تونس.. تشكيل حكومة متعثر واقتصاد ينتظر حلولا

رئيس الوزراء التونسي المكلف الحبيب الجملي

يباشر الرئيس التونسي قيس سعيّد عهده مع أزمة سياسية، وسط تعثر تشكيل الحكومة، وبرلمان منقسم، وتزايد الضغوط الاقتصادية، مع اقتراب تسديد ديون خارجية للبلاد.

ومنذ تكليفه رسميا منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدأ الحبيب الجملي الذي يؤكد أنه مستقل عن الأحزاب، مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان، والمنظمات الوطنية، والشخصيات النقابية والكفاءات.   

غير أن المهلة الدستورية الأوليّة التي يمنحها الدستور لم تسعفه في إتمام مهمته التي تم تمديدها شهرا إضافيا، الأمر الذي ينذر بمهمة صعبة وسط دعوات بالتسريع، لأنه إذا فشل في مهامه فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.

وقد أعلن “التيار الديمقراطي” (22 نائبا) وحركة “الشعب” (15 نائبا)، ثانيةُ أكبر الكتل في البرلمان انسحابهما من المشاورات، معلّلين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية، أو “غياب الجدية”. وهذا من شأنه أن يضعف حظوظ الحكومة المقبلة في نيل ثقة البرلمان، حيث يجب أن تحصل على 109 أصوات (من مجموع 217).

بموازاة ذلك، بدأ البرلمان جلسات عمله الأولى التي تخللتها مشادات وتجاذبات، بلغت حد تعطيل العمل، بسبب تبادل الشتائم بين نواب بخلفيات سياسية متضادة. 

فسيفساء حزبية

أفرزت الانتخابات النيابية “فسيفساء” من الأحزاب يتقدمها “النهضة” الإسلامي (52 نائبا) يليها حزب “قلب تونس” الليبيرالي (38 نائبا).

وتتمحور الخلافات في البرلمان بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وفي مقدمتها “النهضة”، وفي المقابل أحزاب أخرى تهاجم الإسلاميين وتتهمهم بالمسؤولية عن تردي الوضع في البلاد.

ووصل الأمر إلى اعتصامات من قبل نواب داخل البرلمان، مع انطلاق مناقشة قانون الموازنة 2020 الأسبوع الماضي. 

احتقان اجتماعي

وسط هذه الأجواء السياسية، يزداد الاحتقان الاجتماعي في البلاد خصوصا مع ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية، بسبب ارتفاع الأسعار، رغم استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية دون خروجها من منطقة الخطر.

لا تزال نسبة البطالة في مستوى 15.1%، ونسبة التضخم 6.3%، ونسبة النمو بحدود 1.4%، بينما يبلغ العجز في الموازنة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي. 

وغالبا ما ارتبط شهر يناير/ كانون الثاني بتزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مع اقتراب ذكرى وفاة محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد.

وشكلت الحادثة انطلاقة لانتفاضة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

ومطلع ديسمبر/ كانون الأول الحالي اندلعت احتجاجات في مدينة “جلمة” (وسط) انتهت إلى مواجهات بين سكان المنطقة وقوات الأمن، بعد أن انتحر الشاب عبد الوهاب الحبلاني (25 عاما) حرقا احتجاجا على وضعه الاجتماعي في هذه المدينة المهمشة.

نزيف   

يقول المحلل المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان “إذا تأخرنا بهذا الشكل في تشكيل الحكومة في حين يشهد مجلس النواب أجواء مشحونة مع غياب التوافق، فإن هذا سيترك تأثيره حتما لأنه لن يترك المجال أمام البلاد للدخول في إصلاحات الإنقاذ”.

كما يصف الوضع الاقتصادي بأنه “في حالة نزيف”، لأن “كل المؤشرات دون استثناء تتدهور”.

ولم تستطع البلاد منذ ثورة 2011 تجاوز الضغوط الاقتصادية، وركزت الطبقة السياسية اهتماماتها أكثر على تأمين الانتقال الديمقراطي السياسي، بينما تأجلت الإصلاحات الاجتماعية مع تفاقم المطالب المعيشية بالإضافة إلى توجيه القروض الخارجية إلى الاستهلاك، وسداد رواتب القطاع الحكومي بدلا من تخصيصها للاستثمار.

 إصلاحات   

يرى سعيدان أن الحكومة مطالبة بالشروع مباشرة في إصلاحات و”يجب أن تكون هناك حكومة قوية ومدعومة من البرلمان للقيام بإصلاحات هيكلية موجهة لوقف النزيف، وهذا ضروري ومطلوب في أقرب وقت ممكن” خصوصا في ما يتعلق بالتحكم في نفقات الدولة والتقليص من الاستيراد.

الدين الخارجي

يشكل الدين الخارجي أهم الملفات التي شغلت الحكومات السابقة، وبينها حكومة يوسف الشاهد التي استمرت أطول فترة مقارنة بسابقاتها، ولم تستطع تحقيق الانتقال الاقتصادي الضروري في البلاد.

وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74%، وبلغت 7 % في العام 2018 من حجم الناتج الإجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي، الذي منح العام 2016 قرضا لتونس صرف منها 1.6 مليار دولار على أربع سنوات مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية واسعة على أن يتم سداده اعتبارا من 2020.

وتتوجه تونس مره أخرى الى أسواق الدين الخارجية العام  المقبل للحصول على قروض جديدة بحسب مشروع الموازنة، لكن المهمة لن تكون سهلة في نظر سعيدان الذي يتساءل “كيف ستتمكن من الحصول على هذه القروض؟”، مرجعا السبب إلى “المناخ السياسي الذي لا يخدم صورة البلاد في الخارج”.

وتواجه سياسية الدولة من حيث الاستدانة من الخارج انتقادا ورفضا شديدين، خصوصا النقابة العمالية المركزية التي تدعو الحكومة الى عدم الانسياق لإملاءات صندوق النقد الدولي.

وخلص سعيدان إلى التنبيه من الوصول إلى مرحلة عجز الدولة عن سداد مستحقاتها “لأنه إذا لم نستطع تسديد ديوننا فسندخل في دوّامة جدولة الديون وعندها سيكون الوضع أخطر بكثير”.    

المصدر : الفرنسية