حراك تونسي إقليمي لمحاصرة “حفتر” وداعميه.. هل ينجح؟

القتال في ليبيا-صورة أرشيفية

تقود دولة تونس الآن حراكا إقليميا ودوليا من أجل وقف التصعيد العسكري من قبل اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر في الغرب الليبي، وإعادته إلى طاولة المفاوضات والحلول السلمية.

تتحرك الدولة التونسية في عدة اتجاهات دبلوماسية ودولية من أجل وضع حد للتصعيد العسكري واستعادة المسار السياسي في ليبيا والعودة إلى المفاوضات والحلول السلمية التي كانت ترعاها البعثة الأممية.

تتواصل تونس مع أغلب دول الجوار لتحقيق ذلك، لكن يبدو أنها ابتعدت مؤخرا عن الجارة المصرية التي أوردت عدة تقارير ومعلومات عن دعمها المباشر لحفتر الذي استقبله السيسي ومدير مخابراته مؤخرا.

حشد إقليمي:
  • وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، الذي يقود هذا الحراك، أكد خلال لقاء مع نظيرته السويدية مارغوت فالستروم، أهمية العمل المشترك على مستوى المجتمع الدولي؛ لوقف إطلاق النار على الساحة الليبية، ووضع حد للتصعيد العسكري، واستعادة المسار السياسي الجاري، تحت رعاية الأمم المتحدة.
  • “الجيهناوي” عقد قمة مصغرة مع وزير الشؤون الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، الذي يقوم بأول زيارة خارجية له منذ تسلمه لمهامه إلى تونس، لبحث التطورات الخطيرة الراهنة في ليبيا، والمساعي الجارية من قبل الأمم المتحدة ودول الجوار لوقف الاقتتال بين الأطراف الليبية وحثها على الجلوس إلى طاولة المباحثات”، بحسب بيان للخارجية التونسية.
  • الوزيران بحثا الجهود المشتركة لمراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة خاصة بعد عدوان “حفتر” على العاصمة الليبية “طرابلس”، وكذلك دعم التنسيق الأمني والعسكري في إطار تنمية المناطق الحدودية”.
  • الحراك الإقليمي للجمهورية التونسية والذي ركز أكثر على التواصل مع الجزائر وبعض الدول الأخرى، لوحظ أنه ابتعد قليلا عن التنسيق مع الدولة المصرية ونظام السيسي، كون الأخير أظهر دعمه للجنرال الليبي “حفتر” في عدة مناسبات، منها استقباله لحفتر في ظل اشتعال الاقتتال، وكذلك محاولته الضغط خلال القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي في القاهرة لتبني عملية “حفتر” في طرابلس إلا أنه لم يلقى قبولا خاصة من دولة “رواندا” التي صرحت بأنها لا تتخذ مواقف تتعارض مع سياسة الاتحاد الأفريقي بدعمها لطرف وحيد في ليبيا، كما أنه كان وراء المكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب مع “حفتر” والتي أثارت جدلا وردود فعل غاضبة من قبل مسؤولين في الإدارة الأمريكية نفسها، وفق تقارير.
  • الابتعاد التونسي عن مصر في الملف الليبي فسره البعض بأنه نابع من اختلاف الرؤى حول التعاطي مع الحلول العسكرية هناك، كون تونس حتى اللحظة لا تحبذ حتى التواصل مع “حفتر” وأنها لا تعترف ولا تتواصل حاليا إلا مع حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، في حين مصر لا تراعي هذا الجانب فرغم أنها تعلن دعمها ظاهريا للحكومة الليبية إلا أنها سرا تدعم “حفتر”.
ضغط على فرنسا
  • الحراك التونسي لم يكن على الصعيد الإقليمي وفقط، بل سعت الدبلوماسية التونسية لمطالبة فرنسا بموقف واضح وداعم للمسار السياسي الليبي بعيدا عن دعم طرف واحد أو تأييد التصعيد العسكري.
  • وزير الخارجية التونسي، أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، طالبه فيه بضرورة الوقف الفوري للمواجهات العسكرية الدائرة حاليا في ليبيا، وإفساح المجال لاستئناف المسار السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة.
  • “الجهيناوي” دعا “فرنسا بشكل مباشر وعلني إلى ضرورة دفع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى توحيد مواقفها لوقف الاقتتال في ليبيا وبذل مجهود أكبر من أجل وقف التصعيد العسكري في المنطقة الغربية.
  • بيان صادر عن الخارجية التونسية أكد أن “الوزيرين اتفقا على أهمية تنفيذ مخرجات لقاء “أبوظبي” الذي رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج مع “خليفة حفتر”، نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، وضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة قبل نهاية 2019، وعلى الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها”.
  • الطلب التونسي من “فرنسا” جاء بمثابة ضغط ضمني على الدولة الأوربية وكذلك تأكيدا للمعلومات الواردة عن تورطها في دعم “حفتر”، وهو ما أكده رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج خلال تصريحات لصحيفة “لوموند” الفرنسية بقوله إن “موقف “باريس” غامض بخصوص الأزمة الليبية والعدوان على العاصمة، واتهمها رسميا بأنها الداعم القوي الآن لحفتر في كل تحركاته التي أفسدت العملية السياسية، وأن هذا الدعم جعل الأخير يتنصل من أي مفاوضات سابقة.
  • الدبلوماسية التونسية تضغط على فرنسا بشكل غير مباشر بملف المسلحين الفرنسيين الموقوفين مؤخرا على الحدود التونسية بعد القبض عليهم قادمين من ليبيا يحملون جوازات سفر دبلوماسية وأسلحة، وهو ما أعلنته وزارة الدفاع التونسية، لكن رئاسة الجمهورية التونسية أكدت أن الأمر تم معالجته وتسويته حسب الأطر القانونية والأعراف الدبلوماسية”، دون مزيد من التفاصيل.
  • الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي التقى خلال الشهر الجاري بوفد من الكونغرس الأمريكي، في تونس برئاسة رئيس “اللجنة القضائية” بالكونغرس، السيناتور ليندسي غراهام، بحث معهم تطورات الأوضاع في ليبيا والأحدث الأخيرة في العاصمة “طرابلس”، مؤكدا أن “بلاده تسعي لحث “الأشقاء” الليبيين على تغليب المصلحة الوطنية العليا ومواصلة الحوار برعاية الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة تضمن وحدة ليبيا واستقرارها”.
  • الرئيس التونسي السابق وزعيم حراك “تونس الإرادة”، محمد المنصف المرزوقي، أكد أن “ما يحصل في ليبيا يمس بشكل مباشر الأمن القومي في تونس، منتقداً من قيام “حفتر” بما أسماه “فرض نظام عسكري استبدادي جديد كالذي تخلصت منه ليبيا، مضيفا: “نستغرب تقاعس دول تدّعي الديمقراطية في نجدة نظام شرعي ديمقراطي، مهدد بعسكري “انقلابي”، وفق تصريحات صحفية.
تونس ومصر: اختلاف الرؤى
  • أثار الحراك التونسي من أجل وقف التصعيد العسكري في الغرب الليبي، عدة تساؤلات حول مدى نجاح هذا الأمر، وما أدوات الجمهورية التونسية لتحقيق ذلك إقليميا ودوليا، ولماذا ابتعدت قليلا عن نظام “السيسي” في التعاطي مع الملف الليبي؟
  • أمين عام حزب “الجبهة الوطنية” الليبي (مستقل)، فيروز النعاس أكدت للجزيرة مباشر أن “الاقتتال في المنطقة الغربية يمثل بالفعل تهديدا للأمن القومي في تونس كون الحرب ستزيد من حركة المهربين سواء للسلاح أو غيره وتجار الحروب، كما أن هناك ارتباط مغاربي مع ليبيا، ناهيك أن أمن تونس والجزائر مرتبط ارتباط وثيق باستقرار ليبيا”.
  • وأوضحت في تصريحات خاصة من “طرابلس”، أن “التواصل التونسي مع فرنسا جاء بسبب دعم الأخيرة الواضح لحفتر واستخدامها لحق “الفيتو” أكثر من مرة في مجلس الأمن ضد إيقاف العدوان على العاصمة أو تجريم “حفتر”، حسب كلامها.
  • النعاس: “أما بخصوص الابتعاد التونسي عن توجهات مصر، فالحقيقة أن تونس لم تكن يوما في صف مصر بالنسبة لمشروع ليبيا وكانت دوما تطالب بوقف التدخلات الإقليمية في ليبيا، كما أنه في حال أصبحت ليبيا تحت حكم العسكر مثل مصر فإن ذلك سيمثل تهديدا لتونس واستقرارها”، وفق تقديراتها.
  • الباحث التونسي المتخصص في العلاقات الدولية والمهتم بالملف الليبي، نزار مقني أوضح للجزيرة مباشر أن “معالجة الأزمة الحالية في “طرابلس” تمثل أولوية لتونس كونها تمثل خطرا على الأمن القومي التونسي على صعيدين: أمني كون التوتر على الحدود التونسية سيكون مرتفعا خاصة وأن الجماعات “الإرهابية” والتي تضم قيادات تونسية وتنشط في ليبيا قد يمكنها القيام باضطرابات وفوضى عبر التسلل إلى تونس إذا ما اتسعت رقعة الحرب لتمتد إلى مدن أخرى قريبة من تونس، وقد يؤدي الاضراب والقصف على “طرابلس” إلى هروب بعض المتطرفين إلى تونس والجزائر”.
  • مقني: الصعيد الثاني اقتصادي، كون هذه الحرب قد تؤثر مباشرة على المبادلات التجارية بين البلدين التي شهدت تحسنا في الأشهر الماضية وهو ما قد يتسبب في توتر اجتماعي في الجنوب التونسي الذي تعتمد بعض مدنه كـ”بنقردان” على المبادلات التجارية كمصدر رزق أساسي، إضافة إلى أن الحرب في طرابلس قد تؤثر على الموسم السياحي القادم خاصة إذا ما زاد التوتر الأمني واقترب أكثر من الحدود مع تونس”، حسب قوله.
  • مقني: انطلاقا من هذه الأسباب فإن الجمهورية التونسية ترى أنه يجب الدفع نحو عودة الفرقاء الليبيين إلى طاولة المفاوضات سريعا، أما الابتعاد قليلا عن الدولة المصرية فمرجعه إلى أن “القاهرة” تدعم “حفتر” وكذلك عدم تبنيها لاستراتيجية الحل السلمي بالمقارنة مع تونس والجزائر الرافضتين للحل العسكري هناك”.
المصدر : الجزيرة مباشر