ثورة يناير المصرية في الخطاب الرسمي .. ستار يسدل بهدوء

الثورة المصرية
الثورة المصرية في الخطاب الرسمي .. ستار يسدل بهدوء

ذهب خبراء سياسيون وإعلاميون إلى أن ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 انتقلت إلى هامش الخطاب الرسمي في مصر، وسط زحف متزايد للقضايا الأمنية والاقتصادية.

واعتبر خبراء، أن ذكرى ثورة يناير في الخطاب الرسمي في مصر يكاد يقتصر حاليا على مناسبات محدودة، فيما انتقدها إعلاميون موالون للنظام الحالي وحملوها مسؤولية الصعوبات التي تواجهها البلاد في الوقت الراهن، ووصفها آخرون بـ”المؤامرة”.

وحسب الخبير الإعلامي، عادل اليمانى، فقد “ضاقت المساحة التي يأخذها الحديث عن ثورة يناير بشكل كبير في الخطاب الرسمي وحل بدلا منها الأزمات الاقتصادية والسياسية وكذلك الأوضاع الإقليمية”، مدللاً على هذا الانحسار، قال اليماني إن “أغلب المحسوبين على ثورة يناير أصبحوا خارج المشهد الرسمي حاليا، كما أن الأصوات المدافعة عنها بالإعلام أصبحت قليلة جداً حتى بدا وكأن الستار يسدل عليها بهدوء”.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة “انحسار حضور ثورة يناير في الخطاب الرسمي”، منوهاً إلى أن “الأمر يمتد إلى خطاب الأحزاب السياسية أيضا”.

وقال نافعة لـ”الأناضول”، إن “الأمر طبيعي؛ لأن الثورة لم تُحقق أيًا من أهدافها وفشلت في إرساء مبادئها”.

ورأى أستاذ العلوم السياسية أن “المؤسسة العسكرية احتوت الثورة حتى تُسقط رأس النظام (السابق)؛ للقضاء على مشروع توريث الحكم من الرئيس الأسبق (حسني مبارك) إلى نجله جمال، إلا أنها أبقت النظام كما هو وحالت دون انهياره”.

وتابع نافعة: “المتصدرون للمشهد الرسمي حالياً لا يؤمنون بالثورة، بل ينقمون عليها ويعتبرونها مضادة لمصالحهم”.

ظلت ثورة يناير، التي أطاحت بنظام حسني مبارك، تتصدر الخطاب الرسمي، خلال فترة حكم المجلس العسكري التي امتدت حتى يونيو/حزيران 2012، فضلاً عن عام رئاسة محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب (يونيو/حزيران 2012-يونيو/حزيران 2013).

وبعد تنحي مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، احتفى المجلس العسكري بثورة يناير، فيما ركز مرسي في معظم خطاباته على تضحيات الثوار، مشدداً على أنه يعمل لـ”استكمال المشوار”.

قدم الدستور المصري الصادر في عام 2012، ثورة يناير باعتبارها مرجعية التغيير السياسي في البلاد، وأساس الانطلاقة الوطنية لتحقق الآمال التي عبر عنها المصريون، وجاء بديباجة الدستور: “تستمر ثورة هذا الشعب التي بعثت فيه روحاً طاهرة، جمعت المصريين والمصريات على كلمة سواء، لبناء دولة ديمقراطية حديثة”.

وإثر احتجاجات شعبية اندلعت في 30 يونيو/ حزيران 2013، تم وقف العمل بهذا الدستور بالتزامن مع الإطاحة بمرسي من قبل قيادات الجيش تساندهم قوى سياسية ودينية، في خطوة اعتبرها أنصار الرئيس السابق “انقلابا على الشرعية”.

وقالت قيادة الجيش المصري وقتها، إن هذه الإجراءات تشكل بداية مرحلة انتقالية جديدة لـ” تصحيح مسار ثورة يناير”، التي “حاول البعض أن يحيد بها عن أهدافها الوطنية”.

غير أن الحديث عن 30 يونيو كـ”ثورة شعبية وتصحيح مسار” طغى تدريجياً، على الخطاب الرسمي الذي مال إلى إبراز ما أطلق عليه “محاولات استغلال ثورة يناير لتحقيق أهداف خاصة”، وذلك على غرار ما تكرر في أحاديث كل من الرئيس المؤقت عدلي منصور، والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

وخلال حكم منصور، الذي استمر عاماً واحداً، تم إقرار دستور جديد للبلاد، ربط بين 25 يناير و30 يونيو، باعتبارهما “ثورة واحدة” دعت إلى “العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية”.

أما الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي كان عضواً في المجلس العسكري وقت الإطاحة بمبارك، فيكثر من الاستشهاد بما حدث في 30 يونيو، كلحظة “إنقاذ لمصر”، في مقابل إشارات خاطفة إلى ثورة يناير، اللهم إلا في ذكراها السنوية، حيث يُخصها بخطاب تبثه وسائل الإعلام الحكومية.

ففي خطابه بالذكرى الخامسة لها (يناير/ كانون ثان 2016)، ثمّن السيسي ما حققته للشعب المصري، وأشاد بـ”شباب من خيرة أبناء الوطن ضحوا بأرواحهم من أجل دفع دماء جديدة في شرايين مصر”.

لكنه استطرد قائلاً إن “أي عمل إنساني يخضع للتقييم، وما اعترى تلك الثورة من انحراف عن المسار الذي أراده لها الشعب لم يكن من قبل أبنائها الأوفياء، وإنما جاء نتاجا خالصا لمن حاولوا أن ينسبوها لأنفسهم عنوة”.

باعتقاد القاضي السابق أحمد مكي، وزير العدل في عام رئاسة مرسي، “لم تشهد مصر ثورة حقيقية”، معتبراً أن إطلاق هذا الوصف على ما حدث في 25 يناير “مبالغ فيه”.

وقال مكي “لم تكن ثورة؛ لأن نظام مبارك تشقق نتيجة لتظاهرات عادية مصحوبة بشيء من المؤامرات أو تراخي من السلطة عن أدائها ما أنتج الوضع الحالي”.

وأضاف: “ما حدث في 25 يناير يتم كل يوم في أفريقيا حيث تندلع مجموعة مظاهرات تزيح الحاكم وتأتي بغيره، ولكن التغيير الحقيقي لم يحدث بعد”.

وبتقدير السفير معصوم مرزوق، القيادي بالتيار الشعبي الناصري، لا يعد تراجع ذكر ثورة 25 يناير في الخطاب الرسمي “أمراً مفاجئاً”، والسبب، كما قال ، إن “الثورة المضادة هي من تحكم الآن ، موضحا أن القائمين على الحكم حالياً لا يؤمنون بأهداف يناير ويرى كثير منهم أنها كانت أمراً سلبياً”.

وتابع أن “الثورة المضادة تمكنت بعد 30 يونيو بشكل كبير من الحكم في مصر، وأصبحت تُسيطر على غالبية مفاصله”.

وخلال الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية عام 2015، تمكن نواب سابقون للحزب الوطني المنحل (الحاكم في عهد مبارك) من السيطرة على ربع مقاعد مجلس النواب الجديد (596 إجمالي المقاعد)، فيما عادت بعض قياداته السابقة، لمواقع وزارية، مثل خالد عبدالعزيز الذي يشغل حاليا منصب وزير الشباب، وإبراهيم محلب رئيسا للحكومة ثم مستشارا للسيسي، وفايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي سابقا ومستشارة للسيسي حاليا.

من جانبه ، أقرّ أحمد البرعي، وزير التضامن الاجتماعي في أول حكومة بعد الإطاحة بمبارك، بانحسار ثورة يناير، وقال إن “الأمر امتد إلى غالبية الأصعدة وليس الخطاب الرسمي فقط”.

وأوضح البرعي أن هذا الانحسار يرجع إلى أن الثورة “قامت بتلقائية وافتقدت لتنظيم يدعمها، لتصل إلى مواقع الحكم”.

وقال “اليوم.. نرى اختفاء شبه كامل لثورة يناير؛ لأن من في الصدارة يُعادونها؛ كونها أتت مضادة لمصالحهم، بل يحملونها مسؤولية الصعوبات التي تواجهها مصر في الوقت الراهن”.

نفس الرأي، ذهب إليه الناشط السياسي خالد تليمة، الذي برز في ثورة 25 يناير، إذ قال إن “رجال الثورة المضادة الموجودين في الحكم يحاولون تشويش وإخفاء كل معالم الثورة؛ لأنها قامت بالأساس ضدهم”.

وانتقدها إعلاميون محسوبون على النظام الحالي ثورة يناير ، حيث وصفها الإعلاميان توفيق عكاشة وأحمد موسى بأنها ثورة “خساير”، فيما اعتبرتها الإعلامية رولا خرسا “مؤامرة” كانت تهدف إلى تدمير مصر والمنطقة العربية.

المصدر : الجزيرة مباشر