بعد 4 سنوات من الحرب.. كيف تبدو صنعاء تحت سيطرة الحوثيين؟

مسلحون تابعون لحركة الحوثي في مظاهرة حاشدة في صنعاء بمناسبة الذكرى الرابعة للتدخل السعودي في اليمن

بعد أربع سنوات من الحرب حول الحوثيون أنفسهم من ميليشيا منعزلة في صعدة إلى دولة محلية تحكم الجزء الأكبر من شمال اليمن بقبضة حديدية، إذ استطاعوا تعميق نفوذهم.

عند نقطة تفتيش على مشارف العاصمة اليمنية صنعاء، يقوم أبو علي وزملاؤه بمهامهم، حيث يقومون بتفتيش الركاب والسيارات التي تدخل العاصمة الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ عام 2014.
أوقف السائق الحافلة، وفتح الباب وقام بتسليم قائمة الركاب لأبو علي، الذي بدأ يقرأ الأسماء ويفحص الركاب الجالسين، مطالبا إياهم بإبراز بطاقات الهوية.
مد جميع الركاب أيديهم في جيوبهم أو حقائبهم اليدوية لإبراز هوياتهم. بدأ أبو علي من المقعد الأمامي للحافلة واستغرق حوالي 10 دقائق كي ينظر في جوازات سفر الركاب أو بطاقات الهوية. لم يشكك أحد من ركاب الحافلة في سلطته للقيام بهذا. 
واليوم وبعد أربع سنوات من الحرب حول الحوثيون أنفسهم من ميليشيا منعزلة في صعدة إلى دولة محلية تحكم الجزء الأكبر من شمال اليمن بقبضة حديدية، حيث استطاعوا تعميق نفوذهم من خلال الجمع بين القوة وتعزيز التحالفات مع القبائل القوية وشخصيات يمنية بارزة، أو عبر شراء الولاءات.
على المستوى المحلي، أنشأ الحوثيون نظامًا للإدارة عن طريق تعيين “مشرفين” في كل مقاطعة. يتخذ هؤلاء المشرفون جميع القرارات اللازمة لإدارة الحياة اليومية، ويرفعون  القرارات الكبرى للإدارة العليا للحوثيين. يركز هؤلاء المشرفون بشكل أكبر على حفظ الأمن، والحفاظ على سيطرة الحوثيين، وتعبئة المزيد من الأشخاص للقتال من أجل قضيتهم.
عبد العزيز محمد، أحد ركاب الحافلة، كان مسافرا من عدن إلى صنعاء، قال للجزيرة: “لقد أثبت الحوثيون أنهم أكثر قدرة على الحكم من الحكومة الشرعية. إذا عقدنا مقارنة بين صنعاء وعدن، فإن صنعاء الأفضل من ناحية الأمن”.
ويتعزز الدعم الشعبي للحوثيين اليوم من خلال التهديد المستمر بالقصف الجوي من قبل التحالف العسكري السعودي الإماراتي. تسبب التحالف، الذي بدأ حملة القصف منذ أربعة أعوام، في مقتل الآلاف وتدمير هائل لهذا البلد الذي يعد الأفقر في العالم العربي.

أفراد أمن من الحوثيين يفتشون المشاركين في تشييع جنازة أشخاص قتلوا في غارة جوية ـ رويترز
كيف سيطر الحوثيون على صنعاء؟ 

بعد وصول الربيع العربي إلى اليمن، أطيح بالرئيس علي عبد الله صالح في اتفاق برعاية خليجية وحل مكانه الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو سياسي سني من الجنوب. لكن الحوثيين لم يرضوا عن هذا الاتفاق.
في عام 2014 شكل الحوثيون تحالفًا مع صالح ومع عناصر من القوات المسلحة الذين كانوا موالين لصالح ومعارضين لهادي، الذي كان ينظر إليه من قبل البعض على أنه دمية تتحكم بها السعودية.
انتقل الحوثيون إلى صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 وأطاحوا بهادي. وسرعان ما سيطروا على مدينة الحديدة الساحلية وبدأوا في التحرك نحو عدن.
كان الوضع خطيراً بالنسبة للسعودية، التي لم تكن ترغب في وجود ممرات شحن حيوية تحت سيطرة الحوثيين ومنافسها الإقليمي، إيران. وهكذا، ولدت عملية عاصفة الحزم، التي ضمت تحالفا عسكريا من عدد من الدول بقيادة السعودية والإمارات والذي خاض الحرب لإعادة هادي وحكومته المعترف بها دولياً.

عاصفة الحزم:

أطلقت عملية العاصفة في 26 مارس/آذار 2015، وتوقع كثيرون هزيمة الحوثيين سريعا. ضم التحالف في ذلك الوقت البحرين والكويت ومصر والأردن وقطر (أعلنت قطر في 2017 انسحابها من التحالف).
بدأ التحالف، مدعوما من الولايات المتحدة ودول أخرى، من بينها عدد من الدول الأوربية، قصفا جويا مستمرا حتى يومنا هذا. ولكن بدلاً من هزيمة الحوثيين وأنصارهم في اليمن، تسبب الدمار الذي أحدثته عملية عاصفة الحزم في حالة من الغضب والعداء تجاه التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.
علي العمراني، أحد سكان صنعاء ويبلغ من العمر 40 عامًا، قال للجزيرة: “السعودية لها الحق في القلق بشأن أمنها القومي أو ما يسمى النفوذ الإيراني في اليمن، لكن ليس لها الحق في أن تقضي أربع سنوات في تدمير منشآتنا الحيوية مثل الجسور والمدارس والمستشفيات”.
وأضاف: “عندما أرى هذا التدمير من قبل التحالف، فإنني أقتنع أنه لا يريد الخير لليمن بل يريد لليمن أن يركع. وأنا مقتنع أيضًا بأن الحوثيين يدافعون عن اليمن ضد هذا الدمار غير العادل وإذلال اليمنيين”.
وقال محمد عبده، وهو كاتب سياسي يمني مقيم في صنعاء: “التحالف ليس ضد الحوثيين فقط، إنه ضد اليمن بأكملها. إذا كانوا صادقين، لكانوا قد أنهوا الحرب في وقت مبكر. لقد استغرق ذلك وقتًا أطول لأنهم يريدون تحويل اليمن إلى دولة مجزأة وغير مستقرة وفوضوية”.
واستطرد عبده قائلا: “على سبيل المثال الإمارات تدعم الانفصاليين الجنوبيين من أجل تقويض حكومة [هادي] الشرعية في اليمن. كما يعمل التحالف عن عمد لإضعاف الحكومة وإبقاء الرئيس هادي في منفاه في السعودية. هذه الممارسات لا يمكن أن تكون أبدًا لصالح اليمن”. 

حارس يجلس على أنقاض منزل العميد فؤاد العماد، قائد الجيش الموالي للحوثيين، بعد أن دمرته غارات جوية في صنعاء
الحوثيون يواصلون التحدي:

رغم القوة العسكرية الهائلة التي يملكها التحالف السعودي الإماراتي فإنه أخفق في قمع الحوثيين خلال أربع سنوات رغم التسلح الكبير والغارات الجوية والعمليات البرية واستخدام القوات البحرية وغيرها. 
وقال عبده: “حتى الآن لم يحقق التحالف النصر، وإذا فازوا بالحرب في يوم من الأيام، فإنه سيظل يمثل فشلا عسكريا أن تقضي جميع دول التحالف عدة سنوات كي تتمكن من هزيمة ميليشيا في اليمن”.
في مؤتمر صحفي عُقد في صنعاء الأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم قوات الحوثيين يحيى سريع إنهم سيواصلون تصنيع أسلحة قادرة على ضرب الرياض وأبو ظبي. كما واصل وزير دفاع الحوثيين اللواء محمد ناصر العاطفي نغمة الحوثيين المتحدية، وقال في خطاب له إن السنة الخامسة للحرب ستكون مختلفة.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي يسيطر عليها الحوثيون عن العاطفي قوله: “سيدفع المعتدون ثمن تعنتهم وسيكون العام الخامس من الصمود عام المفاجآت وعام الحسم والنصر العظيم. قواتنا المسلحة اليوم لديها من الكوادر والخبرات والكفاءات ومن أسلحة الردع الاستراتيجي ما يمكنها من هزيمة تحالف العدوان وكبح جماحه في عقر داره”.
وسواء كانت هذه التصريحات مسألة مبالغة أو مبنية على ثقة حقيقية، تظل الحقيقة هي أن اليمن سيستمر يعيش حالة من الحرب الطويلة بين الحوثيين وخصومهم طالما ظلت جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في طريق مسدود.

 “ليلة سوداء”

بينما صكت السعودية اسم عملية عاصفة الحزم لوصف التدخل العسكري الذي قالت إنه ضروري “لقطع أيدي إيران في اليمن”، يحتفل الحوثيون في 26 مارس/آذار بصمودهم في هذه الحرب. لكن المدنيين اليمنيين ليس لديهم ما يحتفلون به في هذا اليوم. 
يقول فيصل محمد، الذي يبلغ من العمر 32 عامًا ويعيش في صنعاء، إنه مازال يتذكر بوضوح ليلة اندلاع الحرب، التي وصفها بأنها أسوأ ليلة في حياته.
 ويضيف: “كان منتصف ليل 26 مارس 2015 عندما حول التحالف العربي بقيادة السعودية صنعاء إلى مدينة مرعبة. كانت الأرض تهتز، وسمع دوي الانفجارات في كل مكان، وأيقظت الطائرات الحربية المدينة بأكملها، وبثت الخوف في قلوب جميع المدنيين. كانت ليلة سوداء ومخيفة”.
وتابع محمد: “لقد مرت أربع سنوات من الحرب كأنها 40 عامًا. لقد بدأت السنة الخامسة من المعاناة والله وحده يعلم متى ستعود الحياة في اليمن إلى طبيعتها”.

طفل أصيب في غارة جوية يتلقى العلاج في إحدى مستشفيات صنعاء ـ رويترز
المصدر : الجزيرة مباشر