تحقيق استقصائي: البهاقيون ُيقتلون في أفريقيا لأجل عظامهم

تحقيق استقصائي للجزيرة الإنجليزية: ترجمة. أحمد حسن الشرقاوي

المصابون بمرض البهاق في مالاوي يتم قتلهم (عبرعصابات الجريمة المنظمة ومافيا تجارة الأعضاء) لاستغلال أجسادهم.

الأطفال والبالغون تمت مهاجمتهم حتي الموت باستخدام المناجل وسكاكين المطبخ، وبلغ عدد من تمت مهاجمتهم خلال العامين المنصرمين فى هذا البلد وحده 115  20 منهم علي الأقل أصيبوا بإصابات مميتة. أما الناجين، فقد تركت هذه الهجمات جروحا عميقة ماديا ونفسيا لديهم، وظلوا خائفين طوال الوقت من عودة المهاجمين لاصطيادهم مرة أخري.

لكن لماذا يحدث هذا؟!

إذا سألت معظم الناس فإنهم سوف يحدثونك عن سوق بيع الأعضاء البشرية التي لم تعد خافية علي أحد، وعن الناس المستعدين لدفع مبالغ مالية ضخمة لهم، وعن الأطباء المشعوذين الذين يستخدمونهم فى جرعات لشفاء كل الأشياء ابتداء من المرض وحتي الحظ السيء، غير أن القليل فقط هم من يعرفون أين تتم تلك التجارة أو بمقدورهم الإشارة الي لحظة تسليم المال بين أطرافها. لذلك، فإن هذه السوق المخصصة لقطع الغيار البشرية سوف تستمر فى الوجود، أو أنها مجرد أسطورة تقود الي القتل؟

فى هذا التحقيق بدأنا البحث عن هذه السوق واكتشفنا خليطا مسموما من الشعوذة والفقر والاحباط، وتلك هي قصص الضحايا والناجين والمنفذين.

أولا: الضحايا

قصة ديفيد
قرية نمبليكيرا، مقاطعة ديدزا، شرقي مالاوي

كان أحد أيام الأحاد من شهر ابريل/ نيسان من العام 2016 ، وكان يوما حارا شديد الجفاف حيث كان المراهق ديفيد فليتشر متوعك المزاج، فهو يرغب فى مشاهدة مباراة لكرة القدم فى المدرسة المحلية بالقرية بدلا من مساعدة أسرته فى جمع محصول الذرة من الحقول، وفي النهاية استسلم والداه لرغبته وسمحا له بالذهاب.

وعندما لم يعد للمنزل فى وقت لاحق من ذلك اليوم، بدأوا فى عملية بحث عنه فى القرية، لكنهم لم يعثروا عليه. وفي اليوم التالي ذهبت أسرة ديفيد الي أقرب مركز للشرطة للإبلاغ عن فقدانه، وانتظروا. وبعد أسبوع، جاء رئيس الشرطة المحلية الي منزلهم ليبلغهم التالي: جثة ديفيد وجدت أشلاء فى دولة موزمبيق المجاورة علي بعد 80 كيلو مترا من منزلهم!

وقد تعفنت بقايا الجثة بصورة كبيرة لدرجة أنه يصعب نقلها من مكان العثور عليها الي قريتهم لدفنها، لكن رئيس الشرطة قال إنه يستطيع أن يحضر فقط الذراعين والرجلين، إذا رغبت العائلة فى ذلك، وكذلك يمكنه أن يوفر وسيلة لنقل العائلة الي مكان العثور علي الجثة إذا رغبوا فى رؤيتها حيثما وجدث.

” لقد مات، ما هي الفائدة أن نذهب هناك لرؤية جثة ميتة”..هكذا تساءل فليتشر ماشينجيري والد الضحية البالغ من العمر 65 عاما باستنكار ، وأضاف:” هذا أمر مكلف للغاية بالنسبة لنا”. كان فليتشر يجلس قبالة منزله، والي جواره زوجته نامفاليني لوكيتشي ( 53 عاما ) التي لم يبد علي وجهها تعبيرات من أي نوع. وعلي بعد أمتار منهما وعلي الأرض القاسية، جلست ابنتهما موديلانجي البالغة من العمر 32 عاما وابنهما الشاب مانشينجيري ( 21 عاما).

وقالت لوكيتشي وهي تحملق فى الأفق البعيد: “قتلوه كما لو كان عنزة فى السوق..قطعوا ذراعيه وساقيه، واستخلصوا بعضا من عظامه..كان معلقا من جلده، ودفنوه فى قبر سطحي ( غير عميق ). وكانت تشير الي حركات التقطيع بيديها أثناء الحديث.

وتناول فليتشر والد الضحية ديفيد طرف الحديث من ابنته قائلا:” إننا نبكي يوميا.. كان بالنسبة لنا شعاع أمل. كنا نؤمن بمستقبله واعتقدنا أن بمقدوره أن يريحنا حيث إنه كان متفوقا فى دراسته. لازلنا نناضل لتوفير لقمة العيش بدونه.”

حرب علي المصابين بمرض البهاق

ولد ديفيد فى العام 1999 وكان ترتيبه الرابع بين إخواته الخمسة والوحيد المصاب بمرض البهاق. وقالت والدته بصوت خفيض:” لم أتفاجأ حينما ولد، بل كنت سعيدة للغاية بلون أجزاء بشرته البيضاء”..ملامحها الحادة تجمدت حينما كانت تتحدث عن ابنها. وأوضحت أن لديها خالة فى بلانتاير ( قرية مجاورة فى مالاوي ) لديها نفس العيب الخلقي منذ الولادة يؤدي الي غياب جزئي لصباغ الجلد فى الشعر والعينين وأماكن متفرقة من الجسم. واعتقدت دائما أن هذه المجموعة من البشر لديها حظوظ أفضل فى الحياة.”

كان ديفيد طالبا نجما فى المدرسة المحلية فى قرية ” كاشولي ” المجاورة، ويتذكر المدرس كليمينت جوويزا بمشاعر مختلطة داخل قاعة الدرس الشاغرة أن ديفيد لم يحضر الي المدرسة فى ذلك اليوم. اعتقدت أنه ربما لم تكن هناك خضراوات فى منزلهم، أو ربما يكون مريضا، وعندما لم يحضر فى اليوم التالي بدأت أقلق. صدمت عندما علمت ما حدث له لأن هذا يعني أنني سأكون التالي.”

كليمينت قال ذلك واضعا يده علي صدره نظرا لأنه هو الآخر من المصابين بالبهاق، وكذلك طالبة أخري فى ذات المدرسة تدعي ماتيدا ماشو تبلغ من العمر 14 عاما، وهي واحدة من خمسة أقارب لها مصابين بالبهاق أيضا، وبعد مقتل ديفيد رفضت أسرتها إرسالها إلى المدرسة لمدة 3 أسابيع.

المدرس كليمينت قال: إذا كانت هذه حربا علي البهاقيين، فإنني سوف أكون التالي علي لائحتها، مضيفا أنه يعرف أن المصابين بالبهاق يتم قتلهم، لكن أن يحدث القتل فى المنطقة وفي نفس الفصل الذي أشرف عليهن فإن هذا غير طبيعي.

في غضون يومين تم إلقاء القبض علي شخصين للاشتباه فى قيامهم بقتل ديفيد. كلاهما من مالاوي، وقد حوكما فى محكمة المقاطعة فى مايو من العام 2016 وحكم عليهما بالسجن لمدة 25 عاما بتهمة التواطؤ لارتكاب جريمة قتل واختطاف طفل.

قالت عائلة ديفيد انها سمعت عن الاعتقال والمحاكمة فيما بعد من وسائل الاعلام وإنهم لديهم شعور بإحباط مرير جراء نتيجة المحاكمة، وقال والد ديفيد فليتشر:” الأشخاص المتهمون يتعين أن يتم قتلهم أيضا. الطفل قتل بطريقة وحشية، وهم أيضا يتعين أن يتم قتلهم بطريقة مماثلة.”

أولا الضحايا
قصة ألفريد

قرية ناسي بمقاطعة فالومبي شرقي مالاوي

يعيش الفريد شيجالو البالغ من العمر 17 عاما مع خالته فى منزل طيني تحيط به زهور عباد الشمس الميتة، ويوجد فى ساحة المنزل الخارجية خمس عنزات وعدد من الدواجن علي أرضية من التربة الحمراء. أقرب جار للمنزل علي بعد خمس دقائق سيرا علي الأقدام علي ممر يتخلله العشب الأخضر علي الجانبين، ويستغرق الوصول الي الطريق الرئيسي عبر حقول التبغ الجافة نحو 20 دقيقة.

الجفاف ضرب تلك المنطقة بشدة، ورغم أن أشجار المانجو توفر الظل للمزارعين إلا أنها لا تحمل ثمارا.

الطقس فى المنطقة شديد القسوة. المحاصيل تتلف أحيانا بسبب الجفاف أو الرياح العاتية، ومثل آخرين فى ذات المنطقة، يعيش ألفريد وخالته ليديا بيتولو علي قطع الذرة الجافة من محصول العام المنصرم. العنزات الخمس فى ساحة الدار ليست مملوكة لهما، وإنما تقوم ليديا برعايتها لحساب أحد تجار المنطقة وتحصل فى نهاية العام علي واحدة منهم فقط.

فى ديسمبر/ كانون الأول من العام 2015 ، حطم اربعة رجال باب غرفة نوم ألفريد بينما كان مستغرقا فى النوم، وضربوه بالمناجل وأصابوه فى مؤخرة رأسه وفي كتفيه وظهره، وحالولا سحبه خارج الدار وعندما فزعت اليه خالته لتجده غارقا وسط بركة من الدماء واستغاثت بالجيران فر المهاجمون. نجا الفريد لكن مع جروح غائرة فى جسده.

 تحسرا:” اعتدت الاعتماد عليه قبل تلك الحادثة، فقد كنت أرسله الي السوق، وكان بمقدوره الذهاب الي المزرعة والقيام بأعمال الفلاحة، ولكنني الآن لا أستطيع ذلك لأنني أخشي علي حياته، وتقع المسؤوولية علي عاتقي.”

كن هذه ليست المرة الأولي التي تخشي فيها علي ابن أخيها، فقد أخرجته من المدرسة قبل 6 سنوات عندما بدأ زملائه فى السخرية منه.

تتحدب ملامح ليديا عندما تروي قصتهم، عيناها المتعبتان تتجولان فيما حولهما لكنهما تلمعان عندما تتحدث عن ألفريد الذي تبنته بعد موت أمه( اختها)، وقد كان لألفريد اخ شقيق مصاب بالبهاق ايضا لكنه توفي، ولم تستطع ليديا تذكر تواريخ أو تفاصيل وفاة شقيق ألفريد أو والديه لكنها تتذكر فقط انهم توفيا حينما كان يخطو خطواته الأولي مشيا علي الأقدام.

‘I am lonely’

أنا وحيد

يجلس ألفريد علي الأرض خارج الدار معتمرا قبعة رعاة البقر وظهره لجدار المنزل. يرتدي بنطلون جينز واسع وقميص بأكمام طويلة هي كل مالديه من ثياب حيث كان يرتدي طقما ثانيا عندما تمت مهاجمته وقد تشبع بالدماء بحيث بات يتعين إحراقه.

الفريد طويل القامة عريض المنكبين تتهدل أكتافه حين يمشي، لم يتحدث خلال الساعات القليلة التي مرت علي وجودنا لديهم غير أننا عندما أغلقنا الكاميرا ووضعناها جانبا وابتعدنا عن عيون الجيران الفضوليين الذين تجمعوا لمشاهدتنا، بدأ فى الكلام. قال بينما لا تكاد شفتاه الجافتان تتحركان إلا بصعوبة: استيقظ فى السادسة صباحا كل يوم لأكنس ساحة الدار غير أنني أشعر بألم فى أذرعي.”. رفع قميصه ليكشف عن جروح كبيرة وعميقة في صدره وظهره.. وأوضح:” عندما أصابوني قطعوا بعض الشرايين، لا أستطيع الآن حمل الفأس إلا بصعوبة.”

عندما وجدته يوم الحادث بدات فى الصراخ والعويل، وعندما تجمع الجيران كان متأخرا جدا فقد فر المهاجمون، هكذا قالت ليديا خالته، وأضافت:” شعرت بالأسي لحاله عندما نظرت الي حالته عقب الهجوم وعرفت أيضا انه محظوظ لأنه نجا، وانه مالم نصرخ لنجدتنا ماكان حيا الآن. وأنا أعرف لماذا تمت مهاجمته.

وتوضح:” قبيل الهجوم، اعتاد بعض الناس السخرية منه عند خروجه من المنزل، وكانوا يقولون انه يساوي الملايين من الكواشا ( العملة المحلية فى مالاوي ) أو ما يعادل آلاف الدولارات، وهو ما أعطانا مؤشرا علي ان حياته فى خطر.

ورغم ان الجروح المادية في جسد ألفريد قاربت علي الشفاء غير ان الحياة لم تعد كما كانت من قبل بالنسبة له، فوفقا لخالته ليديا فإنه يفتقر الي السلام.

في ابريل من العام 2016، قامت إيكبونوسا إيرو الخبيرة المستقلة لدي الأمم المتحدة لشؤون توفير حقوق الانسان للمصابين بمرض البهاق بزيارة ألفريد وخالته فى منزلهما، وأبلغت ” الجزيرة ” انه علي ما يبدو فإن الطفل أصيب بفقدان للذاكرة عقب الهجوم غير اننا عندما قمنا بزيارته عقب شهرين من تلك الزيارة استطاع أن يذكر لنا أسماء مدن فى مالاوي وعواصم بعض البلدان الافريقية وبعض القادة السياسيين في بلاده، ويبدو ان حالته تتحسن.

وفيما بدا وكأنه قشة جافة، قال لنا فى ختام اللقاء:” أرغب فى انهاء دراستي بالمدرسة لأصبح مدرسا. أحب كثيرا أن يأخذني أحدهم من هذه القرية. يتعين أن أخرج من هذا المكان.”

قصة هاري

قرية مبكاتي مقاطعة ماشينجا جنوبي مالاوي

تتذكر إندا سيدريك تلك الليلة فى فبرايرم شباط من العام 2016. زوجها ماريزان كابيري ذهب للصيد. التوأمان المتطابقان هاري وهاريسون كانا ينامان الي جانبها علي السرير. سمعت طرقا علي الباب وعندما أجابت وجدت رجلا يحملا منجلا اقتحم الباب واصابها. سحب هاري من السرير نحو الباب بينما حاولت إيندا ان تتمسك بالطفل بإحدي يديها فيما كانت تمسك بهاريسون باليد الثانية.

بعدها قام المهاجم بضربها بالمنجل فى وجهها فطرحها أرضا، وهكذا ذهب ابنها.

قالت بأسي واضح:” لم أستطع أن اتمسك به أكثر من ذلك، وخرجت بعدها للخارج اصرخ طلبا للنجدة، غير ان البوليس بعد 4 أيام وجد رأس هاري فى موزمبيق.”

وقال زوجها:” المكان منعزل تماما ولذلك انتقلنا الي هذه الأنحاء”.. الصياد ليس والد توأمي إنديا، ولذلك فإنه يقول انه أمضي خمسة ايام كاملة بعد الحادث يشرح للشرطة لماذا لم يكن موجودا فى المنزل عندما وقع الهجوم. الشرطة كانت تشك فى انه متورط فى الحادث ولكنها لم تعد تتشكك فيه بعد أن قام قائد شرطة القرية بالتوضيح لهم انه أمضي جل وقته فى البحيرة لصيد الأسماك لإطعام أسرته، مما دفع الشرطة لاطلاق سراحه.

وأوضح ماريزان ان الشرطة عندما اكتشفت الرأس أرسلوا لنا رسالة بأنه يتعين علينا أن نكون جاهزين لرؤيتها، وأحضروها ملفوفة في قطعة قماش داخل جوال وتعرفت عليها الأم وقالت ان رأس ابنها هاري.

وفقا لمنظمة العفو الدولية فقد تم القاء القبض علي شخصين لهما صلة بمقتل هاري، أحدهما يقال انه خاله، والثاني غريب وجدوا لديه دليل إدانة يتمثل فى حيازة عظام شخص مصاب بالبهاق، وهي الجريمة التي تم فيها تغريمه غرامة قدرها 30 دولارا.

ورغم ذلكن فإن الأسرة تقول إنها ليست لديها ادني فكرة عمن هو المسؤول عن الهجوم وعن هوية من تم القاء القبض عليهم.

الشقيقان التوأمان

يرتدي هاريسون بيجامة وقبعة رعاة البقر، ويجلس بين والديه بينما يتبادلان الدوار فى الحديث معنا. يعبث فى خيوط قبعته، يبلل شفاهه الجافة بلسانه، ويحك جلده الجافة بأذرعه، لقد عاد للمدرسة فقط منذ سبتمبر من العام 2016، بعد 8 اشهر علي اختطاف شقيقه.

منزلهم المبني من الطوب اللبن يقع فى منطقة ريفية نائية بعيدة عن الطريق الرئيسي بين بلدتي مانتاير ومانجوشي. المنازل هنا تقبع فى شكل صغيرة بين الحقول الشاسعة. وهناك دائما مسافة للمشي لعدة دقائق بين حقول المزروعات بنية اللون التي لم يتم حصدها منذ العام المنصرم حتي تصل الي أقرب جار. أعداد الشرطة فى تلك المناطق قليلة.

لكن رغم ذلك، ووفقا لماريزاني فإن هذا المكان ليس هو من تم خطف هاري منه، لأن ذلك المنزل أكثر انعزالا من تلك المنازل، وقد هدمناه وانتقلنا الي هنا حتي نكون أكثر قربا من الناس الآخرين، غير ان ذلك الانتقال لم يغير الكثير لدي الشقيق المتبقي هاريسون الذي يستيقظ فى منتصف الليل صارخا لأنه لا يستطيع أن يجد شقيقه، وقلنا له انه سوف يعود فى يوم من الأيام.

وتقول إيندا انها لم تتمكن من التغلب علي الألم الذي شعرت به عندما رأت رأس هاري. لقد فكرت فورا فى شقيقه هاريسون وأعرف ان حياته لن تكون أبدا كما كانت عليه فى السابق.

الجزء الثاني
تاريخ من العنف

البهاق اشتق اسمه من كلمة ALBUS، التي تعني فى اللغة اللاتينية الأبيض، وهو عبارة عن خلل طبيعي أو عيب خلقي ينشأ نتيحة لعدم مقدرة الجسم علي انتاج مادة الميلانين التي تقوم بتغميق لون البشرة والشعر والعينين، مما يجعل الشخص أشهب اللون فى شعره وجلده وعينيه.

ويصاب بهذا الخلل غير المعدي واحد من بين كل 20 ألف شخص علي مستوي العالم، لكنه أكثر انتشار فى منطقة دول جنوب الصحراء الافريقية حيث يصاب فيه شخص واحد من بين كل 5 آلاف شخص، ومعظم الحالات فى بلدان موزمبيق وتنزانيا وبوروندي وكينيا وزيمبابوي وجنوب افريقيا.

وفي مالاوي التي يقطنها 16.5 مليون شخص يقال ان هناك ما بين 7 آلاف الي 10 آلاف مصابين بالبهاق. لكن ما هي أسباب انتشار البهاق بشكل غير متوازن فى مناطق العالم المختلفة؟

مع الأخذ في الاعتبار انها ليست فقط مسألة تغير فى لون البشرة، لكن نقص انتاج الجسم من مادة الميلانين يتسبب غالبا فى ضعف الرؤية والحساسية تجاه الضوء، ومعظم المصابين به يعتبرون مكفوفين من الناحية القانونية، لأن جلودهم هشة خصوصا تجاه الأشعة فوق البنفسجية للشمس.

ووفقا لدراسة صدرت فى العام 2014 ، فإن البهاقيين فى افريقيا أكثر تعرضا بألف مرة للإصابة بسرطان الجلد من غيرهم فى مناطق العالم المختلفة، لكن محنتهم ليست فقط أمرا طبيا. قصة التمييز ضد البهاقيين قديمة لكنها لم توثق بالشكل الكافي، حيث تكتنفها الكثير من الخرافات والأساطير، فوقا لمنظمة العفو الدولية، فإن البهاقيين يعانون من التمييز فى 23 دولة افريقية.

وبالنسبة للكثيرين، فإن هذا التمييز يرقي الي مستوي العنف والقتل ووأد الأطفال ودفنهم أحياء، وشهد العقد الماضي زيادة فى عدد حالات قتل وتشويه البهاقيين التي تم توثيقها حيث يعود ذلك جزئيا لاعتقاد بأن أعضائهم وعظامهم وأجزاء من أجسادهم يمكن أن تباع فى السوق السوداء.

ويتم تغذية هذا الاعتقاد عبر خرافة مفادها ان عظام البهاقيين خلقت من تراب الذهب وأنها مكون ضروري من مكونات جرعات السحر. وفيما تتوارد تقارير بشأن عظام للبهاقيين وصل سعرها الي 75 ألف دولار فى السوق السوداء، فإنه لا توجد حالات تم فيها توثيق عمليات تبادل المال بين المنفذين، لذلك فإن مسألة التجارة المنظمة للأجزاء البشرية للبهاقيين لا تزال تحتاج الي إجابات حاسمة.

وتقول ايكبونوزا ايرو ممثلة الأمم المتحدة انهم غير قادرين علي تأكيد وجود مثل تلك السوق، وتضيف:” هناك مال كثير مزعوم فى هذه التجارة، وانني أقول ان هذا الزعم ناجم عن الناس يكررون فكرة ان هناك الكثير من المال فى هذا المر، ويبدو ان وسائل الاعلام جزء من أسباب انخراط بعض الناس فى هذا الأمر، لكن هناك بعض الدول التي شهدت تراجعا فى عدد الهجمات علي البهاقيين ربما لإدراك الناس عدم جدوي تلك العظام والأجزاء البشرية للبهاقيين.

ملايين، ملايين

زومبا جنوبي مالاوي

أيميلي شيوميا تعمل فى ادارة حكومية فى مدينة زومبا جنوبي مالاوي لكنها تساعد كناشطة من أجل البهاقيين، وهي سعيدة بالحديث معنا حتي إذا كان الموضوع تحت اسم ينادونها به فى الشوارع حيث تقول ضاحكة انه لدي مرورها فى الشارع فإن الناس يهتفون: ملايين، ملايين، وكأنهم بشر صنعوا من ذهب.

وإيميلي هي نائب سابق لرئيس رابطة البهاقيين فى مالاوي المعروفة باسم ( أبام )، ومنذ بدات الهجمات ضدهم، قامت ايميلي مع الرابطة بتوثيق الجرائم التي ارتكبت مع أشخاص من البهاقيين مثلها، وغالبية الهجمات، كما تقول، نفذ أقارب أو جيران أو أشخاص يعتبرهم الضحايا أصدقاء لهم.

تقول ايميلي وقد اختفت ضحكتها: “قبل ذلك كانت القضية لدي الناس هي قولهم انه إذا ضاجعت بهاقية فإن جلدك سوف يتحول الي اللون الأبيض، لكن الأمر اختلف الآن. لا أستطيع الاستمتاع بحياتي كما تعودت عليها..لا أستطيع المشي فى الشوارع فى المساء، لا أستطيع النوم حتي فى منزلي، أخشي ممن يقتحم علي المنزل.”

ويروي إيان سامبوتا وهو بهاقي يعمل دي جي فى أحد الاذاعات المحلية بمالاوي قصته عندما صادق امرأة عجوز متعلمة فى العام 2012 وعرضت عليه فى البداية 100 الف كواش بما يعادل 138 دولارا لمضاجعتها ثم رفعت خلال سفره وحيدا الي المبلغ الي نصف مليون كواش ( 700 دولار )، مشيرا الي أنها كانت مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة ( الايدز ) وظنت أنها بمضاجعتها لشخص بهاقي مثلي فإنها سوف تتخلص من الإيدز.

ورغم رفضه للعرض، فإنه يعترف بأنه كان مغريا لأنه كان يحتاج النقود لدفع تكاليف علاج والدته.

ستيفن بيرجس فى العقد الرابع من عمره انهم كانوا يطلقون عليه منذ صغره ” الكلب الأبيض ” لكن هذا هو ” زمن الأزمة” كما يوضح فى إشارة الي الهجمات التي يتعرض لها البهاقيون. ويقول بازيريو كاودزو ( 46 عاما ) انه يشعر بتهديد شديد خلال سفره وحيدا الي المشفي الذي يعالج فيه فى العاصمة ليلينجوي للحصول علي مرهم أكسيد الزنك اللازم لعلاج البقع والبثور التي تنتشر علي جلده، مالم يرافقه فى الرحلة أحد أبناء أخيه.

انها رحلة ملفة بالنسبة لمزارع فى حقول الطماطم، لذلك فإنه يحصل علي قرض كل شهرلتغطية تكاليف أجرة السيارة لشخصين من موطنه الي العاصمة، لكن الأمر لا يسير علي هذا المنوال دوما. تتذكر باتريشيا ماجووا ( 37 عاما ) الزمن الذي كان فيه زوجها المطرب الملائكي جيوفري زيجوما واحدا من الأصوات الذهبية فى الموسيقي المالاوية، وقد مات بسرطان الجلد فى العام 2013 حيث كان يحاول دوما ان يقدم رواية مختلفة لتصحيح الادراك الخاطي للناس عن البهاقيين.

تقول باتريشيا من منزلها المتواضع الذي يبعد 7 كيلومترات عن العاصمة ليلينجوي انه كان ينادي بأسماء مثل الرجل الأصفر لكنه لم يشعر أبدا بأنه غير آمن علي حياته، لكن الموقف تغير الآ،، حسبما قالت.

 

تجارة متحولة

حكومة مالاوي أدركت ان هناك مشكلة. يقول نيفرسون تشيسيزا أحد كبار محاميي الدولة بوزارة العدل والشؤون الدستورية فى مالاوي ان هناك ما لايقل عن 85 حالة موثقة تتضمن القتل، الاعتداء، عمليات الخطف المتعمدة، التهريب، التشويه والسطو المسلح الخطير منذ العام 2014، من بينها 20 حالة قتل علي الأقل

في مايو من العام 2016، قالت ايكبووزا إيرو ممثلة الأمم المتحدة قالت انه مالم تتخذ الحكومة اجراءات جدية لوقف الهجمات ضد البهاقيين فإنهم سوف ينقرضون فى مالاوي، غير ان حكومة مالاوي قالت ان عمليات المطاردة التي قامت بها السلطات المحلية فى تنزانيا المجاورة أدت الي نقل مركز تجارة الأعضاء البشرية للبهاقيين الي مالاوي.

وابلغنا المفتش الأعلي لشرطة كاوينجا، وهي السلطة المحلية فى منطقة ماشينجا بمالاوي حيث تقع معظم الهجمات ضد البهاقيين، خلال زيارتنا لمكتبه انه سمع ان تجارة الأعضاء البشرية كانت فى دولة موزمبيق المجاورة. كل دولة فى المنطقة تميل الي تصوير جيرانها علي أنهم مصدر تلك المشكلة.

ورغم ان العديد من الأشخاص يميلون لإستخدام مصطلح ” ألبينو ” أو الأبيض، إلا أن هناك محاولات لتغيير المصطلح الي المصاب بالبهاق أو البهاقي، وتقول ايكبونوزا إيرو ان المصطلح الأخير أفضل لأنه يضع الشخص أمام حالته، بينما تري منظمة ” تحت نفس الشمس” الخيرية الكندية ان مصطلح ” ألبينو” استخدم تاريخيا بطريقة توحي بالازدراء والمهانة للبهاقيين.

وفي يونيو/ حزيران من العام 2016 التقي 150 من المسؤولين الحكوميين والأكاديميين والنشطاء من 26 دولة في عاصمة تنزانيا دار السلام فى أول منتدي من نوعه عن البهاق فى افريقيا. استهدف المنتدي خلق خطة عمل لإنهاء الهجمات ضد البهاقيين وخلص الي ان الحومات يتعين عليها أن تخصص ميزانية وقوه عمل فى القطاعات المختلفة للقيام بذلك، وأوصي باتخاذ مجموعة من الاجراءات والممارسات للتغلب علي المشكلة.

وقالت ممثلة الأمم المتحدة ايكبونوزا ايرو :” الآن لدينا لائحة اجراءات محددة وفعالة وليست مكلفة لتطبيقهان وعلي الحكومات ألا تتجاهل تلك المشكلة بعد الآن، فقد حان وقت التحرك.”

 

الجزء الثالث
الجناة

زومبا جنوبي مالاوي

حوائط الطوب الأحمر تتلألأ فى أشعة الشمس وسط النهار. ويقف سجن زومبا شديد الحراسة مثل القلعة فى العاصمة السابقة للبلاد، وهو ربما يشبه مصنعا ليس فقط لأبراجه ذات الساعات ولكن لسوره المعدني الذي يحيط به. ويقودك مسار ترابي محاط بشجيرات المانجو الي المدخل الرئيسي للسجن.

يستضيف السجن داخله 2365 سجينا بعضهم ينتظرون المحاكمة وبعضهم يمضي فترة عقوبته عن جرائم خطيرة للغاية مثل القتل والاختطاف والتهريب والسطو المسلح. مدير السجن ميجور مانويل قام بتحيتنا عند الباب الأمامي الذي يبعد 3 أمتار عن البوابة الرئيسية المصنوعة من الصلب والمطلية باللون الأخضر، وهو يرتدي بدلة كاكي سفاري وصندل من الجلد.

استقبلنا بابتسامة وسأل: كيف يمكن أن اساعدكم ؟ وقام مانويل بتسليمنا الي اثنين من حراس السجن الذين قادونا الي ممر مفتوح بين مكتب الاستقبال الأمامي ومطبخ الموظفين حيث توجد بالقرب منها شماعات لتعليق الملابس، وجلسنا علي مقعد تظلله أسوار السجن العالية.

وعلي مدار 3 ساعات سوف نستقبل 8 من السجناء سواء الذين ينتظرون المحاكمة أو المدانين بالمشاركة بشكل أو بآخر فى الهجوم ضد أحد البهاقيين، حيث يجلسون علي مقعد خشبي آخر فى مواجهتنا والي جانبهم مترجم شخصين فيما يجلس حارس علي مسافة بعيدة بدرجة كافية لا تشعر السجناء بتدخل ادارة السجن فى الحوار.

ثنان فقط من السجناء اعترفا بأن قضيتهما لها علاقة بشخص بهاقي، فيما اصرت الغالبية انهم تم الايقاع بهم أو تم توجيه الاتهامات لهم عن طريق الخطأ واعترف سجين واحد بانه ارتكب الجريمة. ويقول الحارس بعد أن رفع غطاء رأسه ليحك جلده، انهم فى حالة انكار وغير قادرين علي ان يعترفوا بجرائمهم بصراحة.

 

نابش القبر

يرتدي ستينالا شايبو ليزاهابا قميصا نظيفا أبيض اللون وبنطلون جينز أزرق ممزق. جلس فى مقعده ببطء ووضع قدما فوق الأخري، وأمسك في يده مسبحة من الخرز الصغير تتدافع بين اصابعه، وعلي خلاف بقية السجناء، فإنه لم يتململ بعصبية ولكنه جلس وانتظر. ستينالا فى العقد الثالث من عمره وأدين بانتهاك حرمة مقبرة لانتزاع 3 عظام من جثة رجل يدعي أوالي مانديفو.

وقد ألقي القبض عليه مع 5 آخرين حينما حاول بيع العظام الي شرطي متخفي فى ابريل/ نيسان من العام 2015 ، وأدين الستة بجرائم انتهاك حرمة القبور وازالة جثة بشرية وبيع عظام بشرية، وأقر 3 منهم من بينهم ستينالا بجريمتهم بينما أنكرها اثنان آخران وتمت تبرئتهما بينما أسقطت التهمة عن الشخص السادس، وتم الحكم علي سانتينالا بالسجن لمدة 6 سنوات.

وقال السجين انه يتعايش بسلام مع جريمته، وأكد:” ما فعلته شيء خاطيء ولكنني كنت يائسا، وأشعر حاليا بالخجل من نفسي، ولكنني كصياد للسمك كنت أكسب 500 كواش أو ما يوازي 70 سنتا فى اليوم لذلك عندما طلب مني أصدقائي ان أساعدهم فى تسليم مجموعة من العظام البشرية لزبون، ووعدوني بأن العملية سوف تجعلني ثريا بما يكفي لقيادة سيارة، فإن الأمر أصبح مغريا بالنسبة لي. دخلي كصياد سمك لم يكن ليوفر لي قيادة دراجة بخارية فما بالك بسيارة. كانت حلما ولعب الشيطان برأسي.”

في مطلع ابريل/ نيسان من العام 2015 سافر ستينالا مع أصدقائه من ماشينجا الي موطنه فى جالي حيث ذهب الي قرية تشينانجوا المجاورة لقريته للبحث عن قبر قيل انه يحوي رفات شخص بهاقي.

تساءل ستينالا: من الذي لا يرغب فى الحصول علي المزيد من النقود. اعلم انه أمر خاطيء ولكنني فعلته من أجل أسرتي. إذا كان هناك سوق للعظام البشرية، لا أدري، كنت سأعتقد بوجوده لو شاهدته.”

 

عائلة الضحية

قرية تشينانجوا، مقاطعة زومبا جنوبي مالاوي

في قرية تشينانجوا، تجلس إيميلي إيميسي علي سجادة من القش خارج منزلها المبني بالطين والمسقوف بأعواد القش أيضا، وتقدم لنا سجادة من القس لنجلس عليها بين مجموعة من الكلاب الصغيرة بنية اللون من جهة وبعض أعواد الذرة التي يتم تجفيفها في شمس الشتاء، وتتساءل السيدة بابتسامة قائلة:” لماذا لم تتصلوا قبل مجيئكم حتي أتمكن من إعداد الطعام

كرمها يخذل وسائلها، فساحة منزلها المفتوحة عبارة عن قطعة أرض بنية قاحلة لا شيء فيها سوي عدة شجيرات مانجو غير مثمرة وبعض شجيرات الظل التي تحيط بالمبني،فيما يجلس أبناؤها الثلاثة علي الأرض، وقد بدا  لوهلة انهم يراقبون الحوار بفضول حتي قاموا الي لعب الكرة.

قالت ايميلي:” هذه مقبرة جدي التي قام سينالا بنبشها. كان الأمر مفزعا، فقد دفن أوالي فيها منذ فترة طويلة من التسعينيات. وهذا يشعرني بأنها مثل جنازة ثانية له، لم تكن مفاجأة للعديد من القرويين عندما عرفوا ان سينالا هو المسؤول عن نبش القبر، فقد اشتهر بسرقة الماعز.”

لقد دخل ستينالا فى جدل مع شقيقة قبيل حادث النبش بأسابيع قليلة بغية اقناعه بمساعدته فى العثور علي العظام، ورفض شقيقه العرض وتحول النقاش بينهما الي مشاجرة بالأيدي سمعت بها كل القرية، ثم قام ستينالا بعد ذلك بالتودد لفتاة بهاقية فى القرية لكن الفتاة رفضت مغازلته وأبلغت أهل القرية أنه يلاحقها ويتعقبها فى كل مكان، وهي سعيده حاليا انه الآن فى السجن لأنه كان سيرعب ويهدد القرية.”

وتوقعت ايميلي ان يكون أحد المقربين من ستينالا هو الذي خانه لأن أحدا لم يكن يعرف أن المقابر قد تم العبث بها ونبشها، غير انه نبش مقبرة أخري بالخطأ، جدي أوالي مادينفو لم يكن بهاقيا،غير ان قبره كان قريبا من قبر شخص بهاقي ، لذلك حصلوا علي عظام شخص غير بهاقي.”

ورغم ان هذا الأمر لا يمثل فارقا علي الاطلاق، فإن العقوبة واحدة بالنسبة لنبش القبور في مالاوي سواء قبر البهاقي أو غير البهاقي.”

وعندما أبلغنا أيميلي ان ستينالا نادم علي فعلته قالت: بالتأكيد بعد أن واجه متاعب السجن فإنه سيكون بلاشك نادم علي تلك الجريمة غير انه ليس من الشخصيات التي يمكن أن تتغير للأفضل، ونعتقد جميعا انه محكوميته ستكون قصيرة وانه سيعود للقرية مجددا لينتقم مما حدث له.

 

سوف أنتظره

بينما توشك الشمس علي المغيب، يظهر خيال امرأة عبر الضباب والتراب. انها امرأة  تحمل طفلا بين ذراعيها. انها آني فوليا زوجة ستينالا.

وقد وافقت والدته اليزيابيث ما جاوا ( 49 عاما )علي ان تتحدث معنا زوجة ابنها شريطة ألا تظهر وجهها علي الكاميرا، وظلت تراقب بشغف حديثها معنا. ابتسمت الزوجة عندما قلنا لها ان الطفل يشبه أبيه بينما انفجر الأطفال الذين تجمعوا حولنا فى الضحك.

اليزابيث بدت مرهقة، وقالت انها اكتسبت أعمارا علي عمرها خلال العام المنصرم، وقالت لنا لم أكن ابدو علي هذا النحو فقط أمضيت ليال بدون نوم أفكر لماذا فعل ستينالا هذا الفعل. لقد كان يساعد الأسرة دائما. هذا أمر لا أستطيع فهمه، غير أنني أعرف انه قادر تماما علي ان يفعل ذلك.

ألقاء القبض علي ابنها جلب انتباها غير مرغوب فيه بتلك القرية غير انها استدركت بالقول أنهم لم يعانوا من أية تداعيات خطيرة لهذا الأمر ، هناك الكثير من الكلام، يتحدثون عن عظام لكنهم تجاوزوا الأمر، ربما فعلها ستينالا بسبب أننا فقراء أو بسبب ضغط أحد أقرانه، لا أدري.”

صار الجو أكثر برودة، وبدون سابق إنذار، قامت آني بالوقوف والسير باتجاه منزل حماتها،وراقبت اليزابيث زوجة ابنها وهي تختفي فى الظلام، وكذلك ابنتها الشابة في إثرها.

 

تشارلز نيازا: أدين بمحاولة بيع جلد بشري

يبكي تشارلز نيازا وهو يروي حكايته. أدين نيازا البالغ من العمر 24 عاما من مقاطعة زومبا بمالاوي وحكم عليه بالسجن 6 سنوات لحيازته لحم بشري فى مارس/ آذار من العام 2015. يقول انه عرف عبر اعلان في الراديو أو التليفزيون عن طبيب مشعوذ يعهد الناس بثراء سريع، وعندما زار هذا المشعوذ تم ابلاغه بإحضار مشيمة طفل حديث الولادة، ولذلك أنفق 8 آلاف كواش ( 11 دولارا ) لشرائه من احدي الممرضات فى المستشفي، وعندما أخذه الي مقر المشعوذ تم القاء القبض عليه واتهامه بحمل مشيمة طفل بهاقي حديث الولادة.

ورغم ادانته فى القضية إلا انه يصر ان قضيته ليست لها علاقة بالبهاق.

 

جون ألفريد: أدين بمحاولة بيع طفل

يبدو جون ألفريد البالغ من العمر 31 عاما أكبر من سنوات عمره الحقيقي، فهو يبدو كالمحموم ويتعرق بغزارة، لكنه يرغب فى الحديث. أدين جون وحكم عليه بالسجن 6 سنوات لاتهامه بمحاولة بيع طفلته، وهو يعترف بالجرم قائلا:” نعم فعلتها بسبب ظروفي المالية، ولا يوجد سبب آخر.”

يتكسب جون، وهو أب لخمسة ابناء من قرية ناويتا بمقاطعة ماشينجا 4 ىلآف كواش أو ما يوازي خمسة دولارات ونصف الدولار كل أسبوعين من عمله فى الحدائق والمزارع التابعة لأحد رجال الأعمال، ويقول ان رئيسه فى العمل ذات يوم قال له عندما رأي انه يعيش فى هذا الفقر المدقع: لما لا تكون شجاعا وتبيع طفلتك تلك، في إشارة الي ابنته فانيسا البالغة من العمر 4 سنوات. هناك فى موزمبيق مشترون لأطفال مثلها.”

ويقول جون ان ابنته ليست بهاقية ولكنها تشبه البهاقيين، فيما قالت سلطات السجن ان ابنته بهاقية رغم ان ملف السجن لا يذكر شيئا عن ذلك.

” لدي خمسة أبناء واعتقدت انه ربما ليست هناك مشكلة فى التخلص من واحد منهم” يقول جون.

في ابريل/ نيسان من العام 2015 وبدون استشارة زوجته، أخذ جون ابنته فانيسا البالغة من العمر 4 سنوات وغادر الي موزمبيق، ويقول:” لم أكن أدري الي أين سأذهب، كل ما أعرفه انني كنت ذاهبا الي موزمبيق للعثور علي هذا السوق”. أوقفت السلطات جون ألفريد فى مقاطعة ماشينجا بمالاوي وألقت القبض عليه، وأخبرنا انه اعترف بجريمته فى المحكمة وصدر الحكم ضده.

 

ميليندا مبينديرا: أدينت بالخطف المتعمد

ميليندال مبينديرا البالغة من العمر 21 عاما مستفزة، فهي تتشنج وتعض شفايفها اثناء الحديث معنا.

أدينت بمحاولة اختطاف طفل بهاقي، وصدر عليها حكم بالسجن لمدة 3 سنوات لكنها تصر علي أنها بريئة وتقول ان المحكمة لم تتوافر لديها أدلة كافية واستندت فى حكمها فقط علي مزاعم الطفلة ووالديها، وتقول ايضا ان القاضي أبلغها انها ستكون فى أمان فى السجن أكثر من وجودها فى الشارع حيث يمكن ان تتعرض لانتقام الناس بسبب فعلتها.

في العام 2016 تم إعدام 11 شخصا في الشوارع بدون محاكمة من المشتبه فى قيامهم بحفر القبور أو حمل لحوم بشرية، وفي واحدة من تلك الحالات فى مقاطعة نسانجي فى مارس / آذار من العام 2016 فإن 7 من الأطباء المشعوذين الذين اتهموا باستخدام عظام بشرية فى وصفاتهم تم إحراقهم أحياء فى الشارع.

وقبلها بنحو شهر قام الناس بهدم مقر محكمة فى مدينة لونزو بمقاطعة بلانتاير جنوب مالاوي وتسويته بالأرض بسبب حكم صدرمن قاض فى تلك المحكمة ضد شخص متهم بقتل بهاقي، وكان الحكم يقضي بإطلاق سراحه بكفالة علي ذمة القضية.

تقول ميليندا انها امضت فترة عقوبة سابقة لمدة 8 أشهر فى السجن لادانتها بسرقة 200 ألف كواش من أحد اصدقاء العائلة، وتتوقع ان سجلها الجنائي أثر علي الحكم فى قضية اختطاف الطفل، لكنها تستدرك بالقول: ” لم أقضي 8 أشهر فى هذا المكان القميء فقط لكي أخرج لأرتكب جريمة أخري. الشرطة قالت ذلك لأنني سرقت من قبل، فإن احتمال  قيامي بارتكاب تلك الجريمة أكبر، لكن لماذا أبيع كائنا بشريا ؟!!

 

الجزء الرابع
قضية العدالة

زومبا، جنوبي مالاوي

إيدج كانيونجولو رجل فارع الطول لديه حواجب كثيفة وشارب أكثر كثافة، وهو أستاذ القانون المشارك فى جامعة مالاوي فى مقاطعة زومبا. يجلس خلف مكتبه، وخلفه نافذة زجاجية تعرض ساحة الحديقة، والي جواره كتب وتقارير قانونية تم وضعها بعناية فوق رف خشبي للكتب.

يقول كانيونجولو:” الهجمات ضد البهاقيين هي تعبير عن مشكلة أكبر، تبدو علي السطح قضية الخرافات والشعوذة لكنني أعتقد اليأس والإحباط هو الذي يقف خلف كل تلك الهجمات.”

تعاني مالاوي من أزمة اقتصادية منذ العام 2012 . بدات لتك الأزمة مع انخفاض أسعار التبغ الذي يعد المحصول الرئيس فى البلاد وانخفضت أسعاره بأكثر من 50 بالمائة منذ العام 2010 . ووفقا لتعليمات صندوق النقد الدولي، قامت الرئيسة جويس باندا فى العام 2012 بفرض حزمة شديدة من الاصلاحات الاقتصادية التي مست بقوة الفقراء فى تلك البلد، كما تم تخفيض قيمة العملة الوطنية بنحو 50 بالمائة وارتفع معدل التضخم ليزيد عن 20 بالمائة سنويا.

وصنف البنك الدولي مالاوي فى العام 2015 باعتبارها أكثر دول العالم فقرا من حيث دخل الفرد،وهناك اثنان من بين كل 5 مالاويين فى سن العمل لا يجدون عملا، ووفقا لبيانات منظمة العمل الدولية فإن 3 من كل 4 عمال فى سن الشباب لديهم وظيفة غير دائمة بينما يعمل 9 من كل 10 مالاويين فى القطاع غير الرسمي حيث تكون وظائفهم خطرة وتتغير بشكل شبه يومي.

وتفيد البيانات الي ان 61 بالمائة من المالاويين يعيشون علي أقل من دولار وربع يوميا وان هناك 3ر2 مليون مالاوي يعانون من شح الطعام وندرته.

يقول البروفيسور كوانينجولو ان الناس ليست لديهم اختيارات فى كسب المال، وهو ما يقودهم الي الياس المطبق حيث يمكن ان يعتقد البعض بطريقة غير رشيدة تماما ان الحصول علي أجزاء بشرية لشخص ذي طبيعة معينة مثل البهاقيين يمكن ان يجعلك ثريا، لكن إليجاه كاشيكيوو نائب المفوض الأعلي للشرطة فى مانجوشي لا يتفق مع هذا الرأي. فى الحقيقة لقد شعر بالاستفزاز عندما سالناه عن الرابط بين الأمرين بينما كان واقفا فى الساحة الترابية لقسم الشرطة الرئيس فى مانجوتشي.

قال إليجاه:” ليس الفقر هو من يتسبب فى هذا. اننا لم نواجه الفقر لأول مرة فى هذا البلد، ولا يجب ان نختبيء وراء هذا الأمر.. لذلك فإن هذا السؤال لا محل له من الاعراب “

 

المعالجون التقليديون

مفلاري فى مقاطعة ديدزا بوسط مالاوي

ماسيامبويو نجولومول وعثماني ابراهيما باندا معالجان تقليديان يعيشان فى مفالاري بمقاطعة ديدزي بوسط البلاد، وهي تبعد عن العاصمة ليلونجوي بنحو 80 كيلومترا، أو ما يستغرق نحو ساعة بالسيارة التي تسير فى طريق ترابي غير معبد.

لا يوجد سوي 7 أكوام من المخلفات البشرية مصطفة في مواجهة الجدار إضافة الي منضدة صغيرة للقهوة هي كل قطع الأثاث الموجودة فى المنزل الذي التقيناهم فيه. لاتوجد كهرباء فى المنزل، لذلك تركنا الباب مفتوحا جزئيا بينما يقع ضوء الشمس علي وجه الرجلين. كانت هناك امرأة تمشط الساحة الخارجية وتكنس أرضا جافة خالية من أي شيء.

كان عثماني يرتدي غطاء رأس عبارة عن جمجمة بينما يرتدي ماسيمبويو غطاء للراس مصنوع من جلد قرد، وابتسم الأخير بينما قدم لي بطاقة تسجيله كمعالج تقليدي، فيما انتهت صلاحية بطاقة عثماني فى العام 2011 . ماسيمبويو رجل طويل نحيل قال لي بوضوح انهما لا يستخدمان اي نوع من العظام فى الوصفات التي يقدمانها. ان أشخاص مثلي يقدمون ككبش فداء للمجرمين وللمؤامرة السياسية لأن الحكومة فقدت السيطرة علي الموقف. انه اتفاق بين مجموعة من المتنفذين فى هذا البلد الذين يهتمون بالأجزاء البشرية للبهاقيين، وهم يريدون ببساطة لفت الأنظار بعيد عنا، ولهذا السبب يتهموننا.”

وأضاف :” البهاقيون موجودون منذ فترة طويلة..ونحن أيضا موجودون منذ فترة طويلة، فلماذا تثور كل تلك الأحداث هذه الأيام فقط.”

في يونيو/ حزيران من العام 2016 قامت المحكمة العليا فى مالاوي بحظر الأطباء السحرة والمعالجين التقليديين والمنجمين والسحرة فى مسعي للسيطرة علي تجارة عظام البهاقيين، وهو القرار الذي يصفه ماسيمبويو وعثماني بأنه أضر فقط بالناس الذين يساعدونهم.

يقول ماسيمبويو فاردا ذراعيه فى الهواء:” الناس يعتقدون أننا نتعامل بالشعوذة لكننا هنا لمساعدة الناس.”

وفقا لرابطة المعالجين التقليديين فى مالاوي فإن أكثر من 97 بالمائة من سكان البلاد يزورون معالجين تقليديين ومعالجين بالأعشاب، ومن الصعب التحقق من هذا الرقم غير انه من الواضح أن العديد من الناس يستخدمون تلك الطرق فى العلاج خصوصا فى المناطق الريفية التي تغيب فيها الدولة عن المشهد. وهناك طبيبان و59 ممرضة لكل 100 ألف شخص فى مالاوي، وهو المعدل الأدني فى كافة البلدان الافريقية جنوب الصحراء.

في ظل تلك الظروف تكون الخدمات التي يقدمها عثماني وماسيامبويو ضرورية. ويقول عثماني ان والده هو من قام علي تدريبه علي تلك الحرفة، حيث اعتاد أن يتخصص فى الأمراض التي تنتقل عن طريق الممارسة الجنسية، لكن فى هذه الأيام فإنه يقوم بعلاج أمراض مثل السرطان وضغط الدم وأزمات الربو وغيرها باستخدام أعشاب وخليط من 7 شجرات. وقام عثماني بعرض حافظات بلاستيكية علينا فيها تلك التلفيقات المكونة أساسا من نباتات، وقال: الناس يلجأون لنا عندما تخذلهم المستشفيات.

وقال لنا الدكتور شيلاني وهو المتحدث الرسمي باسم رابطة المعالجين التقليديين فى مالاوي فى اتصال عبر الهاتف:” كل الناس في هذه البلاد ابتداء من المزارع البسيط وحتي كبار السياسيين يلجأو للمعالجين التقليديين، ويعتقد البعض ان المرض يتضمن عنصر من عناصر المس الشيطاني أو السحر، لكن عثماني يصر علي ان ارسال الناس لقتل آخرين ليس جزءا من حرفتهم، ويقول: ” نساعد الناس ولا نقتلهم”.

القانون الجديد الذي يستهدف المعالجين غير التقليديين غير المرخص لهم بالعمل ربما صدر خصيصا للمساعدة فى انهاء تلك الجرائم غير ان الخط الفاصل بين المعالج التقليدي والطبيب المشعوذ ليس واضحا علي الدوام.

تقول ماري شاوا الأمين العام السابق لوزارة الأطفال والاعاقة والرفاة الاجتماعي ان الفارق يكمن فى التسجيل، موضحة ان أحدا لا يحتاج لأن يشعر بالتهديد طالما يتم الالتزام بالقانون وطاعته، وتقدم صفحة شيلاني علي الفيسبوك علاجات لنوبات الانتقام ونوبات الخصوبة ونوبات السحر والخواتم السحرية ولكنها تسال أي شخص لديه معلومات عظام شخص متوفي مصاب بالبهاق حتي تقدم تلك المعلومات للشرطة !!

ويقول أن أحدا لم يتقدم له بأية معلومات فى هذا الصدد !!

ويتساءل:” إذا كنا موجودين منذ أجيال بينما عمليات القتل للبهاقيين بدأت تقريبا منذ عامين، فماذا كنا نفعل نحن طوال كل تلك المدة ؟!
 

محام واحد لكل 38 ألفا و500 شخص فى مالاوي

مدينة ليلينجوي في وسط مالاوي

أكوام من الأوراق تغطي مكتب ماسواكو شامكاكالا مدير ادارة المساعدة القانونية المكلفة بتمثيل أولئك الذين لايستطيعون توفير محام لهم. ويقع مكتب شامكاكالا فى المنطقة 4 فى ليلينجوي. ويقول إن النظام القضائي فى البلاد عبارة عن فوضي كاملة.

ويضيف:” 90 بالمائة من السكان فى مالاوي لا يستطيعون توفير محام. اننا 7 محامين فقط لتقديم المساعدة القانونية فى البلد بأكملها.” تتشابك يديه وترتفع حواجبه وهو يقول تلك العبارة.

وينص قانون المساعدة القانونية علي ان اي شخص يتهم فى جريمة يمكن ان تقود الي حكم بالحبس لديه الحق فى المساعدة القضائية غير ان الموارد المحدودة فى المحاكم تحد من هذا الحق وتحصره فقط فى قضايا القتل، وقد كشف تقرير العام 2013 ان مالاوي فيها أقل من 400 محام أو ما يعادل محام واحد لكل 500ر38 شخص، وتكتظ السجون بالمتهمين الذين يمكن أن ينتظروا شهورا وسنوات قبل أن تبت المحاكم فى قضاياهم.

في مكتب جانبي بالقرب من المحكمة العليا لملاوي، يعترف نيفرسون تشيسيزا وهو محام عام رفيع المستوي فى وزارة العدل والشؤون الدستورية بأن هناك ” مناقشات” داخل الوزارة عن القبض دائما علي البائعين الذين يكونون فى الغالب يائسين وفقراء ويبحثون عن المال السريع، وليس المشترين، ويقول:” بدون المشترين فإن الشرطة لن تفهم جيدا مصدر تلك التجارة.

بينما يقول ماسوكو ان هيستيريا عمليات قتل البهاقيين وصلت الي مستوي انه من الممكن القاء القبض علي شخص والحكم عليه لمجرد انه يحمل عظام ظبي والتي تشبه العظام البشرية، مشيرا الي ان المتهمين بأي جريمة تتعلق بالبهاقيين يتم محاكمتهم فى ” محاكم شعبية “!

 

 

قضية استعداد الحكومة

ليلينجوي بوسط مالاوي

في وقت متأخر من بعد ظهر الجمعة، استقبلتنا ماري شاوا فى مكتبها بينما فريق العاملين معها كان علي وشك المغادرة بعد انتهاء الدوام اليومي. ماري هي المسؤولة عن أمن وصحة ورفاهية البهاقيين فى مالاوي.

قالت:” منذ أن بدأت تلك الفظائع، فإننا لم نعتني بأشخاص بهاقيين باعتبارهم من ذوي الاعاقة بل باعتبارهم أناس طبيعيين.”

استرخت فى جلستها وأسندت ظهرها للكرسي الذي تجلس عليه وأضافت:” إذا دققت فى البيانات الاحصائية عن البهاقيين فى مالاوي ستجد انهم من صغار السن ومن العجائز، بعضهم يعمل كمحامين ومدرسين والبعض منهم لا يزالون طلاب فى المدارس.

وقبل انتقالها للوزارة، كانت ماري تعمل كمعاونة فى مكتب الرئيس لشؤون التغذية والايدز والمساعدات وتم تصعيدها نتيجة تعاملها الناجح مع وباء الايدز فى البلاد، وهي تتحدث بصرامة وصراحة، رافضة اتهام الحكومة بأنها لم تفعل ما يكفي فى التعامل مع الجرائم التي ترتكب ضد البهاقيين فى البلاد.

وهي تستطرد فى تفاصيل القضايا التي تم حلها ، وتقول ان الوزارة لديها خطة اتصالات للتعامل مع الأزمة من بينها توجيه رسائل للمواطنين عبر الاذاعة واللوحات الاشادية وغيرها غير انه من الصعب القول ان هناك من ينصت لتلك الحملات، كما ان لدينا احصاء عام شامل للسكان بحيث نتمكن من احصاء أعداد البهاقيين.

لكن وراء قضية الأمن، فإن البهاقيين لديهم احتياجات أخري مثل واقيات الشمس والقبعات والنظارات الشمسية لحمايتهم من اشعة الشمس. تقدم وزارة الصحة لهم أكسيد الزنك فقط فى العيادات والمشافي التابعة لها ولكن هذا الدواء يفيد فقط الحالات المصابة ببقع الجلد ولا تقدم أي نوع من الحماية، علاوة علي ذلك فإن المصابين يضطرون للسفر الي المدن الرئيسية للحصول علي المرهم من المستشفيات الحكومية.

وتشير ماري الي قضية نقص التمويل حيث تعتمد مالاوي بشدة علي المانحين ومن غير المرجح ان تحتل واقيات الشمس أو القبعات قمة الأولويات المالية للحكومة أو أجندة حكومة خارجية تقدم المعونات للبلاد.

 

الجزء الخامس والأخير
المستقبل

قرية نامبليكيرا بمقاطعة ديدزا شرقي مالاوي

يبدو كليمينت جويزا البالغ من العمر 24 عاما واثقا من نفسه، حاسما وودودا كما لو كان ولد ليكون مدرسان فهو يقوم بتحويل 60 تلميذا مشاكسا الي فصل مدرسي منتظ ويبدأ درسا فى العلوم البيئية والاجتماعية بكتابة سؤال علي السبورة يقول:” كيف نمنع تلوث الهواء؟”

جويزا الذي يرتدي قميصا أبيض اللون ورابطة عنق ذات خطوط بيضاء وسوداء وبنطلون أسود اللون، يقول:” كان الأمر صعبا فى البداية، كان من الصعب علي الأطفال أن يفهموا كوني بهاقيا لأن الناس وليس الطلاب فقط لا يعتقدون أن شخصا بهاقيا يمكن ان يقوم بشيء ما يمكن الاعتراف به من جانب المجتمع.”

ويضيف:” أصبحت مدرسا لأن مصروفات التعليم كانت مجانية ولم أستطع أن ادفع لكي استكمل دراستي في أي شيء آخر.

ورغم انه كان قلقا فى بداية عمله كمدرس من أن تلاميذه لن يقدموا له الاحترام الكافي نظرا لكونه بهاقيا غير انه يقول:” بعد أسابيع قليلة التف الطلبة حولي وبدأو يقولون انه مدرس جيد وهو يتفهم مشاكلنا”

يدرك انه علي الرغم من الاحترام الذي يتمتع به داخل فصله الدراسي، فإنه غير آمن خارجه. إن قتل واحد من تلاميذه وهو ديفيد فليتشر جعله يخاف علي نفسه، وتوقف عن الخروج من المنزل ليلا، وإذا كان الخروج ضروريا فإنه يطلب من أحد أصدقائه المقربين أو اقاربه أن يرافقه، ويقول فى بعض الأحيان حينما لا أجد من يرافقني فى العودة للبيت ليلا فإنني أبيت فى المكان الذي أتواجد فيه لأنه لا يوجد خيار آخر.

قصة سترشيا كانيوا

قرية ماسومبانخوندا فى ليلينجوي وسط مالاوي

سترشيا كانيوا البالغة من العمر 12 عاما لا تريد أن تستجدي أحدا، تريد التعليم وتريد أن تقف علي قدميها. وتقول:” اريد أن أكون مدرسة فى البداية ثم ربما أكون صحفية أو مديرة مصرف.”

سترشيا واحدة من 3 آلاف طفل طفل بهاقي فى مدرسة مالينجوندي لضعاف البصر، وباعتبارها الابنة الوحيدة لزوجة عزباء وربة بيت، فإنها تقول ان استكمال تعليمها هو أملها الوحيد فى المستقبل. وهي منتظمة فى هذه المدرسة منذ العام 2011 . المدرسة تديرها الحكومة وتعتمد غالبية الأنشطة علي التبرعات فهناك 17 فصلا فيهم 40 مدرسا ومدرسة لثلاثة آلاف طالب وطالبة.

لا توجد كهرباء، وداخل فصل سترشيا الدراسي يوجد بعض الطلبة يتجمعون حول ماكينات برايل للكتابة الخاصة بالعميان، وهناك آخرون مثل فوستر كينيدي ( 15 عاما ) البهاقي أيضا والذي يستخدم نظارة مكبرة من الزجاج لقراءة النصوص المكتوبة نظرا لضعف نظرها الشديد.

فوستر يقول بابتسامة علي وجهه :” كلنا هنا أصدقاء لبعضنا البعض، تشعر وكأننا ولدنا جميعا لأم واحدة.” أرغب فى أن أكون شخصية اذاعية أو كاتب أغان.

ساحة المدرسة بمثابة ممر لأناس مترجلين أو يقودون دراجاتهم فى الطريق الي وسط المدينة، وهو ما يعني أن هناك دوما غرباء يمرون فى الأنحاء، وهو أمر يقلق إدارة المدرسة حيث انه بدون سور أو بوابة حديدية فإن المدرسة معرضة للسرقة والطلاب معرضون للإختطاف والهجوم.

في مطلع العام 2015 تعرضت طالبة بهاقية تبلغ من العمر 16 عاما لمحاولة اختطاف من شخص غريب حاول اقناعها بشراء مستلزماتها من السوق المحلي، وتقول شيكو كامفانديرا مديرة المدرسة ان المكان مفتوح ويمكن أن يحدث أي شيء.

خارج حجرة المديرة، سترشيا وهي رئيس فريق الكورال الموسيقي فى المدرسة، بدأت فى غناء واحدة من أغانيها المفضلة، قبل أن تتوقف فجأة لشعورها بالخجل، وتقول:” سوف أعمل بكل جد واجتهاد لتحقيق أحلامي، لا أري نفسي مختلفة عن اي شخص طبيعي آخر، انني انسانة.”

قصة إيان سيمبوتا

بلانتاير جنوبي مالاوي

كان إيان سيمبوتا يأكل وجبة برجر الدجاج فى أحد مطاعم الوجبات السريعة الباكستانية عندما عثرنا عليه ذات مساء فى بلانتاير، وعندما طلبنا أن نتحدث معه، قام بتفحص أوراق هوياتنا الصحفية قبل أن يوافق علي اجراء المقابلة، واكتشفنا انه يعمل كضيف بأجر للحديث فى برنامج إذاعي مسائي وكذلك كمنظم موسيقي ( دي جي ) مع الاذاعة المالاوية، وهو عائد للتو من كاسونجو فى وسط مالاوي حيث عمل كمنظم لاحتفالات يوم الوعي الدولي بمرض البهاق.

وعندما انتهي من الأكل دعانا لمرافقته الي استوديو الاذاعة حتي نشاهده أثناء العمل، وعلي موجات الأثير تلاشي الرجل شارد الفكر الذي قابلناه فى المطعم، فهو يداعب ويمتع مستمعيه. الاستوديو هو مكانه الآمن الذي تظهر فيه شخصيته الحقيقية.

تحدث بعد ذلك عن حياة مزدوجة، فهو كنجم إذاعي فإن صوته واسمه معروفين علي نطاق واسع فى بلاده، لكن ليس كل مستمعيه يعرفون انه بهاقي وفي بعض الأحيان عندما تتبخر ثقته الشخصية فى نفسه فإنه يشعر بالخوف. يقول:” انظر، انني أعمل خلال الليل، والناس يعرفون أنني هنا ولا أدري فيما يفكرون وماذا يخططون. من هنا استقل سيارة أجرة وأعود للبيت، وعندما أعود للمنزل أشعر بأنني غير آمن، ماذا لو هاجموني؟ انني أفكر فى هذا الأمر طوال الوقت.”

أصبح إيان موزعا موسيقيا ( دي جي ) منذ العام 2015 ، كان الأمر كالحلم بالنسبة له. يقول ضاحكا:” حينما كنت طفلا رغبت فى أن أعمل قابلة ( ممرضة محلية تساعد النساء فى الولادة ) غير أن والدتي مشكورة أقنعتني بتغيير تلك الرغبة !. بعد ذلك رغبت فى العمل كمذيع فى الاذاعة وتأثرت بجيوفري زيجوما ( المعني الملاك ) وكان له أثر كبير علي حياتي.”

حياة إيان لم تكن سهلة. عندما ولد كان الابن الثاني المصاب بالبهاق فى العائلة، ولذلك ترك والدهم البيت وهرب. يقول إيان:” طلب والدي من والدتي أن تقتلنا، وعندما رفضت، ترك البيت، ولم يكن الناس فى هذا الوقت يعرفون قصة الجينات التي تتسبب فى البهاق. والدي كان يعتقد انه لعنة.”

غادرت والدة إيان قريتها فى جنوب مالاوي وجاءت الي بلانتاير مع طفليها المصابين بالبهاق للبحث عن عمل، ووجدت وظيفة عاملة نظافة فى كلية الطب، وتزوج والده فيما بعد، وجاء طفله التالي بهاقيا أيضا !

أيام الدراسة كانت أيضا قاسية علي إيان، يقول:” المدرسون لم يدركوا ان لدي إعاقة بصرية لذلك كانوا يطلقون علي الكسول.” وعندما استكمل شهادته فى الصحافة وتقدم للحصول علي فترات تدريب في الاذاعة، فإن الاعاقة البصرية عملت ضده ايضا، لأن مديري الاذاعات التي تدرب فيها كانوا قلقين لأنه لا يستطيع أن يري شاشات الكمبيوتر، كما يقول.

بعد ذلك توفيت والدته بعد صراع طويل مع المرض، وكانت وظيفته الجديدة بمثابة بداية حياة جديدة له، لكن فى تلك الفترة بدأت الهجمات ضد البهاقيين فى مالاوي.

يقول إيان:” يمكنني القول ان الحياة أصبحت صعبة. لدي أصدقاء لكن عند تلك المرحلة من الزمن، فإنني أثق فقط فى صديق واحد من دائرة الأصدقاء حولي، لدي صديق آخر مقرب، لكنك فى بعض الأحيان تتساءل، من يدري ربما يتم استغلاله ليكون بالقرب مني.”

كان يتعين علي إيان أن يواجه التحرش به فى الشوارع، ويقول ان احدي صديقاته هجرته فى العام الماضي لأنها لم تستطع التاقلم مع الظروف التي يمر بها، لكنه الآن صوت برنامج إذاعي ناجح.يقول إيان:” أحب الراديو لأنك يمكن ان تأتي الي الاستوديو عاريا ولا يهم هذا الأمر. الناس ينصتون لصوتك.” وهنا توقف لبرهة قبل ان ينفجر ضاحكا.

ويضيف:” قمت بعمل بعض البرامج التليفزيونية القليلة، لكن الراديو افضل لأن المستمعين يرسمون صورة مختلفة لما يظنون انك عليه، والآن فقط مع تلك الأزمة أدرك الناس أنني شخص مصاب بالبهاق.

المصدر : الجزيرة مباشر