بعد قرن من توقيعها: لم ينس الأتراك معاهدة انتزعت حقوقا منهم.. ما قصتها؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارة قبر السلطان محمد الفاتح

أشار مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست إلى أن معاهدة “سيفر” ومخططات الغرب الاستعمارية لحرمان تركيا من السيادة وما تلا ذلك من حروب لإفشالها ما زال يطارد المخيلة السياسية التركية.

ونقل كاتب المقال إيشان تهرور عن مقال لنيكولاس دانفورث، المؤرخ المتخصص في القرن العشرين، نشره عام 2015 بمناسبة مرور 95 عاما على توقيع المعاهدة، أنه “تم نسيان سيفر بشكل كبير في الغرب، لكن لها إرثا قويا في تركيا، حيث ساعدت في تأجيج شكل من أشكال جنون العظمة الوطنية والتي أطلق عليها بعض العلماء (متلازمة سيفر)”.

وأضاف المقال أن المعاهدة “تلعب دورا في شعور تركيا بالحساسية تجاه النزعة الانفصالية لدى الأكراد، وكذلك فيما يتعلق بالإبادة الجماعية للأرمن، التي استخدمها الدبلوماسيون الأوربيون بشكل كبير لتبرير خططهم لتقسيم الأناضول عام 1920، والنظر لها على أنها كانت دائما مؤامرة ضد تركيا أكثر من كونها حقيقة تاريخية”.

وأضاف المقال أن المعاهدة تلوح في الأفق بشكل أكبر الآن، مشيرا إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لديه ميل لاستخدام الرموز التاريخية، اجتمع نهاية العام الماضي مع رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في أحد قصور السلاطين العثمانيين في إسطنبول.

وأشار إلى أنه عقب أحد هذه الاجتماعات، ربط أردوغان بشكل واضح بين السياسة الخارجية لحكومته وبين لحظة تاريخية، قائلا إن مذكرة التفاهم التي أبرمتها تركيا مع ليبيا بشأن التعاون في المجال العسكري ومجال الطاقة “قلبت وضعا فرضته معاهدة سيفر (عام 1920)”، مشيدا باستعداد بلاده لاستعراض قوتها مرة أخرى عبر البحر المتوسط.

وقال المقال إنه في الأشهر التالية، ساعدت المسيرات والدعم العسكري التركي حكومة الوفاق على قلب مسار المعركة حول العاصمة طرابلس.

وأضاف أنه بفضل الدعم الليبي، حصل أردوغان على حق القيام بعمليات للتنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط ، ما وضع تركيا في مواجهة جديدة مع دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك اليونان ومصر وقبرص وفرنسا. إذ تتعارض المطالب التركية مع مطالبات اليونان وقبرص كما أثارت توترا طويل الأمد بين هؤلاء الجيران.

ونقل المقال عن ياروسلاف تروفيموف، من صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن “المحرك الرئيسي لسلوك تركيا هو أنه لا يوجد لأنقرة، المنغمسة في أعمال عسكرية في سوريا والعراق، باستثناء حكومة طرابلس التي تسيطر على نصف ليبيا”.

وأشار إلى أن منتدى غاز شرق المتوسط، وهي أول منظمة تعاون إقليمية بشأن تطوير قطاع الطاقة والذي تأسس العام الماضي، يضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا.

وأضاف أن فرنسا، وهي معارضة صريحة لأهداف تركيا في المنطقة التي واجهت إحدى سفنها الحربية ثلاث سفن تركية قبالة ليبيا في يونيو/ حزيران الماضي، تقدمت بطلب للحصول على عضوية المنتدى”.

وقال المقال إن فرنسا دعمت اللواء الليبي المنشق خليفة حفتر، ودخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حرب كلامية مع أردوغان بسبب خلافاتهما الجيوسياسية، بغض النظر عن شراكتهما كحليفين في الناتو.

وأشار إلى أنه فيما يستحضر المخططون الاستراتيجيون في تركيا فكرة “الوطن الأزرق”، وهي رؤية للحقوق والمطالبات التركية في شرق المتوسط والبحر الأسود، يتحدث المسؤولون في أثينا، وهي حليف آخر في حلف الناتو، علانية عن احتمال حقيقي لصراع عسكري مع تركيا.

وذكر المقال أنه مع تلاشي روابط الحرب الباردة، تبدأ الحقائق القديمة في الظهور مجددا، مشيرا إلى أنه عندما قام ماكرون بجولة في بيروت بعد انفجار المرفأ، ووعد الجمهور اللبناني الغاضب بالمساعدة في تشكيل وضع سياسي جديد، كان ذلك بمثابة تذكير بفاعلية الإرث الفرنسي في محميتها السابقة وتدريبا على القوة الناعمة من جانب رئيس يعاني بشكل أكبر في فرنسا.

وذكر المقال أنه بالنسبة لأردوغان، فإن الخلافات الحالية هي جزء من لعبة قوة وطنية ليست جديدة من نوعها بالنسبة لتركيا.

ونقل عن يوهانان بنحاييم، وهو باحث متخصص في الشأن التركي مقيم في باريس، لصحيفة لوموند الفرنسية في مقال يستكشف “انتقام” أردوغان من معاهدة سيفر إن “السياسة الخارجية التركية هي سياسة تحاول تحقيق أقصى ما يمكن. مثل ما نراه في دول أخرى، مثل إسرائيل التي تحاول ضم الضفة الغربية وروسيا التي ضمت القرم، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن النظام العالمي”.

وأضاف أن “ما نشهده في تركيا هو مجرد انعكاس لظاهرة عالمية، وهي التشكيك في الوضع الراهن والنظام العالمي”.

وأشار المقال إلى رد المعلق التركي إبراهيم كاراغل، وهو معلق تركي متشدد، على مقال لوموند قائلا إن وسائل الإعلام الغربية لم تكن “مخطئة” في تسليط الضوء على التأثير الكبير لمعاهدة سيفر في السياسة الخارجية لتركيا.

وقال كاراغل عن سياسة الرئيس أردوغان “إنها تغلق قوسا يبلغ عمره قرنا من الزمان. إنها تفتح الأبواب لقرون جديدة”.

المصدر : واشنطن بوست