المحامي الفلسطيني زبارقة.. سند المظلومين بالسجون ومرجعيتهم خارجها

المحامي زبارقة يصلي بجوار الشيخ رائد صلاح

“أنا لست حيادياً.. أنا محام أحمل قضية وأقف مع أبناء شعبي ظالمين أو مظلومين”

بهذه الكلمات عبّر المحامي الفلسطيني خالد زبارقة عن أهمية التصاق المحامي بهموم شعبه وآماله وآلامه ليتمكن من تمثيلهم في أروقة محاكم الاحتلال.

ولد المحامي-الذي ينحدر من إحدى القبائل البدوية في النقب- عام 1972 في مدينة اللد وترعرع بها، والتحق بإحدى الجامعات الرومانية لدراسة القانون ثم عاد إلى فلسطين وتدرب في مكتب للمحاماة بمدينة بئر السبع قبل أن ينطلق بالعمل من مكتبه الخاص عام 1999.

شعر المحامي زبارقة بأنه دخل منعطفا مهنيا مختلفا عام 2007 عندما اعتقل رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح في القدس وبدأ تمثيله أمام المحاكم منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا.

“عام 2007 تعرض الشيخ لاعتقال على خلفية ملف باب المغاربة إذ هدمت قوات الاحتلال الطريق المؤدية لباب المغاربة فاحتج الشيخ ومجموعة شبان على هذا الهدم وتم اعتقاله.. هذه الحادثة أطلعتني على قضية القدس والمسجد الأقصى بعدما كنت أنظر إليهما من بعيد دون معرفة تفاصيل”.

 تشبع زبارقة حب المسجد الأقصى منذ ذلك الحين وتعززت علاقته بالشيخ صلاح بعد إيمانه بعدالة قضيته وملاحظته مدى تفانيه في خدمة القدس والأقصى، “ضحى الشيخ وما زال يضحي ليس لتحقيق مكاسب شخصية وإنما لرفع راية القدس والأقصى والهوية الوطنية والثبات والصمود.. من الصعب أن نجد شخصا يتحمل ما يتحمله الشيخ في سبيل المقدسات والمصلحة العامة”.

منذ اثني عشر عاما يرافق المحامي زبارقة الشيخ رائد صلاح في جلسات المحاكم ويعتبر سنده القانوني، ويقول إن الشيخ لا يحاكم على فعل أو مخالفة قانونية ارتكبها بل لأنه يحمل قضية ومشروعا حقوقيا إنسانيا من الطراز الأول.

وجهت للشيخ لائحة اتهام في شهر آب/أغسطس من عام 2017 تتضمن التحريض على العنف من خلال خطب ألقاها ومقالات كتبها في فترة هبة البوابات الإلكترونية في العام ذاته.

أدرك الشيخ ومحاميه منذ اليوم الأول لهذه القضية أن الهدف من تلفيق التهم هو إسكات صوت الشيخ لتمرير أجندات تهويدية على القدس والأقصى، والحد من تأثير شخص الشيخ على الأحداث العامة خاصة في الداخل الفلسطيني باعتباره أحد القيادات الهامة في المجتمع العربي.

بعد مداولات عدة صدر الحكم بالسجن الفعلي لمدة أحد عشر شهرا قضاها الشيخ كاملة في العزل الانفرادي وتمكن المحامي من زيارته خلالها، وذهل من صبر موكله وثباته رغم ظروفه القاسية، وبعد تحرره قيد الاحتلال حركته ففرض عليه الحبس المنزلي وألزمه بالقيد الإلكتروني ومنع عنه كافة أدوات الاتصال والتواصل وعزله عن جمهوره ومنعه من الكتابة ومن الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام.

هذه الإجراءات مستمرة منذ عام ونيف حتى يحين موعد جلسة النطق بالحكم في السابع عشر من شهر نوفمبر/تشرين ثاني الجاري، ومن المفترض أن تقرر المحكمة إدانة أو تبرئة الشيخ رائد صلاح من التهم الموجهة إليه.

زبارقة يشارك المقدسيين تناول الطعام في رحاب المسد الأقصى

المرافقة القانونية في الملفات السياسية وقضايا حقوق الإنسان هي أكثر ما يجذب المحامي زبارقة الذي لا يتوانى عن مساندة حراس المسجد الأقصى وموظفي الأوقاف في المحاكم الإسرائيلية بسبب التضييق المستمر على عملهم في المسجد، كما رافق الشيخ عكرمة صبري في كثير من الملاحقات التي تعرض لها، بالإضافة للمرابطات اللاتي وجدن فيه وببعض زملائه سندا قانونيا صلبا يمكنهن الاتكاء عليه.

انخراط المحامي خالد بالمجتمع المقدسي تعزز عام 2008 بعد تقلده منصب مدير عام مؤسسة القدس للتنمية التي حظرها الاحتلال عام 2014 وتمكن من خلال هذا المنصب متابعة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في القدس عن كثب على مدار ستة أعوام.

 “أصبحت أعيش مدينة القدس على مدار الساعة وأتواجد بها معظم الوقت وأقضي بها عطلة نهاية الأسبوع.. وبدأت ألاحظ أن الملاحقة والتنكيل بالمقدسيين جزء من الحياة اليومية فلم أتمكن من إدارة ظهري لهذه الشريحة من مجتمعنا فبادرت للدفاع عنهم وأقارع القضاة والنيابة العامة في المحاكم يوميا من أجل نيل حرية كل مظلوم”.

رغم مواظبته على ممارسة مهنة المحاماة منذ عقدين من الزمن إلا أنه لم يخف ضعفه عند الحديث عن تفاصيل حياته اليومية كمحام لا يرى سوى البؤس في أروقة المحاكم والقهر والدموع على وجوه أمهات وزوجات الأسرى.

“أتألم للهفة كل أم تحلم بأن تلمح ابنها أمام المحكمة وأتألم لرؤية الأسيرات وهن مكبلات بالأصفاد وأشعر أحيانا بعجز الأدوات القانونية في مساعدتهم، خاصة أن الاحتلال لا ينظر لهؤلاء من منظور حقوقي قانوني بل يراهم إرهابيين ويتعامل معهم على هذا الأساس”.

بين الناس ومعهم يشاركهم أفراحهم وأتراحهم بالإضافة لهبته في مساعدتهم قانونيا، وعن أهمية ذلك قال زبارقة إنه يحرص على أداء الواجبات الاجتماعية كافة وكأنه ينتمي لكل عائلة لما لذلك من آثار إيجابية تتمثل في رفع معنويات أبناء جلدته، “المشاركة في المناسبات الاجتماعية تزيدني فخرا لأنني جزء من هذا المجتمع الصابر المرابط في هذه الأرض المباركة”.

لمس المقدسيون قرب هذا المحامي وبعض زملائه منهم لاعتصامهم المستمر مع الشارع خلال هبة البوابات الإلكترونية صيف عام 2017 ورباطهم بالأقصى مع المصلين في هبة باب الرحمة بالمسجد الأقصى خلال شهر فبراير/شباط المنصرم ووجدوا فيهم مرجعية وقوة تمدهم بالوعي القانوني والدعم المعنوي.

المصدر : الجزيرة مباشر