خريف السودان.. عشوائية ووفيات وشح إمكانيات

سيول السودان تخلف خسائر في الأرواح والاقتصاد
تضرر أكثر من 30 ألف و400 منزل ونفق نحو 700 من رؤوس الماشية بسبب الفيضانات

ككل عام، يحمل موسم الخريف والأمطار في السودان وبالًا على معظم القاطنين من أصحاب المنازل المتضعضعة بالإضافة إلى انعدام البنية التحتية السليمة.

جولة لفريق الجزيرة مباشر في عدد من أحياء العاصمة المثلثة “الراقية منها والشعبية” كشفت عن سوء حال يعجز القلم عن وصفه بدقة ” فمن رأى ليس كمن قرأ”.

يكاد لا يخلو شارع في الخرطوم من البرك والمستنقعات التي تشكل بيئة خصبة لتوالد الحشرات والبعوض، وتكاد لا تبزغ الشمس لتقوم بمهمتها في التبخير، إلا وعاجلتها السحب الماطرة “وزادت الطين بلة”.

يقول محمد أحمد الضي من ولاية الخرطوم للجزيرة مباشر إن مشكلات الخريف باتت جزءا أصيلا من الحياة الموسمية السودانية وإنهم لا ينتظرون تحركا عاجلا ولا علاجا جذريا من الحكومة وإنهم صاروا يتعايشون من الأزمة الموسمية إلى حين انجلائها .

وتقول وفاء الصادق من الولاية الشمالية إن أكثر المشكلات الخريفية الباعثة للآلام تلك التي تودي بالحياة، وتحكي لنا عن أسرة مكونة من أم وخمسة أطفال أيتام يعيشون في منزل من “طين” سقط على رؤوسهم وهم نيام وفارقوا الحياة .

وبدورها زارت الجزيرة مباشر أسرة متضررة “تلتحف العراء” ، وبدموع منهمرة تحدثت إلينا ربة الأسرة: هذه ليلتي الثالثة أقضيها في العراء بعد تهدم منزلي، أحمد الله أن المطر توقف منذ ثلاثة أيام، وإلا ماكنت لأعلم ما الذي سيحل بي وبأطفالي، زوجي الآن يبحث لنا عن مأوى .

وفيات وإصابات واستنفار حكومي

وﻗﺎﻟﺖ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ لها أواخر الأسبوع الماضي ﺇﻥ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ اﺭﺗﻔﻊ ﺇﻟﻰ 10 ﻭﻓﻴﺎﺕ ﻭ3 ﺇﺻﺎﺑﺎﺕ، ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻣﻮﺳﻢ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ.

بدوره أﺻﺪﺭ ﺭﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻲ، ﻋﺒﺪﺍﻟﻔﺘﺎﺡ ﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ، ﺗﻮﺟﻴﻬﺎﺕ ﺑﻮﺿﻊ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺗﺤﺖ تصرف ﻟﺠﻨﺔ ﻃﻮﺍﺭﺉ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ، ﻭﻭﻓﺮﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺁﻟﻴﺎﺕ ﻫﻨﺪﺳﻴﺔ، ﻭﺧﻴﺎﻣﺎً، ﻭﺃﻣﺎﻛﻦ ﺇﻳﻮﺍﺀ، ﻭﻣﻮﺍﺩ ﻏﺬﺍﺋﻴﺔ، ﻟﻠﻤﺘﻀﺮﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ .

ﻭﻗﺎﻝ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ عبد الله حمدوك ﺇﻥ ﺣﻜﻮﻣﺘﻪ ﺗﻌﻜﻒ ﻋﻠﻰ إﺗﺨﺎﺫ ﺇﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﻃﺎﺭﺋﺔ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻣﻮﺳﻢ ﺍﻟﺨﺮﻳﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻮﻗﻊ ﺃﻥ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﻓﻴﻪ ﻣﻌﺪﻻﺕ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ . ﻭﻛﺸﻒ ﺧﻼﻝ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻪ ﺑﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺯﺭﺍﺀ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻮﻗﻌﺎﺕ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺳﺘﻮﺍﺟﻪ ﻣﻮﺳﻢ ﺃﻣﻄﺎﺭ ﻟﻢ ﺗﺸﻬﺪﻩ ﺧﻼﻝ ﺍﻟـ 30 ﻋﺎﻣﺎً ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ .

سيول السودان
غرف طوارئ على مدار الساعة

وقال ﻣﺪﻳﺮ ﻋﺎﻡ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺒﻨﻲ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺻﻼﺕ ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ، ﺣﺎﺗﻢ ﻋﻠﻲ أبوقرون للجزيرة مباشر إن غرفة طوارئ عليا برئاسة والي الخرطوم بالإضافة لغرفة طوارئ آلية بهيئة الطرق تعملان على مدار الساعة، وتصطحبان كل الجهات الرسمية والمعنية لمجابهة طوارئ الخريف بالولاية والولايات الأخرى.

وبسؤاله عن عدم وجود مصارف لمياه الأمطار، أفاد المسؤول بأن شروطا ومواصفات معينة لابد أن تراعى لإنشائها، من ضمنها الحالة الجيولوجية للأرض، وميولها والمساحات الافتراضية، والقنوات التي توصل مياه الأمطار لمجرى النيل.

وقال إن إنشاء المصارف يتوقف على طبيعة تخطيط المدن، وأشار إلى ضرورة إيجاد معالجات جذرية، وإستراتيجية، ومستقبلية للسيول خارج حدود الولاية الواحدة، وأن هذه المعالجات تتمثل في أساليب حصاد المياه وإنشاء السدود للإفادة منها في الزراعة، وتوليد الكهرباء وغيرها.

وأكد المسؤول أن الجدية في العمل، والتخطيط السليم، وشح الإمكانيات، كلها عوامل لطالما كانت معيقة في وجه اتخاذ خطوات استباقية، مستبشرًا أن تكون الفترة القادمة فترة للعمل الجاد والإصلاحات الشاملة .

ولاية نهر النيل أضرار واستنفار

ويفيد مدير عام وزارة البنى التحتية والتنمية العمرانية لولاية نهر النيل، سمير سعيد عبد الله الجزيرة مباشر بأن الولاية وضعت خطة استباقية مطلع العام لتلافي أضرار العام المنصرم، إلا أن جائحة كورونا حالت دون بدء التنفيذ باكرًا.

وأشار إلى بعض الإنجازات والتحوطات التي تمت العام الماضي، بالإضافة لتكوينهم غرفة عليا للطوارئ والدفاع المدني تعمل على مدار الساعة.

ولفت إلى انهيار 75 منزلا انهيارا كليا في منطقة “أبو حمد” بينما كان التأثير الجزئي 261، وفي كامل الولاية 263، وسط توقع بازدياد نسب الأمطار.

وأفاد بازدياد مناسيب نهري النيل وعطبرة بشكل كبير، ما من شأنه أن يؤثر على مناطق عطبرة المتاخمة للنيل، وبأن غرفة الطوارئ تحاول إنقاذ الوضع بإنزال حمولات رملية.

وأكد إرسال دوريات من الدفاع المدني لإجلاء المحاصرين في مناطق عدة، سواء بالقوارب أو طائرات المروحية، بالإضافة إلى تزويد المتضررين بخيم إيواء.

وأفاد بفقد 8 أرواح 3 منهم في شندي، و2 في مناطق الذهب في أبو حمد، و3 في بربر، بالإضافة ل 4 مصابين.

يشار إلى أن الدفاع المدني بولاية نهر النيل كان قد حذر المواطنين القاطنين بجوار النيل ونهر عطبرة من ارتفاع المناسيب.

سنار

في المقابل لم تكن ولاية سنار أفضل حالًا من رصيفاتها، إذا يفيد المواطن عبد الله أحمد النور، أن غزارة الأمطار سببت سيولًا، وانجرافات للتربة، وانهيارا لبعض المنازل، وشللًا في حركة المواصلات بين القرية والمدينة، ولكنها لم توقع خسائر بشرية، مناشدًا السلطات الالتفات لحال الولاية ودرء المخاطر.

الفيضانات تضر ب 50 ألف شخص وتوقعات بالمزيد

نقل مكتب ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻋﻦ ﻣﻔﻮﺿﻴﺔ ﺍﻟﻌﻮﻥ الإنساني ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﺃﻥ 50 أﻟﻒ ﺷﺨﺺ ﺗﻀﺮﺭﻭﺍ ﻣﻦ آثار ﺍﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎﺕ التي ضربت السودان مؤخرًا ﻭﻓﻖ حصر ﺃﻭلي، وأن ﺍﻟﺮﻗﻢ ﻣﺮﺟﺢ ﻟﻼﺭﺗﻔﺎﻉ، وأكد المكتب ﺃﻥ ﺍﻷﻣﻄﺎﺭ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻄﻠﺖ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺳﺒﺒﺖ ﻓﻴﻀﺎﻧﺎﺕ ﻭإنزلاقات ﺃﺭﺿﻴﺔ وأضرت بالمنازل ﻭﺍﻟﺒﻨﻰ ﺍﻟﺘﺤﺘﻴﺔ ﻓﻲ 14 ولاية ﻣﻦ أصل 18 .

ارتفاع مناسيب النيل وتحذيرات جادة

وكانت ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺮﻱ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ قد أصدرت بيانًا لفتت فيه إلى خروج مياه النيل عن مجراها بعد ارتفاع مناسيب المياه في جميع القطاعات عدا قطاع سنار الذي أكدت أنه سيشهد استقرارًا.

وأشارت الوزارة إلى أن منسوب مياه الخرطوم تجاوز منسوب الفيضان ب 4 سم ، بينما سجلت مياه نهر عطبرة ارتفاعا بـ 15.78 سم أي بتجاوز 10 سم لمنسوب الفيضان ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺒﺪﺃ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺑﺎﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻣﺠﺮﻯ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﻭﺗﻤﻸ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻤﻨﺨﻔﻀﺔ حوله

ﻭﺩﻋﺎ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ لإتخاذ ﺍﻟﺤﻴﻄﺔ ﻭﺍﻟﺤﺬﺭ ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻭﻣﻤﺘﻠﻜﺎﺗﻬﻢ .

يشار إلى أن ﺃﻣﻄﺎﺭًا ﻏﺰﻳﺮﺓ تهطل عادة ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ في الأشهر ﻣﻦ ﻳﻮﻧﻴﻮ/حزيران ﻭﺣﺘﻰ ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ/تشرين الأول، محدثة ﻓﻴﻀﺎﻧﺎﺕ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ كل عام.

تقرير: محمد عمر
المصدر : الجزيرة مباشر