بعد تصريحات الشيخي: تجدد الجدل في المغرب حول الحريات الفردية

يتسم السياق الحقوقي والمجتمعي المغربي بتجدد النقاش حول الحريات الفردية كلما جد حادث يلامس الأمر.

تجدّد الجدل مؤخّرا بالمغرب حول حقوق الإنسان والحريات الفردية، وازدادت حدّته بعد تصريحات لعبد الرحيم الشيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية المغربي

أصل الجدل
  • كان عبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، قد اعتبر أن كل من يدعو في المجتمع لتغيير نص قانوني أو تعديله يمارس حقه ولا يمكن مصادرة هذا الحق خاصة وأن القوانين ليست مطلقة.
  • قال إنه لا يمكن مواجهة نقاش معين برز في المجتمع، باعتباره ليس أولوية ولو كان يخص فردا أو جماعة، وإن كل ما دون العلاقة الجنسية، أشياء غير مجرمة شرعا ولا قانونا في العلاقات بين الجنسين، وتساءل الشيخي أين الجريمة في العلاقة بين الشباب ما لم يصلوا إلى الممارسة الجنسية؟
  • اعتبر أن بعض القوانين المناهضة للحريات الفردية، تستعمل في الكثير من الأحيان لتصفية الحسابات السياسية وليس لدواعٍ تربوية.
  • قال رئيس حركة التوحيد والإصلاح إن “الأفعال ما دون الممارسة الجنسية كالمصافحة واللمس والقبل، لا تعتبر ضمن الفساد”.
ردود أفعال متفاوتة
  • القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، محمد بولوز، انتقد تصريحات الشيخي، وفي تدوينة له على فيسبوك، قال “ما يسمح به في إطار شريعتنا بين الرجل والمرأة الأجنبيين عن بعضهما هو الكلام بالمعروف عند الحاجة في المكان المفتوح أمام الناس”.
  • هذا ما ذهب إليه امحمد الهلالي القيادي بالحركة أيضا، في تدوينة قال فيها “كثير من الحريات الفردية تتصادم مع حرمات شرعية وممارستها في الفضاء الخاص يندرج في إطار المعاصي والذنوب، وبعضها يصل إلى درجة الكبائر، حتى وان كانت رضائية”.
  • آمنة ماء العينين القيادية بحزب العدالة والتنمية، لها موقف مختلف، فقد عبّرت في تدوينة على صفحتها على فيسبوك عن أنّ إيمانها بكون موضوع الحرية في بعديها الفردي والجماعي موضوع سيرفع عنه “الإسلاميون” الحظر يوما.
  • قالت ماء العينين إنها تؤمن أن الإسلاميين “سيحررون نقاشه وسيتجاوزون الأنساق التقليدية المغلقة التي يقاربونه من داخلها، رغم أن جوهر الدين والتدين هو الحرية، كما أن حرية العقيدة والاعتقاد هي أم الحريات الفردية التي كفلها الله ولا يزال البشر يمسكونها عن بعضهم البعض”.
  • قالت القيادية بالعدالة والتنمية “سيأخذ الأمر وقتا، وسيُصْلب الذين يغامرون بطرح الأسئلة في هذه المرحلة، وسيخوض الخائضون في أشخاصهم قبل أفكارهم، ثم سيصل الوقت ليتحدث الجميع. هكذا شهدت حركية التاريخ والأمثلة كثيرة”.
عبد الرحيم الشيخي رئيس حركة التوحيد والإصلاح (يمين) وسعد الدين العثماني رئيس الوزراء المغربي
استدراك 
  • استدراكا لما خلفته مداخلة الشيخي من انتقاد واسع داخل الحركة وخارجها، أصدر رئيس الحركة بيانا يعيد شرح ما قاله خلال مداخلته، معتبرا أن ما نشر تم “اجتزاؤه من سياق مداخلة مدتها تزيد عن (11 دقيقة) مِمَّا أخلَّ بالمقصود؛ إضافة إلى أن طبيعة المداخلة لم تكن تسمح بالتفصيل في كل جوانب الموضوع”.
  • يرى الشيخي أن اعتقاده حول “العلاقات بين الجنسين من الشباب هو ما قرره العلماء من كونها ذنوبا ومعاصي وجب على المكلف تجنبها والابتعاد عنها”.
  • قال الشيخي إنه قصد في مداخلته تمييز الزنا أو ما يصطلح عليه قانونا بجريمة الفساد عن غيره من التصرفات التي قد تقترب أو تبتعد منه شرعا وقانونا.
  • مؤكدا في الوقت نفسه، ضرورة “تحرير الأفهام والعقول من آفة التعميم والتهويل، ومن الإيغال في الحكم على الناس وتضخيم حجم الأخطاء وتوسيع دائرة تجريم الأفعال واعتبارها في مكانة واحدة رغم اختلاف مستوياتها”.
  • عبر رئيس الحركة عن كون التوسع في التجريم وفي العقوبات المترتبة قانونا على عدد من القضايا المرتبطة بتصرفات الأفراد في فضاءاتهم الخاصة، يبقى قاصرا من دون إعمال مقاربة شمولية مندمجة تنطلق من المرجعية الإسلامية بأبعادها الاجتهادية وترتكز أساسا على المداخل التربوية والتعليمية والتثقيفية وغيرها.
تحوّلات المجتمع وتجديد المفاهيم 
  • قالت سارة سوجار عضو جمعية “شابات من أجل الديمقراطية” (غير حكومية)، إن تصريح الشيخي تصريح متقدم نسبة لما كان يصرح به قادة التوحيد والإصلاح بخصوص الحريات الفردية والعامة.
  • في تصريح لموقع الجزيرة مباشر عبرت سوجار عن اتفاقها مع الشيخي على كون التحولات المجتمعية تفرض التغيير في النص القانوني “خصوصا أن الأصوات المطالبة بالحرية ليست أصوات من فراغ فقد انقضى الزمن الذي كانت تروج فيه فكرة أن هذه المطالب هي من الغرب”.
  • أضافت أن سؤال الحريات الفردية أصبح نتاج الحياة اليومية للمغاربة، وبحسب سوجار فإنه “حينما نتحدث عن الحريات الفردية فنحن نتحدث عن اختيارات الناس ونمط الحياة فكل منا له الحق في اختيار ما يرضاه لنفسه ولحياته الشخصية”.
  • شددت سوجار على كون “الحرية الفردية لم تكن يوما مسألة ثانوية، وأن مجموعة من الأحداث الأخيرة أظهرت نوع من التناقض بين الدستور المعتمد بعد 2011 بالمغرب والقانون الجنائي”.
  • لفتت سوجار لكون “النص القانوني يجب أن يساير المجتمع فلدينا دستور جديد واتفاقيات وقعها المغرب لكن القانون الجنائي لازال يعمل وفق مقتضيات ما قبل 2011”.
إعادة نظر 
  • يرى عدد من الحقوقيين والسياسيين، أن تنظيم الحركة لندوة فكرية لمناقشة كتاب “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا”، لكاتبه الدكتور الحسين الموس، وهو قيادي في الحركة، أمر جيد في ظل الحالة التي يعيشها المغرب.
  • كما يعتبرون، أن وصول الإسلاميين إلى الحكومة لأول مرة منذ 2011، والبقاء في سدة الحكم إلى حدود الآن، دفعهم إلى إعادة النظر في مجموعة من المواقف، بما فيها موقفهم من الحريات الفردية.
  • يتسم السياق الحقوقي والمجتمعي المغربي بتجدد النقاش حول الحريات الفردية كلما جد حادث يلامس الأمر.
  • آخرها تصريحات عمر بلافريج النائب البرلماني عن فدرالية اليسار (تتكون من ثلاث أحزاب يسارية) خلال مناقشة تعديلات على القانون الجنائي بمجلس النواب،  الغرفة الأولى بالبرلمان المغربي، والداعية لمراجعة الفصول التي تجرم الإجهاض والعلاقات الرضائية خارج نطاق الزواج.

موجة ثانية أو براغماتية
  • عزيز إيدامين الباحث في العلوم السياسية قال لموقع الجزيرة مباشر إن التصريحات الصادرة عن عدد من قيادات العدالة والتنمية أو الذراع الدعوي له، حول مجموعة من الحريات والحقوق وعلى رأسها الحريات الفردية، إيجابية على مستويين.
  • المستوى الشكلي، بحسب إيدامين، يتعلق بـ “قابلية تيار الإسلام السياسي في المغرب بالمناقشة والحوار حول بعض القضايا التي كان يعتبرها خطا أحمر ولا يمكن المساس بها”.
  • المستوى الموضوعي، “أن القضايا تهم أساسا الإشكاليات المجتمعية داخل المغرب من قبيل المساواة بين المرأة والرجل والعلاقات الجنسية الرضائية”.
  • إدامين اعتبر هذه الأفكار بمثابة الموجة الثانية من فكر الإسلام السياسي في المغرب، فالموجة الأولى، والتي كانت في بداية التسعينات، مع كتابات سعد الدين العثماني ومحمد الحمدواي وغيرهما، حول الديمقراطية والمشاركة السياسية، هي أفكار مهدت الطريق لدخولهم إلى البرلمان والحكومة، فالجدلية التاريخية اليوم، تدفعنا للقول إن الممارسة السياسية تمهد الطريق مرة أخرى لهذا التيار بأن يراجع أفكاره حول مدنية الدولة وحقوق الأفراد، وهي التي ننعتها بالموجة الثانية من الفكر الإسلامي بالمغرب”.
  • اعتبر أنه يجب الانتقال من مجرد تصريحات فردية لقيادات الإسلام السياسي بالمغرب إلى مراجعة المشروع المجتمعي الإسلامي ككل، وإلا اعتبرت هذه التصريحات مجرد غمامة صيف وبراغماتية سياسية مرحلية.
المصدر : الجزيرة مباشر