المرأة القوية المستقلة.. هل يعاقبها المجتمع؟

غيتي
لماذا يسخر البعض من مصطلح "المرأة القوية المستقلة" في العالم العربي؟

يتداول البعض أخيرا في العالم العربي، وتحديدا مصر، مصطلح Strong Independent Woman أي “المرأة القوية المستقلة” لوصف النساء الناجحات المستقلات.

وعادة، ما يطلق البعض هذا الوصف على النساء اللاتي استطعن تحمل مسؤوليات كبيرة إما مهنية أو أسرية أو كلاهما، وقد يكن غير متزوجات أو مطلقات أو أرامل أو صاحبات أعمال.

وهناك انقسام واضح في طريقة استخدام هذا المصطلح، والدلالات المقصودة منه، فيشير عدد قليل جدا إليه بقدر من الاعتزاز والتقدير، ولكن الفئات الأكثر في المجتمع تتناوله بسخرية.

يتهكم بعض الرجال من مفهوم المرأة القوية، وينعتونها بـ”المرأة المسترجلة”، كما تسخر أيضا بعض النساء من المسمى، ويعتقدن أنه يُحمل المرأة أكثر مما تحتمل، ويطالبها بأن تكون قوية دائما، قوية “أكثر مما تحتمل”، ولا تشتكي، ولا تبكي!

شاع المفهوم منذ وقت طويل في المجتمع الغربي، ويحظى أيضا بانقسام بين فئات المجتمع المختلفة، تتناوله بعض “النسويات” بطريقة تسيء أحيانا إلى مفهوم المرأة القوية وتنفر الرجال منها، ولكن تتناوله أيضا فئات أخرى من المجتمع بطريقة أقرب إلى الفخر والتقدير.

يختلف منظور كل من المجتمع الغربي والعربي لمفهوم "المرأة القوية المستقلة" (غيتي)

تعرف الكاتبة راهتي غورفين في مقال لها بموقع Wiki How “المرأة القوية المستقلة” بأنها المرأة القادرة على العثور على السعادة بنفسها، ولديها ثقة بالنفس، ولا تحتاج إلى الاعتماد على أحد، وتتمتع باستقلالية عاطفية، وتستطيع التعبير عن نفسها بصدق.

وترى الكاتبة أيضا أن “المرأة القوية المستقلة” حازمة في ترتيب أولوياتها، ولا تقارن نفسها إلا بنفسها، وتضع حدودا مع الآخرين، وتثق بنفسها وقدراتها، وتستطيع أن تصد عن نفسها الإهانة أو الإيذاء، وتُعتنى بصحتها ولياقتها، وتدير شؤونها المالية بحكمة، وتتبع شغفها أينما كان، وتشارك في التطوع وخدمة المجتمع.

وتقول جيسيكسيك في مقال لها على مدونة victimfocus على موقع “ورد برس” أن المرأة القوية المستقلة لا يمكن أن تقبل بالرجل المهيمن “المروض” أو الرجل الاتكالي الذي يلقي عليها كل المسؤوليات، وكلا الموقفين مؤذٍ للنساء القويات.

ومن وجهة نظر “نسوية”؛ ذكرت إيمي جوتجولد في مقال لها بموقع Bolde أن هناك أسبابا تحول دون “وقوع المرأة القوية المستقلة” في الحب بسهولة، ومنها أنها تستطيع أن تكون “باردة” حتى تجد الرجل الذي يستحق وقتها، كما أنها لا تظهر مشاعرها الحقيقية بسهولة، ولا تطلب المساعدة، وتعمل بقوة، وتستطيع أن تكون “أنانية”، ولا تسمح لنفسها بالراحة أو الكسل، وتريد أن تكون مثالية، ولديها معايير عالية في الاختيار، ولكنها تستحق الحب!

"الثقة بالنفس" صفة لا تخطئها العين في المرأة "القوية المستقلة" (غيتي)

ولكن في المجتمع العربي تبدو الصورة مختلفة، فهذا المنظور “النسوي” أبعد ما يكون عن واقع المرأة العربية، وتزخر مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من مفهوم “المرأة القوية المستقلة”؛ وكأن المجتمع العربي يعاقب المرأة على جلدها، أو أن النساء أنفسهن ينزعجن من تصوير المرأة التي تتحمل المسؤوليات على أنها super woman أو امرأة خارقة.

وتقف الكاتبة الصحفية نادية أبو المجد ضد فكرة التنميط بصفة عامة سواء للرجل أو المرأة، فالصورة النمطية في المجتمع العربي أن المرأة ضعيفة والرجل قوي.

وتختلف نادية مع هذه الفكرة موضحة “أنا مؤمنة أن الله عز وجل خلقنا بشرا منا الضعيف ومنا القوي، ولا يوجد شخص قوي دائما، ونقاط الضعف تختلف من إنسان لآخر”.

وترى أن المجتمع العربي “ذكوري” ولذلك يسخر من المرأة “القوية المستقلة”، ويفضل المجتمع أن يرى صفة الضعف أو “تمثيل الضعف” في المرأة، والحقيقة أن النساء لسن جميعهن ضعيفات، وهناك ظروف إنسانية وضعت بعض النساء في موقف لا يسمح لهن بالاستسلام للضعف، سواء كن مطلقات أو غير متزوجات، أو متزوجات ولكن يعشن في محن وظروف أسرية صعبة.

وتستدرك بقولها إن المجتمع لا يستوعب أحيانا أن قوة واستقلال النساء ميزة مهمة للمجتمع؛ كي تكمل المرأة مسيرتها وتعتني بأولادها وتتحمل مسؤولياتها في حال غياب الرجل أو عدم وجوده.

ومن وجهة نظرها، ترى نادية أن بعض النساء ينتقدن مصطلح “المرأة القوية المستقلة” لأنهن يتخذن مواقف أكثر تشددا من الرجال تجاه النساء القويات بسبب الغيرة. وليس معنى أن المرأة قوية أنها بطلة خارقة طوال الوقت، بل ربما وضعت قناعا لنفسها حتى تستطيع أن تكمل حياتها أو تحمي نفسها من أن تكون “مطمعا”، وهذه القوة ليست في صالحها طوال الوقت، بل تتحقق أحيانا على حسابها.

وتطالب نادية أبو المجد المرأة بأن تكون فخورة بأن الله خلقها “أنثى”، وأن تعلم أن الرجل ليس أفضل منها، وأن تحترم نفسها وقدراتها وتعمل على تنمية عقلها بنفس القدر الذي تهتم به بشكلها وجسمها، وتتعلم أن “تطبطب” على نفسها، وأن تكون قوية، ولا تكترث لمن يسخر منها، بل تكون واثقة من نفسها ومتحققة.

تتعرض المرأة العربية أحيانا لضغوط مهنية واجتماعية إضافية لكونها "قوية ومستقلة" (غيتي)

ومن جانب آخر، ترى أخصائية التدريب والتطوير ربى قرجولي أن هذا الضغط المجتمعي ينل من المرأة والرجل معا، فالإنسان القوي الذي يتحمل المسؤوليات ويجده أهله وأصدقاؤه حمولا وقويا يزيدون عليه الأحمال، ولكن تزيد المشكلة مع النساء، لأنهن يتحملن مسؤوليات عديدة، ولأن المجتمع يتعامل معهن على أنهن كالشمعة تحترق من أجل الآخرين.

وتوضح ربى أن هناك صنفا آخر من النساء “القويات” اللاتي يعشن بدون زوج أو عائل، ولكنهن يعتمدن بالأساس على دعم الأصدقاء، وتحاول المرأة أن تقف على “حيلها” ولا تحول حياتها لـ”دراما”.

وتوضح أن الرجل مختلف، ومن الصعب أن يكمل حياته بدون شريكة، مهما تعددت صداقاته وعلاقاته الاجتماعية، وهذه طبيعة المرأة حتى على ضعفها فهي قوية، وهذا من جماليات شخصية المرأة، فجمالها في تناقضاتها ما بين النعومة والجلد، وما بين المحبة والحزم.

بدورها، تؤكد الباحثة والكاتبة دعاء مختار أن المجتمع العربي عادة ما يعاقب المرأة القوية على اختياراتها، بسبب ترسخ صورة مشوهة ودونية عن المرأة وأدوارها في المجتمع، فالمرأة في وجهة نظر البعض ليست إنسانا كاملا وشريكا له حقوق وعليه واجبات، وفكرة “حقوق المرأة” تعد أحيانا من الرفاهيات والمحرمات.

 

المصدر : الجزيرة مباشر