بيع أعضاء اليمنيين.. تذكرة سفر مقابل كلية (تحقيق- فيديو)

تصل فيه قيمة الكلية الواحدة أحيانا إلى خمسين ألف دولار يتقاسمها المستشفى وشبكة تجارة الأعضاء

لم تعد معاناة اليمنيين هي الحرب وما يرافقها من دمار ونزوح ومجاعة، بل ثمة حرب أخرى، عتادها كلى اليمنيين، أطرافها مافيا تقتات على وضعهم الاقتصادي المتردي.

  بداية الرحلة
  • يعمد سماسرة تجارة الأعضاء إلى استقطاب يمنيين، لاسيما ممن يجهلون القراءة والكتابة، ويتكفل السماسرة بتجهيز كافة الإجراءات للضحايا من جوازات سفر وتذاكر، كما أفصح عن ذلك ثلاثة من الضحايا التقتهم الجزيرة، واستعرضوا رحلة سفرهم من اليمن إلى مصر وكيف زين لهم السماسرة ذلك بإيهامهم أنهم في طريقهم للحصول على فرص عمل أو تقاضي مبالغ مالية يمكنها تحسين واقعهم.
  • يقول علي (40 عاما) ” كنت في صنعاء، صاحبي قال لي تسافر القاهرة عشان ظروفك تعبانة قلت على طول، بعدها قطع لي تذكرة وسافرت القاهرة قال   يعطوك خمسة آلاف دولار”.
  • ليس علي وحده من كان ضحية لعصابات الاتجار بالكلى، فعبد الباري أيضا يضيف: “تبرعت بكلية، تواصل معي أحدهم قال لي تفعل خير، وأنا عاطل وبيتي مليان أطفال، فسافرت بالطائرة وتقابلت معهم هناك “مصر”.
سماسرة ومافيا
  • تمكنت “الجزيرة” من الوصول إلى سمسارين “مصري ويمني” وأدليا باعترافات حيال ممارسة هذا النشاط واستقطاب واستدراج يمنيين إلى مصر تحت دوافع عدة للسفر وصولا إلى المستشفى من أجل الحصول على مبالغ طائلة يتحصل بائع الكلية في الأخير على مبلغ ضئيل، في الوقت الذي تصل فيه قيمة الكلية الواحدة أحيانا إلى خمسين ألف دولار يتقاسمها المستشفى وشبكة تجارة الأعضاء من سماسرة وجهات تسهل لهم مزاولة هذا النشاط.
  • يقول سمسار مصري – رفض الكشف عن اسمه-: “هناك طريقتان لجلب “المتبرع” إما بدعوى فرص عمل أو المتبرع ذاته يتحول بعدها إلى سمسار بفعل سوء المعيشة يقوم باستقطاب غيره”.
  • يمنح السماسرة المتبرع اليمني تذكرة سفر بلا عودة حتى لا يعود قبل إكمال المهمة، فضلا عن تهديده بتسليمه لأجهزة الأمن حال قرر التراجع عن التنازل عن كليته.
  • تتطور أساليب إيقاع الضحايا والحصول على بائعي كلى، إذ يتحول بعض البائعين إلى سماسرة يجلبون غيرهم إلى يد شبكات الاتجار بالبشر من أجل الحصول على مبالغ مالية تتراوح ما بين الألف والألفي دولار عن كل حالة يجلبونها.
سمسار مصري
استقبال أم اختطاف؟
  • ذهب الضحايا إلى مصر بعد تسهيل السماسرة لهم سبل السفر، لكنهم بمجرد أن وصلوا مصر تغيرت طريقة تعاملهم معهم ووجدوا أنفسهم مجبرين على تصوير فيديوهات باعتبارهم متبرعين، فضلا عن مصادرة جوازات سفرهم وهواتفهم وتسكينهم في شقق بعيدة عن الأنظار أو تحت غطاء أنهم طلاب.
  • يؤكد ذلك “علي” الذي باع كليته في مصر عبر سماسرة استدرجوه إلى القاهرة ويشرح كيف جرت معاملتهم فور الوصول إلى مصر: “أول ما وصلنا يأخذوا الجوازات ويخرجونا كالغنم على واحد على اثنين حتى يلاقوا من يطابق للتبرع، الجوازات عندهم أخذوها، فلا تستطيع الخروج، وليس لدينا فلوس، يأتوا لك بأكلك وشربك إلى الشقة”.
مستشفيات وشقق
  • تتوزع حالات الضحايا في مشافي عدة بمصر فضلا عن إجراء بعضها في شقق خاصة، لكن مستشفى وادي النيل بحدائق القبة يستقبل أغلب تلك الحالات وفق شهادات الضحايا والسماسرة، كما أكد “خ” سمسار يمني بقوله: “المستشفيات “المخابرات وادي النيل” ومشفى آخر لم يخبرونا عنه وشقة مجهولة. مشفى المخابرات يدخلوه اليمنيين فقط والمرضى سعوديون وأجانب والشقة للأشياء المستعجلة وغير المعروفة.
  • فيما اكتفى سمسار مصري بالقول: “مستشفيات معينة نعمل معها منها حكومية وخاصة، المستشفى شريك ومتفقين معهم.
  • تعزز هذه الاتهامات رسالة حصلت عليها “الجزيرة” وهي موجهة من منظمة مكافحة الاتجار بالبشر إلى نظيرتها المصرية عام 2014 تتهم مشفى وادي النيل وتسرد أسماء عدد من الأطباء العاملين فيه.
وثيقة رقم 1
رسالة من منظمة مكافحة الاتجار بالبشر اليمنية إلى نظيرتها المصرية تشكو مستشفى وادي النيل عام 2014- الجزيرة

 

  • حاولنا الوصول إلى مستشفى وادي النيل لمعرفة تعليق المسؤولين به وحقهم في الرد والتصوير معهم، غير أن عناصر أمنية منعت ذلك بدعوى أن المستشفى يجاور جهات أمنية حساسة.
  • في اتصال هاتفي مع مسؤولي المستشفى نفوا تلك التهم مؤكدين أن القانون المصري ينظم أمور التبرع ونقل الأعضاء، وهم ملتزمون به، إذ يتم نقل الأعضاء وفق وثائق رسمية تؤكد التبرع وصلة القرابة بين المتبرع والمستفيد على حد قولهم.
  • مسؤول بالمستشفى أضاف خلال اتصالنا هاتفيا بالمستشفى -رفض إعطاءنا اسمه-:” التبرع لا يكون إلا من نفس جنسية المتبرع له وهناك فحوصات وضوابط وموافقة جهات وهناك قانون مصري يحدد أمور التبرع ونعمل وفقه، ما عدا ذلك هو تخاريف.
السفارة اليمنية.. حلقة وصل
  • اتهامات عدة وجهها ضحايا وسماسرة للسفارة اليمنية في القاهرة بتجاهل معاناة يمنيين، وصمتها عن تقارير بشأن استغلال مواطنين يمنيين وقعوا في شرك مافيا الاتجار بالبشر، بل ويذهب بعض المنخرطين في هذا النشاط إلى اتهام السفارة بالتواطؤ حيال إعطاء موافقة صلة القرابة مقابل مبالغ على حد قولهم.
  • لكن الملحق الإعلامي بالسفارة “بليغ المخلافي” نفى في تصريح للجزيرة هذه الاتهامات مردفا: “لا تقوم السفارة سوى بمخاطبة الجهات الطبية بعد استكمال الأوراق المطلوبة من الداخل اليمني من وزارة الصحة والمحاكم، إثبات صلة القرابة بحكم محكمة معتمد من وزارتي الخارجية والعدل وموافقة وزارة الصحة على نقل الأعضاء، يأتي بعدها المريض وقريبه المتبرع والسفارة تخاطب الجهات المصرية بناء على هذه الأوراق”.
جهات رسمية
  • يستعرض السماسرة الذين التقتهم “الجزيرة” طريقة استقطاب الضحايا والتنسيق مع الباحثين عن زراعة كلى وصولا إلى دخول المستشفيات لنقل الكلى وزراعتها لآخرين، مؤكدين صعوبة هذه الخطوات لولا “جهات وشخصيات كبيرة” تقف خلفهم وتتكسب من خلال ذلك كما يؤكد سمسار مصري بقوله:
  • “الموضوع شبه مستحيل دون ما يكون هناك جهات حكومية تسهل لنا الأمور في نقلهم من اليمن إلى مصر وأسماء كبيرة يتعاونون معنا، شخصيات رسمية تتعاون بشكل غير رسمي”.
تجارة عابرة للحدود
  • يمثل اليمن هدفا لسماسرة الأعضاء، فهو ضمن أسوأ سبع دول عربية تشهد اتجارًا بأعضاء البشر في العالم، وفقًا لتقرير الخارجية الأمريكية السنوي2014، تشاركه مصر في رواج هذه السوق محتلة التصنيف ضمن أعلى خمس دول على مستوى العالم في تجارة الأعضاء البشرية، إلى جانب كل من الصين، والفلبين، وباكستان، وكولومبيا وفق تقارير عن منظمة الصحة العالمية والبرلمان الأوربي.
  • تعد هذه التجارة عابرة للحدود، إذ قدر تقرير لمنظمة الصحة العالمية عام 2015 أن أكثر من 10 آلاف عملية بيع للأعضاء البشرية تتم عبر سوق تجارة الأعضاء وما يقرب من 5 إلى 10٪ من جميع عمليات زرع الكلى في جميع أنحاء العالم تجري من خلال الاتجار بالبشر، وتحقق أرباحا سنوية تتراوح بين 600 مليون دولار و 1.2 مليار دولار.
  • يقول نبيل فاضل رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر للجزيرة: “الموضوع أكبر من أفراد بل شبكة مافيا والظاهرة بدأنا توثيقها عام 2008 حينما حصلنا على معلومات عن شبكة تتاجر بالأعضاء وتجند سماسرة لاستجلاب يمنيين، ورصدنا ألف حالة بإمكاناتنا المتوفرة فيما أعداد الحالات تتجاوز عشرة آلاف.
نبيل فاضل رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر
ظاهرة مستمرة وقوانين غائبة
  • على الرغم من القبض على شبكات تجارة أعضاء في اليمن إلا أن جميع من قبض عليهم تم الإفراج عنهم كما يقول نبيل فاضل مسؤول المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وأرجع فاضل ذلك إلى عدم وجود مواد قانونية تجرم هذه الظاهرة، حد قوله.
  • على الرغم مما تكشفه بعض الوثائق، كما توضح وثيقة صادرة عام 2009 وهي برقية من وزارة الخارجية اليمنية إلى مدير عام المباحث بصنعاء بشأن ضرورة القبض على شبكة تتاجر بالأعضاء البشرية وترجو إحباط سفر بعض الأفراد في الشبكة إلا أن فاضل وهو مسؤول المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر يقول “نحن كمجتمع مدني نسقنا سابقا مع الداخلية وأبلغنا عن 87 سمسارا وقبض عليهم وحوكموا في محكمة بني الحارث التي خصصت لهذا النوع ولكن جميعهم -للأسف الشديد- أفرج عنهم من ضمنهم 3 أردنيين قبض عليهم أثناء محاولتهم تسفير عشرة أشخاص وتم الإفراج عنهم لعدم وجود مادة قانونية تجرم هذا النشاط”.
  • تقول تقارير إعلامية إن جهودا رسمية يمنية سعت عام 2014، نحو سن مشروع قانون لمحاربة هذه الظاهرة إلا أن ذلك لم يحدث بفعل ما شهدته وتشهده البلاد من انقسام وصراع.
ظاهرة مستمرة وجهد طوعي
  • على الرغم من أن الظاهرة ليست جديدة في اليمن، لكنها مستمرة، ويعزو فاضل ذلك إلى غياب القانون فضلا عن الفقر الذي يعد البيئة المناسبة لتفشي الظواهر السلبية في أي مجتمع مهما بلغت ثقافته، مشيرا إلى تراجع محدود في الظاهرة بفعل إغلاق مطار صنعاء، لكنها تحولت إلى اليمنيين المقيمين في القاهرة، ورصدت منظمته 200 حالة ليمنيين في مصر اضطرتهم الظروف إلى بيع كلاهم على حد قوله.
  • لأن الجهود الرسمية شبه غائبة، ثمة جهود طوعية تحاول مجابهة الظاهرة بإمكانيات محدودة غير أنها هي الأخرى تواجه تحديات عدة، كما يقول نبيل فاضل رئيس منظمة مكافحة الاتجار بالبشر اليمنية الذي أغلقت منظمته وغادر صنعاء بعد مقتل نجله على خلفية نشاطه الحقوقي في مكافحة الظاهرة كما أفاد للجزيرة.
المصدر : الجزيرة مباشر