بروفيسور أمريكي: معركة مساءلة ترمب أكثر رعبا مما تتخيلون

رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي والرئيس الأمريكي دونالد ترمب.

أعرب البروفيسور الأمريكي توماس بيبينسكي، عن قلقه العميق إزاء الوضع الراهن فيما يتعلق بقضية التحقيق والمساءلة بهدف عزل الرئيس دونالد ترمب.

وفي مقاله بمجلة بوليتيكو، حذر بيبينسكي، وهو أستاذ السياسات المقارنة والاقتصاد السياسي بجامعة كورنيل، من عواقب وخيمة إذا استمر النزاع السياسي بشكله القائم حاليا في الولايات المتحدة.

أبرز ما جاء في المقال:
انقسام النظام
  • النزاع الحالي بين الجمهوريين والديمقراطيين تجاوز الخلاف السياسي ليصل إلى مرحلة خطيرة يطلق عليها علماء السياسة مصطلح “انقسام النظام”.
  • يشير المصطلح إلى انقسام على الصعيد الشعبي يتسم بالصراع حول أسس النظام الحاكم ذاته، الذي يعد في الحالة الأمريكية “الديمقراطية الدستورية”، وتعد هذه مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية.
  • لعقود من الزمن، دارت المعارك بين الجمهوريين والديمقراطيين حول نفس الشيء: أي الحزبين يقدم قيما وسياسات أفضل للديمقراطية الأمريكية؟  لكن المعارك الحالية تشهد تحول ما كان في الماضي منافسة حزبية إلى نزاع حول الديمقراطية نفسها.
  • انقسام النظام الحادث حاليًا تسبب فيه ترمب والمدافعون عنه، بسبب عدم اعتراف الرئيس والكثير من حلفائه بشرعية المساءلة والعزل، واصفين الأمر بأنه محاولة انقلاب، وكذلك بسبب رفض البيت الأبيض الامتثال لاستدعاءات التحقيقات بالكونغرس.
  • في المجتمعات التي تواجه حالة “انقسام نظام”، يعتقد عدد متزايد من المواطنين والمسؤولين أنه قد يتم تجاهل المعايير والمؤسسات والقوانين أو تقويضها أو استبدالها.
  • يمكن أن يؤدي انقسام النظام إلى فقدان الأمريكيين الثقة تمامًا في العملية الانتخابية، أو تحفيز السياسيين المنتخبين على شن المزيد من الهجمات المباشرة على استقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات.
  • الانقسام على الصعيد الشعبي في طريقه للتصلب، ومن الدلالات غير الصحية وصف معارضي ساسة معينين في حوارات بين مختلف الأطياف السياسية بأنهم “غير أمريكيين” أو “فاقدو الولاء” أو حتى “خونة”.
  • هناك خطر يتعلق بنزع الشرعية عن السلطة التشريعية، حيث يتعلق انقسام النظام الحادث حاليًا بالقوانين التي تنص بوضوح في الدستور الأمريكي على كيفية إخضاع الرئيس للعقوبة.
  • انقسام النظام لا يظهر إلا في نظم الحكم التي تمر بأزمات، وديمقراطيتنا في الواقع تمر بأزمة.
الفارق بين انقسام النظام والصراع السياسي
  • الصراع بين اليسار واليمين، على سبيل المثال، حول قضايا مثل الضرائب وإعادة توزيع الثروات، يعد أمرًا صحيًا.
  • على النقيض من ذلك، يتسبب انقسام النظام في تركيز الناخبين على تطويع النظام السياسي ككل، فبدلًا من السعي إلى الفوز بالمنصب لتغيير القوانين ورسم سياسات أفضل، يتجاهل السياسيون المناهضون للنظام الديمقراطي القوانين عند الضرورة لتحقيق أهدافهم السياسية، ويدعم مؤيدوهم هذه الوسائل لتحقيق غاياتهم المنشودة.
  • عندما يرفض ترمب الامتثال للتحقيق في مجلس النواب، فإنه قطعًا لا يبالي بالدستور ولا بالفصل بين السلطات.
  • عندما يقول زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إن المساءلة “تفسد نتيجة الانتخابات”، فإنه يفعل الشيء نفسه.
  • في فكر ترمب وحلفائه، وعلى نحو متزايد أنصاره، ليس فقط الديمقراطيون، بل “الديمقراطية الأمريكية هي العقبة”.
التصويت لصالح قرار داخل مجلس النواب الأمريكي يسمح ببدء إجراءات عزل ترمب (رويترز)
عواقب وخيمة
  • درس علماء السياسة ما تمر به ديمقراطيتنا، والنهاية عادة ليست جيدة.
  • قبل عقود، تسبب انقسام النظام في تشيلي في انقسام التشيليين، ودخل المحافظون في تحالف مضاد لحكومة سلفادور الليندي المنتخبة، ما أدى في النهاية إلى انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه.
  • واجهت الولايات المتحدة أيضا حالة انقسام نظام في خمسينيات القرن التاسع عشر -قبل الحرب الأهلية- عندما بدأ الكثيرون في الولايات الجنوبية بالدعوة إلى الانفصال، ما مثّل تحديًا واضحًا لشرعية الاتحاد.
  • المعارك المتزايدة حول السلطة التنفيذية يمكن أن تكون دلالة على حالة انقسام النظام الحادثة في الديمقراطية الأمريكية.
  • سينظر أحد الطرفين -تبعًا لتلك المعارك- إلى أن الديمقراطية تعني تمكين السلطة التنفيذية وتحريرها من قيود المساءلة التشريعية والقضائية (أي: ديمقراطية جوفاء لا تلتزم فيها السلطة التنفيذية إلا بأهواء من في السلطة).
  • أما الطرف الآخر، فسينظر إلى أن الديمقراطية تعني تعزيز المؤسسات الأخرى من أجل مساءلة السلطة التنفيذية.
  • يخلق ذلك بدوره شكلًا من أشكال المزايدات، فحتى لو عارض الديمقراطيون الآن سلطة تنفيذية ممكّنَة، فستكون لديهم البواعث لاستخدام جميع السلطات الرئاسية المتاحة لهم عندما يسيطرون على البيت الأبيض.
  • لم تعد السياسة تدور حول من يقدم أفضل السياسات أو أفضل من يمثل الناخبين، بل من يستطيع السيطرة على السلطة التنفيذية وإلى أي مدى يستطيع تجاوز القانون.
  • ماذا لو رفض ترمب الاعتراف بالهزيمة أمام خصم ديمقراطي في عام 2020؟  ماذا سيحدث في هذه الحالة؟ هل سيلجأ أنصار الرئيس إلى العنف؟ هل سترفض شرائح عريضة من الحزب الجمهوري ببساطة الاعتراف بالرئيس الديمقراطي المنتخب؟
إنقاذ الموقف بعزل ترمب
  • السياسة الأمريكية لم تستنفَد بعدُ بسبب انقسام النظام الحادث حاليًا. لكن إذا استمر النزاع، فيمكننا توقع تحول السياسة الأمريكية بشكل متزايد إلى الاتصاف بتلك الأشكال من الصراعات المتصلبة بين الدخلاء الشعبويين وسياسيي الحرس القديم وآلية إدارة الدولة التي ميزت الديمقراطيات الرئاسية في دول مثل الأرجنتين ومؤخرًا تايوان.
  • لم تصل درجة التصلب في نظامنا بعد إلى الحد الذي وصلت إليه في تلك الدول، ولكن إذا حدث ذلك، فلن يكون من الممكن انتخاب رئيس يمكنه إنهاء الفوضى في واشنطن، لأن طرفي انقسام النظام سوف يجادلان بأن الآخر غير شرعي وغير ديمقراطي.
  • “سيفقد الناخبون ما ورثوه من إيمان بقيمة الديمقراطية نفسها”. وفي أسوأ السيناريوهات، سيكون الرؤساء ومؤيدوهم غير خاضعين إطلاقًا للمساءلة أمام الكونغرس، بينما سيرفض خصومهم شرعية الرئاسة تمامًا.
  • يبدو أن حماية سيادة القانون والدفاع عن الفصل بين السلطات واستعادة النظام الدستوري إلى واشنطن كما لو أنها تتطلب مساءلة الرئيس الحالي وإدانته وعزله من منصبه.
  • على الأقل، يجب على الأمريكيين المعتنقين لمختلف القناعات السياسية المطالبة بمشاركة الإدارة في إجراءات المساءلة، حتى لو كان الجمهوريون في مجلس الشيوخ يقدمون الحزبية كأولوية في تصويتهم على تقديمهم الدليل.
  • بقدر احترام السلطتين التنفيذية والتشريعية للإجراءات والسلطات المحددة في الدستور، بقدر ما يجب علينا جميعًا احترام شرعيتها – بغض النظر عن النتيجة.
  • إذا أخفقنا في الاتفاق على مبادئنا الديمقراطية المشتركة والالتزام بها، فسيتصلب انقسام النظام الحادث، وسيكون مستقبل الديمقراطية الأمريكية قاتمًا.
المصدر : بوليتيكو