناقش الثلاثة المواد التي يجب إعادة صياغتها في الدستور وكيفية تحقيق ذلك وتوقيت كل خطوة.
مدير المخابرات عباس كامل (يسار) ومحمد أبو شقه المستشار القانوني لحملة السيسي الانتخابية
من هم الثلاثة؟
  • محمود نجل السيسي وهو نادرا ما يظهر في مناسبات عامة. وقد تخرج في الكلية الحربية وقال مصدران على صلة وثيقة بالمخابرات المصرية إنه يشغل أحد المناصب الكبرى في جهاز المخابرات العامة.
  • قال دبلوماسي غربي إن محمود يتولى الأمن الوطني وهو أحد ثلاثة أبناء للرئيس من المعروف أنهم يشغلون مناصب رسمية.
  • عباس كامل الذي يطلق عليه وصف “ظل الرئيس” بسبب قربه الشديد من السيسي، أصبح مديرا لجهاز المخابرات العامة في يونيو/ حزيران 2018 بعد أن كان يعمل في السابق مديرا لمكتب الرئيس.
  • محمد أبو شقه الذي كان يعمل رئيسا للنيابة والذي قام بدور المتحدث باسم حملة السيسي الرئاسية في 2018 ومستشارها القانوني.
طرح التعديلات
  • عندما عرضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب التعديلات المقترحة على المجلس في فبراير/ شباط 2019 قالت إن المقترحات تحظى بدعم 155 نائبا.
  • غير أن مصدرا مطلعا على الإجراءات قال إن هؤلاء النواب لم يشاركوا في صياغة التعديلات. كان هؤلاء النواب قد وقعوا فقط على وثيقة معدة سلفا.
  • قال ثلاثة نواب إنه لم يتم الكشف عن أسماء النواب الموقعين لأعضاء المجلس فيما يمثل خروجا على الإجراءات المعتادة.
  • لم ترد الحكومة على طلبات للتعليق على هذا الأمر.
  • طرح النواب المؤيدون للرئيس الاقتراحات التي تمخضت عنها الاجتماعات في البرلمان لمد فترة رئاسة السيسي وتوسيع نطاق صلاحياته على حساب القضاء والبرلمان.
  • الدستور المعدل قام بتوسيع صلاحيات الرئيس والجيش. ومنح الرئيس سلطة تعيين كبار القضاة والنائب العام واختيار ثلث نواب مجلس نيابي جديد هو مجلس الشورى.
  • نص الدستور المعدل على أن مهمة القوات المسلحة هي “حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها” الأمر الذي يتيح للجيش إمكانية التدخل إذا لم يكن الاتجاه الذي تسير فيه مصر على هواه.
  • زادت فترة الرئاسة إلى ست سنوات من أربع سنوات.
  • نصت فقرة خاصة على تمديد فترة الرئاسة الحالية للسيسي والتي بدأت في 2018 حتى عام 2024 والسماح له بخوض انتخابات الرئاسة لمرة ثالثة تجاوزا للدستور الذي ينص على قصر مدد الرئاسة على فترتين.
  • مما عقد هذه التعديلات الأخيرة شرط قانوني يستلزم أن يكون أي تعديل لفترة الرئاسة مقترنا بمزيد من الحريات.
  • سعى التعديل المقترح للوفاء بهذا الشرط من خلال النص على ألا يقل عدد أعضاء المجلس من النساء عن 25 في المئة.
  • في مقابلات وصف نواب في البرلمان ومصادر أمنية وأشخاص لهم صلة بالمخابرات المصرية كيف أعاد أنصار السيسي صياغة مواد في الدستور لمنح الرئيس والمؤسسة العسكرية صلاحيات أكبر وكيف أقروا التعديلات عبر برلمان مذعن وفي الاستفتاء العام.
  • كان موقع مدى مصر، أحد المنافذ الإعلامية القليلة المستقلة في البلاد، هو أول من ذكر أن نجل السيسي ورئيس المخابرات عباس كامل حضرا المحادثات الخاصة بتعديل الدستور. وجمعت رويترز تفاصيل أخرى لاستكمال الصورة فيما يتعلق بالمباحثات وكيف تم كسب دعم النواب ووسائل الإعلام.
  • قال مصدر مطلع على الإجراءات البرلمانية إن النواب لم يكن لهم يد في صياغة التعديلات المقترحة التي طرحت عليهم في المجلس.
  • في الأسابيع التي تلت ذلك أجرى مجلس النواب مشاورات حول التعديلات الدستورية المقترحة شارك فيها ممثلون للمجتمع المدني وبعض القيادات المعارضة. وقال عبد العال رئيس المجلس إن الجلسات أتاحت حرية إبداء الآراء في التعديلات المزمعة.
  • اختلف معارضون مع هذه الرواية. وقال محمد سامي رئيس حزب الكرامة اليساري “لم يكن هناك حوار حقيقي”.
  • قال بعض النواب الذين عارضوا التعديلات إنهم تعرضوا لحملة تشويه وتخويف. وتم إقرار التعديلات بأغلبية 531 صوتا مقابل اعتراض 22 صوتا.
  • استوفت التعديلات المقترحة الإجراءات بسرعة في المجلس الذي يهيمن عليه أنصار السيسي وتم إقرارها في استفتاء عام في أبريل/ نيسان الماضي، لم ترتفع فيه أصوات المعارضة بدرجة تذكر.
رئيس البرلمان المصري علي عبد العال، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

وقال تيموثي قلدس الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط وهو مركز بحثي مناصر للديمقراطية إن الحكومة المصرية حاولت تسويق التعديلات على أنها “عملية عادية لترتيب أوضاع دستورية وتمديد حكم الرئيس باعتباره جزءا صغيرا من مجموعة إصلاحات للدستور”.

كما قال دبلوماسيون وشخصيات معارضة إن مستشاري السيسي حرصوا على اقتناص الموافقة على التعديلات قبل زيادات مقررة في أسعار الوقود في الصيف.

ويشعر المصريون بضغوط من ارتفاع ضرائب المبيعات وتقليص دعم الوقود وانخفاض قيمة العملة بعد تعويمها وكلها تدابير تمثل جزءا من برنامج للإصلاح الاقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي.

وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر خلال يوليو/ تموز الماضي أن واحدا من كل ثلاثة مصريين يعيش في فقر.

القضاء على الدولة المدنية
  • يقول معارضو السيسي إن التعديلات الدستورية تقضي على أي أمل في قيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة. كما يقولون إنه لم يحدث منذ حكم حسني مبارك الذي امتد نحو 30 عاما وانتهى في عام 2011 أن تركزت سلطات بهذا القدر في يد رجل واحد.
  • قال حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق وأحد أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية، وهو تحالف مؤلف من جماعات معارضة، “هناك سلطة مستبدة شرعنت وأطالت مدى قدرتها على أن تحكم”.
  • قال المؤيدون للتعديلات الدستورية إن السيسي مازال أمامه مهام عليه إنجازها في محاربة الإرهاب وإصلاح الاقتصاد المصري ولذلك يحتاج مزيدا من الوقت والسلطات.
  • في الشهر الماضي قال رئيس مجلس النواب عن السيسي “هذا الرجل الشجاع والمخلص والوفى للوطن يعمل بكل إخلاص، ولديه حلم أن يكون الوطن قويا ومتقدما ومتطورا، ليأخذ الوضع اللائق بتاريخه، أتوجه إليه بخالص التحية والتقدير”.
المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي

 وكان السيسي قائد الجيش السابق قد تولى السلطة في العام 2014 بعد أن تحرك الجيش إثر احتجاجات شعبية لعزل محمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر وأحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

ومنذ ذلك الحين شدد السيسي قبضته على الحكم. وأثارت حملة تضييق على المعارضين انتقادات من جماعات حقوق الإنسان وحكومات غربية.

وتوصل تحقيق أجرته “رويترز” في أبريل/ نيسان الماضي، إلى أن الشرطة المصرية قتلت بالرصاص مئات ممن يشتبه في انتمائهم للجماعات الإسلامية في عمليات وصفتها السلطات بأنها اشتباكات بالأسلحة النارية غير أن أسر القتلى قالت إنها إعدامات خارج نطاق القانون.

كما أظهر تحقيق أجرته رويترز الشهر الماضي زيادة عدد أحكام الإعدام التي نفذت في عهد السيسي لثلاثة أمثالها منذ تولى السيسي منصب الرئيس.

المساس باستقلال القضاء
  • كتب عدد من كبار القضاة رسالة للبرلمان في 16 مارس/ آذار، اطلعت عليها رويترز، يحذرون فيها من أن التعديلات من شأنها “المساس باستقلال القضاء”.
  • دعا أعضاء في سلك القضاء الذي ستتقلص صلاحياته إلى إعادة النظر في الأمر.
  • كتب نادي قضاة مجلس الدولة الذي يمثل حوالي 3000 قاض رسالة إلى مجلس النواب يحذره فيها من أن “المقترح من شأنه المساس باستقلال القضاء بصفة عامة وتقليص دور مجلس الدولة” الذي يبت في النزاعات الإدارية ويراجع عقود الدولة.
  • قال سمير البهي رئيس النادي في الرسالة التي اطلعت عليها “رويترز”: “العدل أساس الحكم واستقلال القضاء هو أساس العدل وبغير العدل تضطرب الدولة”.
  • لم تستطع رويترز الاتصال بالبهي للتعليق.
  • وصف أحد القضاة الوضع بأنه أسوأ للنظام القضائي مما كان عليه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي حكم البلاد من 1954 إلى 1970.
  • قال القاضي إن عبد الناصر كان يعزل القضاة ولا يضعهم تحت سيطرته الكاملة مثلما يحدث الآن.
رئيس نادي قضاة مجلس الدولة المصري المستشار سمير البهي (مواقع التواصل)
اعتقالات وصمت
  • قال ساسة معارضون إنه تم القبض على العشرات أثناء الاستعداد للاستفتاء.
  • وصف بعض النواب الذين صوتوا بالاعتراض على التعديلات كيف تعرضوا لحملة تشويه وتخويف. وقال ناشطون يعيش بعضهم في الخارج إنهم تعرضوا هم وأسرهم لضغوط شديدة.
  • قال النائب والمخرج السينمائي المعروف خالد يوسف إنه تعرض لهجمات على الإنترنت بدأت عندما أعلنت أنها “خطيئة سيدركها النظام. بعدها مباشرةً اتفتحت النار عليا”.
  • في فبراير/ شباط الماضي وبعد أن أبدى يوسف اعتراضه علنا على تعديل الدستور ظهر مقطع فيديو على الإنترنت قيل إنه يظهر فيه مع عدة نساء في مشاهد جنسية. وكان مقطع الفيديو نفسه قد ظهر في عام 2016 بعد أن عارض يوسف قرار السيسي تسليم جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية. وقال يوسف إن مقطع الفيديو مزيف.
  • قال يوسف الموجود حاليا في باريس ” كل فترة، كل لما أعارض قانون.. يبدأوا يشيرو (ينشروا) الفيديوهات دي”.
المخرج السينمائي وعضو البرلمان المصري خالد يوسف
  • قالت الحركة المدنية الديمقراطية المؤلفة من أحزاب معارضة إنه تم اعتقال أكثر من 120 من شخصيات المعارضة قبل الاستفتاء الذي أجري في الفترة من 20 إلى 22 أبريل/ نيسان الماضي.
  • كان من هؤلاء أمير عيسى أحد كبار أعضاء حزب الدستور وهو من الأحزاب الليبرالية.
  • قال معتز شقيق عيسى وكذلك محامي الحزب لـ “رويترز” إن عيسى اعتقل خارج لجنة انتخابية في محافظة القليوبية شمالي القاهرة في ثاني أيام التصويت بعد أن أبلغ مسؤول اللجنة أنه شاهد أفرادا يقدمون رشىً للناخبين، لكن رويترز لم تستطع الاتصال بهذا المسؤول.
  • قال المحامي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن عيسى لا يزال محبوسا. وأضاف أن النيابة أمرت بحبسه بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ارتكاب جرائم من شأنها تعكير السلم والأمن.
  • لم ترد السلطات المصرية على طلبات للتعليق على الأمر.

 والانتقادات في وسائل الإعلام المصرية تكاد تكون منعدمة.

تعتيم إعلامي
  • قال محمد عبد الحفيظ أحد أعضاء مجلس نقابة الصحفيين إن رقباء حكوميين في المطابع، مكلفين بالرقابة على الصحف قبل طبعها، أوقفوا نشر مقالات معارضة للتعديلات. وإنه “لم يسمح بنشر أي رأي مخالف للتعديلات الدستورية في الصحف المصرية منذ انطلاق قطار التعديلات”.
  • تم حجب موقع على الإنترنت مخصص لجمع التوقيعات اعتراضا على الاستفتاء بعد ساعات من إطلاقه في مارس/ آذار وفقا لما قالته جماعة “نت بلوكس” التي تراقب الإنترنت.
  • لم يتضح من الذي يقف وراء هذه الخطوة. وكان الموقع قد جمع بالفعل 60 ألف توقيع.

وفي 24 أبريل/ نيسان أعلنت لجنة الانتخابات المصرية إن 89 في المئة من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم أيدوا التعديلات وأن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 44 في المئة. وأعلنت اللجنة أن الاستفتاء كان حرا ونزيها.

 

المصدر : رويترز