حلم الديمقراطية المصري يتعثر في مواصلة المسير

 

بعد مرور عامين من انتفاضة حلم المصريون أنها ستنقلهم إلى عالم الديمقراطية أصبحت مصر أشبه بحافلة متداعية تنطلق صوب هاوية بينما انشغل ركابها بالتشاجر وتبادل الاتهامات، فيمن تسبب في المشكلة ومحاولة انتزاع المقود لتوجيه الحافلة إلى طريق السلامة.

فاحتياطيات البلاد من النقد الأجنبي تتناقص والسياحة في حالة احتضار وتوقف الاستثمار وقل المتاح من وقود الديزل “السولار”، والأسمدة الزراعية المدعومة وفي الوقت نفسه ارتفعت كلفة دعم السلع الأساسية لترفع عجز الموازنة العامة إلى مستويات يتعذر أن تستمر على هذا المنوال.

أما الجنيه المصري فقد خسر 14 في المائة من قيمته منذ انتفاضة عام 2011 وأصبح الدولار عملة نادرة، وتعثرت خطوات الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي من شأنه أن يفتح الباب أمام مزيد من المساعدات الخارجية.

وفي ذات الوقت اشتدت حدة مشكلة البطالة وتدهور الأمن العام وتفشى تهريب السلاح. ودون أي اعتبار يذكر للهاوية الاقتصادية التي تلوح في الأفق يتبادل الساسة في مصر الاتهامات فيما أل إليه الحال من دستور تميل به الكفة نحو الإسلاميين ومن عنف سياسي وما تردده المعارضة من استحواذ جماعة الأخوان المسلمين على السلطة.

وبالنسبة للرئيس محمد مرسي وأنصاره في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فان ما يجري من أحداث ليس إلا متاعب المرحلة الأخيرة في الانتقال إلى الديمقراطية.

فالجماعة بما لها من جهاز تنظيمي يعد الأقوى على مستوى البلاد تتوقع بكل ثقة أن تفوز بالانتخابات التشريعية في ابريل نيسان أو مايو أيار لتستكمل بذلك وضع يدها على المؤسسات الديمقراطية الوليدة قبل أن تشرع في إصلاح حال البلاد على أسس إسلامية محافظة.

ويقول عصام الحداد مستشار الرئيس للأمن القومي: نحن نمر بعنق زجاجة ونود أن نخرج من عنق الزجاجة بأسرع ما يمكن ودون أن نعرضها للشرخ.

وقد تمكنت مصر من مواصلة المسيرة بفضل مساعدات نقدية من قطر الداعم الرئيسي في الخارج للإخوان المسلمين ويقول الحداد إن الاقتصاد غير الرسمي الضخم سيمكن مصر من الاستمرار.

لكن هذه الثقة ليست لدى الجميع، فقد حذرت السفيرة الأمريكية آن باترسون هذا الشهر من خطورة أن يؤدي نقص النقد الأجنبي إلى أزمات في الغذاء والوقود ويعرض الاستقرار الاجتماعي للخطر في بلد يعيش فيه نحو 40 في المائة من السكان على أقل من دولارين في اليوم.

وتتواصل الاتصالات مع صندوق النقد الدولي عبر الهاتف والبريد الالكتروني لكن ما من بادرة على أن بعثة الصندوق ستعود قريبا إلى مصر لاستكمال اتفاق القرض البالغ 8ر4 مليار دولار اللازم لتحقيق استقرار الاقتصاد. وكان الصندوق طالب مصر في ديسمبر كانون الأول الماضي بتعديل برنامجها الاقتصادي حتى تتأهل للحصول على القرض، ويقول دبلوماسيون إن اتفاق الصندوق قد يفتح الباب أمام تمويلات تصل إلى 12 ملياردولار من مصادر مختلفة من بينها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج. وأوضح الحداد أن الحكومة لن تخاطر قبل الانتخابات المقبلة بتطبيق تخفيضات الدعم وغيرها من الإجراءات التقشفية التي يشترطها الصندوق.

وقال من المعروف تماما لصندوق النقد أنه لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك قبل الانتخابات مباشرة ومع ذلك فرسالتنا واضحة جدا هذه الإصلاحات أساسية للانتعاش الاقتصادي ولا يوجد خيار آخر.

وقد فشلت المعارضة الليبرالية في دفع مرسي إلى تعديل المواد المختلف عليها في الدستور وتشكيل حكومة وحدة وطنية بدلا من حكومة رئيس الوزراء هشام قنديل الذي لا يحظى بشعبية تذكر.

إلا أن المعارض الليبرالي البارز عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية دعا الحكومة والمعارضة إلى الاتفاق على تأجيل الانتخابات البرلمانية والعمل على ترتيب الأولويات لإنقاذ الاقتصاد.

وهون حسن مالك رجل الأعمال الإخواني البارز من شأن هذه الدعوة وقال إن موسى ومحمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية من بين زعماء جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة لا يتحدثان إلا عن نفسيهما.

أما حزب التيار الشعبي اليساري الذي يتزعمه الناصري حمدين صباحي وهو عضو رئيسي في جبهة الإنقاذ وكذلك الأحزاب السلفية فقد نأت بنفسها عن برنامج صندوق النقد.

وقال مالك إن الاقتصاد يمر بفترة صعبة لان المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية والتي بدأت بانتفاضة 2011 لم تكتمل بعد وان مؤسسات الدولة لا تعمل بشكل كامل حتى الآن، لكنه أضاف الاقتصاد المصري لن ينهار.

ويحاول مالك إغراء بعض كبار رجال الأعمال المصريين والإصلاحيين الاقتصاديين ممن ينتمون إلى عهد الرئيس السابق حسني مبارك بالعودة للبلاد رغم أن بعضهم منع من التصرف في أمواله أو صدر عليه حكم غيابي بالسجن بعد الانتفاضة.

وتشعر النخبة المعارضة والناشطون من الشباب الذين قادوا الانتفاضة على حكم مبارك أن ثورتهم قد اختطفت وينددون بما يرون أنه اتجاه متزايد لأخونة مؤسسات الدولة.

وفي هذا السياق قال هاني شكر الله الصحفي المخضرم بمؤسسة الأهرام وهو من المعلقين المرموقين انه أرغم على التقاعد بسبب ضغوط الإخوان على المؤسسة المملوكة للدولة ونفت الإدارة الجديدة لمؤسسة الأهرام وجود دوافع سياسية وراء هذه المسألة.

ومع ذلك لا توجد مؤشرات تذكر على أي احتكار لسلطة الدولة أو المجتمع المدني حتى الآن ويبدو الأمر أقرب إلى ما حدث من تداول بين النخبة في تركيا عندما فاز حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية في الانتخابات قبل نحو عشر سنوات.

ومازالت القوات المسلحة ووزارة الداخلية وأجهزة الأمن إلى حد ما تتمتع بقدر من الاستقلال ووصلت إلى وضع يمكنها من التعايش مع مرسي على أساس من عدم تدخل أي طرف في شؤون الأخر بدلا من أن تكون تابعة له.

ودفع الإعلام المستقل نجل مرسي هذا الأسبوع للتغاضي عن وظيفة في إحدى مؤسسات الدولة من خلال إثارة اتهامات بمحاباة الرئيس.

ومازال القضاء يعج برجال تولوا مناصبهم في عهد مبارك لا يبدون بادرة على تقبل الإخوان.

أما الشارع حيث يحتج الناشطون والشباب فلا سيطرة للحكومة أو للمعارضة عليه.

وفشلت الأسبوع الماضي محاولة للتغلغل في السلطات الدينية عندما اختار كبار علماء الأزهر أحد أساتذة الشريعة الإسلامية غير المسيسين لمنصب مفتي الدار المصرية وفضلوه بذلك على مرشح من بين صفوف الإخوان.

وقال عصام الحداد إن أي حديث عن الأخونة دعاية سوداء تسعى لاستبعاد قطاع كامل من المجتمع وأشار إلى أن أعضاء من أعضاء جماعة الإخوان استبعدوا من كثير من مؤسسات الدولة والقوات المسلحة في عهد مبارك.

ويقول زياد بهاء الدين رئيس هيئة الاستثمار السابق الذي يتولى الآن منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي المعارض إن الإخوان يحاولون ضمان بسط سيطرتهم قبل أن يعالجوا مشاكل البلاد شأنهم في ذلك شأن حكام مصر السابقين.

وقال إن هذا يحدث منذ المذبحة التي ارتكبها الوالي العثماني محمد علي بحق المماليك في أوائل القرن التاسع عشر وأشار إلى قيام الرئيس جمال عبد الناصر بالزج بالإخوان والشيوعيين في السجون عام 1954 والرئيس أنور السادات الذي زج بخصومه أيضا في السجون عام 1971.

وأضاف الفرق الآن هو أن قبول الناس لذلك لم يعد له وجود فلا يمكنك أن تتحكم في الرأي العام كما أن المشاكل الاقتصادية التي نواجهها لا يمكن تأجيلها عامين.

ويقول دان كيرتزر الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في القاهرة ويقوم الآن بالتدريس في جامعة برينستون إن مصر لا تزال في الجولة الثالثة من مباراة من مباريات الوزن الثقيل تتكون من 15 جولة.

ويرى أن من بين اللاعبين في الحلبة الإخوان والجيش وقوى الأمن الداخلي وشباب الثورة بالإضافة إلى الموالين للنظام القديم الذين ربما اختل توازنهم أو جرى الزج بهم في السجون أو هربوا خارج البلاد لكنهم سينشطون إذا انهار الاقتصاد.