تونس ما بعد الانتخابات: مبادرات تعكس آمال الشباب

حملة نظافة في شوارع تونس

“نريد بلادنا نظيفة حتى نستعيد ثقتنا فيها ويستطاب فيها العيش” إحدى العبارات التي يرددها العديد من المشاركين في حملات النظافة التي اكتسحت شوارع وأحياء كل المدن التونسية.

حالة انخراط غير مشروط في حملة واسعة النطاق يقودها الشباب ويشارك فيها الجميع تقريبا على اختلاف أعمارهم وانتماءاتهم الاجتماعية.

الحملة انطلقت مباشرة بعد فوز قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية عبر دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي.

هل هي حالة وعي؟
  • “هي ليست ظاهرة وإنما حدث” هكذا علق أستاذ علم الاجتماع عبد الوهاب محجوب مفسرا ذلك بأنه نتيجة تسببت فيها “شخصيةٌ” الرئيس الجديد قيس سعيد، التي استطاعت أن تخلق الأمل لدى شباب فقد الأمل في الأطراف السياسية الموجودة.
  • محجوب أضاف أنها “محاولة للأفراد من شأنها تعزيز الروابط الجماعية لتعكس حالة بحث عن الجزاء لأنفسهم بعد الانتهاء من الانتخابات التشريعية والرئاسية، وبالتالي شعور بالمسؤولية السياسية والاجتماعية في ظل فشل العمل الديمقراطي المنظم في شكل أحزاب وسياسيين مالكين للإمكانيات”.
  • محجوب اعتبر حملات “النظافة” ردة فعل صحية على وضع غير صحي، وهي كذلك رسالة مضمونة الوصول للجميع وخاصة الأطراف السياسية وقيادات المرحلة المقبلة وعلى الجميع فهم الرسالة.
  • يرى الباحث في الحضارة سامي براهم أن هذه الحركة الفردية والجماعية يمكن تفسيرها من خلال جانبين اثنين: الأول تلقائي يحمل نفسا جديدا وروحا جديدة لهذا الشباب والجانب الآخر وهو شكل جديد من الانتظام ليس حزبيا ولا مدنيا، ربما هو بصدد التشكل، وهو أقرب إلى نوع من “التنسيقيات”.
  • تحركات يمكن أن تكون بديلة عما سماه براهم بأزمة الديمقراطيات، التي تتحكم بها “لوبيات” المال والأعمال وفق تعبيره والتي أفرغت معنى الديمقراطية من محتواها وهذا حاصل في كبرى دول العالم وليس في تونس فقط، مرجحا أن تنتقل حملات “النظافة” هذه إلى مجالات أخرى وبالتالي يمكن أن يكون شكلا جديدا يخدم الشأن المحلي والمركزي أيضا.
العنف والعنف المضاد
  • الألوان والنظافة رافقتها في المقابل من قبل عدد من التونسيين، انتقادات موجهة إلى بعض وسائل الإعلام وصلت حد المطالبة بإغلاق احدى القنوات التلفزيونية، وذلك على خلفية ما اعتبروه الخطاب العنيف والمتشنج الذي تبثه من دون مراعاة إرادة التونسيين.
  • المسألة لم تقف عند الاحتجاج على خطاب بعض وسائل الإعلام وخاصة التلفزيونية منها، بل تعدتها إلى التهجم على منظمات مدنية كالاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وصفته شريحة واسعة من منتقدي منظومة الحكم بأنه شريك في الفساد ويجب أن تشمله حملة “النظافة”، ولكن يبقى الإعلام هو في صدارة “خط النار” عند مواجهة الشارع.
  • في هذا السياق يرى براهم أيضا في حديثه لموقع الجزيرة مباشر أن الموقف المنتقد لبعض وسائل الإعلام هو أساسا موجه لما يعرف محليا في تونس “بالكرونيكور”، وهم الخبراء الذين يعلقون على الأحداث السياسية في البرامج، بالتالي هو موقف من أداء إعلامي معين وليس من وسيلة الإعلام في حد ذاتها مشيرا إلى أن هناك بعض الإعلاميين كانت نبرة خطابهم عدائية ومتشنجة تجاه اختيارات التونسيين في الانتخابات والنتائج التي افرزها الصندوق.
  • المشاهد التونسي، حسب رأي براهم، لم يعد يقبل تلقي المادة الإعلامية القائمة على التشنج والمواقف الحادة خاصة حين يكون التحليل مرتكزا على معطى غير ثابت، متسائلا “بأي حق تتم ممارسة قصف ممنهج على وعي المواطن التونسي؟”.
حرية التعبير حق
  • الصحفي مهدي الجلاصي عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين قال للجزيرة مباشر “التعبير عن الرأي بالعنف مسألة خطيرة جدا ويجب إيقافها حتى لا تنفلت الأمور”.
  • الجلاصي أشار إلى أنه في حال وجود مشكلة مع قناة تلفزيونية من حيث الخطاب أو الخط التحريري، على المتلقي الاختيار إما المقاطعة وعدم المشاهدة، أو هناك أساليب أخرى يتمثل أبرزها في تقديم شكوى على سبيل المثال إلى الأطراف المعنية، وأساسا الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.
  • الجلاصي أكد أنه على الجميع إدراك أن الحرية من حق كل مواطن تونسي التمتع بها في كنف احترام الآخر واحترام خياراته.
  • رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد دخل على خط الجدل الحاصل في الأيام الأخيرة في تونس عن خطاب الكراهية التي اتهمت به بعض وسائل الإعلام وتواطؤ بعض الأطراف معها، في إشارة للاتحاد العام التونسي للشغل.
  • “لا تقارعوا الفكرة إلا بمثلها ولا الحجة بغير الحجة العالم بأسره ينظر بإعجاب إلى تونس”. هذه كلمات رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد في كلمة توجه بها إلى الشعب التونسي عبر وكالة الأنباء الرسمية، في تجديد لدعوته إلى احترام الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية وألا يتم التعرض لأحد في جسده أو عرضه أو ماله مطالبا بعدم الرد على أي موقف مهما كان إلا بالفكرة.
  • بقدر ما كانت حملة “النظافة” التي عرفتها كل المدن التونسية في ظاهرها سلوكا مدنيا حضاريا، بقدر ما جعلت بعض الجهات تتأهب من أن تتحول إلى حملة “تطهير” جماهيري لكل من يعارض خيارات ” 13 من أكتوبر” وهو يوم انتخاب قيس سعيد.
  • هذا اليوم تحول إلى رمزية مرحلة، حيث يرى كثير من التونسيين أن ما بعد 13 من أكتوبر/تشرين أول الماضي ليس كما قبله.
المصدر : الجزيرة مباشر