حذف “البسملة” من الكتب المدرسية بالجزائر يجدد الصراع حول الهوية

طالبات في مدرسة جزائرية

غالبا ما يرتبط إقدام وزارة التعليم في الجزائر على إحداث أي تغيير في المنظومة التعليمية بجدل حول مسألة الهوية في المدارس.

فلا يكاد يهدأ هذا النقاش، إلا ويثار من جديد بين مؤيد ومعارض في الأوساط السياسية والدينية والشعبية.

وقبل يومين من بداية العام الدراسي الجديد، أشعلت وزيرة التعليم الجزائرية، نورية بن غبريط، صراع الهوية مجددا، بقرارها حذف “البسملة” (بسم الله الرحمن الرحيم) من مقدمات الكتب المدرسية، باستثناء كتاب التربية الإسلامية.

ما أعلنته الوزيرة، على هامش افتتاح الدورة العادية لمجس النواب (البرلمان)، في الرابع من الشهر الجاري، دفع منتقدين إلى القول إنها تريد محو الهوية العربية والإسلامية داخل المدرسة و”تغريب” المناهج التعليمية.

ومنذ تعيينها، عام 2014، تواجه الوزيرة “بن غبريط” انتقادات من أحزاب ومنظمات وأوساط شعبية في الجزائر؛ بدعوى تبنيها لمخطط يهدف إلى فصل المدرسة عن هويتها العربية والإسلامية.

ومع كل تغيير تجريه تعلن وزارة التعليم أنها تطبق “برنامجا إصلاحيا” للمنظومة التعليمية، بموافقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من أجل النهوض بالمستوى التعليمي، بعيدا عن الأطر الإيديولوجية.

وأعلنت الوزارة، أواخر أغسطس/ آب 2015، قرارا بتدريس اللهجة العامية الجزائرية في الطورين التحضيري والابتدائي من التعليم، لكنها تراجعت، تحت وطأة غضب اتسعت رقعته.

كما واجهت الوزارة، مع بداية العام الدراسي الماضي، ما وصف بـ “الفضيحة” عندما أمرت بسحب كتاب الجغرافيا للمرحلة الإعدادية، لتضمنه اسم إسرائيل بدلا عن فلسطين في خريطة بإحدى صفحات الكتاب.

وآنذاك شنّ نشطاء جزائريون حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، يطالبون فيها السلطات بالسحب الفوري للكتاب، ويتهمون الوزيرة بنشر التطبيع مع إسرائيل في المدارس.

ومطلع عام 2016 راجت تسريبات حول قرار وزاري بضرورة إتقان اللغة الفرنسية كشرط ضروري في مسابقات توظيف المدرسين، قبل أن تطفوا إلى الواجهة تسريبات أخرى عن ضغوط لإلغاء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من الكتب المدرسية.

قرار حذف البسملة أثار حفيظة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (أكبر تجمع لعلماء الدين)، حيث وصفت القرار، في بيان منتصف الشهر الجاري، بـ”الاعتداء على عقول الأطفال وهوية الشعب الجزائري تحت ذريعة الإصلاحات”.

واعتبر عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لـ “حركة مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي معارض بالجزائر)، أن وزيرة التعليم “منزعجة من وجود أي أثر للإسلام في المدرسة والكتاب المدرسي”.

ونشر مقري، في صفحته بموقع “فيسبوك”، تدوينة أرفقها بدراسة سابقة للوزيرة حول المدرسة والدين، قائلا: “للذين يعتقدون أننا نظلم بن غبريط، من العلمانيين والسذج والانبطاحيين من غير العلمانيين، هناك دراسة لبن غبريط ذاتها عن المدرسة والدين تظهر فيها بوضوح رفضها وانزعاجها من وجود أي أثر للإسلام في المدرسة والكتاب المدرسي”.

وشدد مقري على أن الوزيرة “بن غبريط جزء من مشروع لمحاربة الدين وليس التطرف الديني الذي يحاربه الإسلام ذاته”.

من جانبه اعتبر بوعبد الله غلام الله، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر (تابع للرئاسة)، أن “حذف البسملة جائز، وهي مجرد عنوان على غرار عبارة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”.

ومضى قائلا، في تصريحات إذاعية إن “وجودها (البسملة) لا يعني أن كتاب الرياضيات أو الفيزياء كتب دينية”.

من جانبه قال الكاتب الجزائري، كمال داود، وهو علماني يشتهر بمعاداته للتيار الإسلامي: “تشهد البلاد جميع فصول الخراب والانحطاط! بينما ينشغل الإسلاميون بقضية البسملة والتفاصيل الثانوية والهامشية لتشتيت الانتباه وقمع الحريات لإبقاء السيطرة على الشعب”.

واتهم داود جمعية العلماء المسلمين في الجزائر بـ “استغلال الإعلام” لمحاربة وزيرة التعليم، “فقط لأنّها ناجحة وقوية وهذا ما يضربهم في مقتل”، على حد قوله في تدوينة على صفحته بـ “فيسبوك”.

من جانبه قال الكاتب الجزائري، سالمي ناصر إن “صراع الهوية لا يوجد داخل المدرسة الجزائرية، بل هو صراع خارج أسوارها”.

واعتبر ناصر أنه “صراع سلط (جمع سلطة) وأحزاب، ونظرة إلى المجتمع. وبدل أن يشكّل إضافة نوعية للمجتمع، صار عائقا، يحول دون تطوّره وازدهاره”.

وشدد على أن “المدرسة يجب أن تكون بعيدة عن الصّراعات”.

وأضاف “على الأحزاب والجمعيات السّياسية أن تختار حلبة أخرى للصّراع، وترك المدرسة تتبنّى مشروعا منفتحا على العالم، ولا يتنكّر لأصوله”.

وأكد أن هذه “صراعات جانبيّة لا تغني ولا تسمن، الصراع الحقيقي يجب أن يكون في مجال الرّفع من جودة التّعليم، والوصول إلى مدرسة ذات نوعية لا كمّية”.

والتحق نحو 9 ملايين تلميذ بمقاعد الدراسة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوي، وفق أرقام رسمية، وسط أجواء يشوبها القلق والحذر؛ بسبب قلّة الإمكانيات والمرافق التربوية والاكتظاظ الحاد داخل المدارس.

المصدر : الأناضول + الجزيرة مباشر