رفع تذكرة المترو.. “لعنة الصندوق” تصيب مصر

لجأت العديد من الدول للاقتراض من صندوق النقد الدولي، نجا القليل منها مما أطلق عليه اقتصاديون “لعنة الصندوق”، وأصابت اللعنة غالبية الدول التي خضعت لشروطه.

البرازيل، والأرجنتين، واليونان، وبيرو، وتنزانيا، وزامبيا، وغانا، والعراق، دول أصابتها “لعنة الصندوق”، نتيجة الخضوع لـ”روشتة الإصلاح” التي يفرضها على الدول، وكان من نتائجها، الإفلاس والعجز عن سداد الديون، وزيادة الدين العام وتضخم أعبائه، وانخفاض الناتج المحلي وتراجع نصيب الفرد منه، وارتفاع نسبة البطالة، والإضرار بسوق العمل، وزيادة عدد الفقراء، وتآكل الطبقة المتوسطة، وإلغاء الدعم، وتوسيع القاعدة الضريبية، وزيادة معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الخدمات، وإلغاء الخدمات المجانية كالصحة والتعليم، والإصرار على مشروعات بعضها مفيد للصندوق ويضمن حقه ولكنه غير مفيد للدولة ويهدر طاقاتها وجزء من إمكاناتها.

ويبدو أن مصر قد أصابتها لعنة الصندوق، فلم تهدأ بعد حدة الغضب من قرار رفع تذكرة المترو، حتى توقع اقتصاديون أن تتخذ الحكومة قرارًا قريبا برفع الدعم عن المحروقات، فضلاً عن تحويل الدعم الذي تقدمه للمواطنين من عيني إلى نقدي.
وتأتي هذه القرارات والإجراءات استجابة لتعليمات صندوق النقد الدولي.

وكنتيجة لرفع الدعم كاملًا عن المحروقات، سترتفع أسعار كافة السلع والمنتجات، وزيادة أسعار جميع وسائل المواصلات، والكهرباء والغاز، وكل ما له علاقة بالوقود.

لا تملك الحكومة المصرية حرية الاختيار أمام تنفيذ شروط الصندوق، الذي تنتظر منه الإفراج عن الدفعة الرابعة من القرض المتفق عليه بقيمة 12 مليار دولار، والمقرر لها منتصف يونيو/ حزيران القادم، ولكنها طلبت فقط من الصندوق تأجيل اتخاذ تلك القرارات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر مارس/آذار الماضي.

يقول الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين إن عواقب الاستجابة لشروط الصندوق برفع أسعار تذاكر المترو والوقود والإجراءات الأخرى ستكون وخيمة، فقد يبدو للناس أن مشكلة الأسعار تؤثر فقط على المواطنين الفقراء أو محدودي الدخل أو أرباب المعاشات فقط، وأكد أن مشكلة ارتفاع الأسعار لها أبعاد أخطر من ذلك بكثير ومنها:-

انخفاض دخل المواطنين، خاصة الفقراء والبسطاء مما يقلل طلبهم على شراء السلع والخدمات، فمثلا صاحب ورشة المنسوجات في مدينة المحلة سيقل الطلب عليه نتيجة غلاء الأسعار وقلة الدخل.

صاحب الورشة، أو الفلاح في أرضه، أو الطبيب في عيادته، سيجد نفسه مضطرا لرفع أسعاره هو الآخر فتبدأ موجة أخرى من زيادة الأسعار.

صاحب الورشة الذي قل الطلب عليه سيجد نفسه مضطرا الى التخلي عن بعض العمال الذين يعملون لديه فتزداد مشكلة البطالة.

سيكون منافس المنتج المحلى، من الإنتاج المستورد، أرخص من المنتج المحلي فتجتاح السوق البضاعة الأرخص.

لن يشجع انخفاض الطلب المحلى المستثمر المصري على الاستثمار، داخل الاقتصاد فينخفض الاستثمار المحلى، ومن ثم ينخفض إنتاج مصر ككل.

إذا انخفض الإنتاج سيتبعه انخفاض مضاعف في حجم الدخل القومي لعموم مصر نتيجة رفع الأسعار، وفى حالة انخفاض الدخل القومي المصري فإن ذلك سيجعل الاقتصاد في حالة ركود عميق.

في حالات الركود العميق تبدأ ظاهرة إفلاس الشركات، وعدم قدرتها على دفع ديونها لمستحقيها.

تنتقل حالات التعثر في الشركات إلى دائرة البنوك، فتصبح البنوك عاجزة عن تحصيل أقساطها وفوائدها، مما يدفعها إلى إطالة فترات السداد والسماح، مما يضيع عليها فرص استثمار أخرى داخل الاقتصاد.

في حالة رفع الأسعار سيبدأ الجنيه المصري بالتهاوي أمام الدولار وتنخفض قيمته الشرائية.

إذا انخفضت قيمة الجنيه فمن الممكن أن يرتفع الطلب على الدولار، ومن ثم سعره أمام الجنيه، وإذا أرادت الدولة الحفاظ على سعر الدولار ثابتا ومستقرا، سيكون الحل الوحيد مزيدا من المديونية الخارجية.

سيكتوى أيضا رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمصانع والورش والمحلات بكساد بضاعتهم وعدم قدرتهم على تصريفها في السوق مما يؤدى الى انخفاض أرباحهم ودخولهم أيضا.

إنها لعنة الصندوق التي تتسبب في الغالب في إضافة مزيد من الفقر لمواطني الدول التي تقترض منه، بسبب الالتزامات الكبيرة التي تلقى على عاتق الحكومات، وعدم تطبيق صندوق النقد الدولي المعايير التي تضمن الحفاظ على التنمية، وتضع حقوق الإنسان في الاعتبار قبل منح القروض لدولة ما. كما يقول عالم الاقتصاد المستقل، العامل لدى منظمة الأمم المتحدة “ألفريد دي زاياس”.

المصدر : الجزيرة مباشر