الخروج الكبير: قصة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوربي (الحلقة الثانية)

الخروج باتفاق مجحف بحق البريطانيين سيكون له عواقب سلبية داخلية

بعد عرض الأسباب المؤدية إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، سنعرض في هذه الحلقة خلاصة المفاوضات الحاصلة بعد قرار الخروج بين لندن وبروكسل. والخيارات المطروحة بالنسبة لبريطانيا.

المفاوضات

اتخذت بروكسل منذ بداية المفاوضات مع المملكة المتحدة موقفًا حازمًا، أرادت من خلاله أن تجعل من بريطانيا عبرة لكل دولة تفكر في الانسحاب من الاتحاد وتقويضه. كان الهدف النهائي لبروكسل هو تماسك السوق الداخلية للاتحاد الأوربي من خلال ضمان الحريات الأربع، وهي: حرية السلع ورأس المال والخدمات والعمالة، والتي تنص عليها معاهدات الاتحاد، بالإضافة إلى إبقاء أيرلندا بكاملها، بما في ذلك أيرلندا الشمالية داخل الاتحاد الجمركي الأوربي.

كانت الاتفاقيات دائما تصب في صالح الاتحاد الأوربي، وهو ما يعرقل خروج المملكة المتحدة، لأن الخروج باتفاق مجحف بحق البريطانيين سيكون له عواقب سلبية داخلية. ومازال الساسة البريطانيون يشكون من تعنّت بروكسل معهم، حتى إن جيريمي هنت، النائب البريطاني المحافظ الذي شغل منصب وزير الخارجية في المفاوضات في مرحلة مبكرة، وصف الاتحاد الأوربي بالتشبّه بالاتحاد السوفيتي، وزعم أن بروكسل تبدو وكأنها تسعى لمعاقبة لندن على قرارها السيادي.

في البرلمان البريطاني نوقشت المزيد من التنازلات في اجتماع حكومي أوائل يوليو/ تموز 2018، حدد من خلاله حزب المحافظين طريقتين رئيسيتين لخروج بريطانيا. يمكن تسمية الطريق الأول باسم “الخروج الناعم” والذي من شأنه الحفاظ على علاقات وثيقة مع الاتحاد الأوربي في إطار الاتحاد الجمركي. أما الطريق الثاني فهي التي تقتضي خروجًا كليًّا لبريطانيا من الاتحاد الأوربي.

لم تنجح خطة الخروج الناعم التي قدمتها رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي في جذب اثنين من المناصرين الرئيسيين لطريقة الخروج الحاسمة؛ فبادرا بالاستقالة، وهما مسؤول البريكست ديفيد ديفيس، ووزير الخارجية بوريس جونسون، اللذان أصرّا على أن اقتراح ماي يقتضي خروجًا اسميًا فحسب من الاتحاد الأوربي. وهو حل رأوا أنه قد يحرم بريطانيا من سيادتها. وأضافوا بأن الخروج الناعم يتعارض مع إرادة الأمة المعبر عنها في الاستفتاء عام 2016. وأدى هذا في النهاية إلى تقويض حكومة ماي.

الخروج الكبير: قصة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوربي (الحلقة الأولى)

أهمية قصوى

تمثل الطريقة التي تعتزم المملكة المتحدة اعتمادها في مغادرة الاتحاد الأوربي أهمية جيوسياسية قصوى لمستقبل أوربا:

  • سوف تؤثر طريقة الخروج تأثيراً كبيراً على علاقة لندن الاستراتيجية بواشنطن التي يمكن أن تتطور إلى حد كبير في حالة خروج بريطانيا بطريقة حاسمة، بينما سيترك خيار الخروج الناعم لندن داخل حلقة التأثير الاستراتيجي لكل من برلين وباريس.
  • ستحدد طريقة الخروج الدور المستقبلي الذي يريده البريطانيون لأنفسهم، فهل سيكتفون بنموذج النرويج التي تستفيد من التبادل الاقتصادي مع الاتحاد الأوربي في حين لا تطمح إلى أن تصبح قوة إقليمية، أم توظف لندن قوتها الاقتصادية لتكون قوة رائدة في المنطقة؟
  • ستحدد طريقة الخروج ما إذا كانت ستقوّي الاتحاد الأوربي والقيادة الفرنسية الألمانية أم إنها ستقوضهما. ففي سيناريو الخروج الناعم الذي ترغب به بروكسل سيتم تمهيد الطريق لألمانيا وفرنسا لمعالجة الأزمة، بينما في حالة تحقق سيناريو الخروج الحاسم فإنه سيوجّه ضربة مدمرة للاتحاد على المستوى الاقتصادي والقوة الجيوسياسية.
  • في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تفاوض الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة حول مشروع اتفاقية الانسحاب المكونة من 600 صفحة. تعرضت الوثيقة لانتقادات حادة في بريطانيا، مما أدى إلى عدة استقالات في حكومة تيريزا ماي. في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رفض البرلمان البريطاني الصفقة بأغلبية ساحقة بواقع (432 صوتا مقابل 202).
  • بموجب اتفاق تم تبنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني، اضطرت المملكة المتحدة إلى الاعتراف بقوانين الاتحاد الأوربي في مجالات السوق الداخلية، والتي تشمل: البيئة، والرعاية الاجتماعية، والدعم المقدم من الدولة، والمنافسة والضرائب، مع عدم حق الملكة المتحدة في تعديلها. إضافة إلى أن لندن بحاجة إلى الاعتراف بدور محكمة العدل الأوربية التي لا تزال تتمتع بسلطة قانونية مباشرة، والتي تمثل حتى الآن شوكة في حلق مؤيدي الخروج. والأهم من هذا أنه لا يمكن للمملكة المتحدة أن تنسحب من هذا التفاهم بشكل أحادي، مما يعني أن عقد أي اتفاق آخر في المستقبل سيكون غالبا أقل مراعاة لمصلحة البريطانيين.
  • علاوة على ذلك، لن تتمتع لندن بحرية الدخول في اتفاقيات تجارية مع دول أخرى، وهذا يشمل الولايات المتحدة، باستثناء مجالي الاستثمار والخدمات اللذين لم تتم تغطيتهما في اتفاقية الجمارك للاتحاد الأوربي. وفي المقابل، فإن لندن ملزمة بشكل غير متماثل بجميع الصفقات التجارية المبرمة مع أي دولة ثالثة، بحيث يجب أن تطلب من الاتحاد الأوربي أن يكون وسيطا. وهذا يعني أن دول أوربا تستطيع الاستفادة من هذه الاتفاقية بحيث تتدخل في الصفقات التي تعقد على الأرض البريطانية، بينما لا يستفيد البريطانيون من الصفقات التي تتم داخل دول الاتحاد.

يمكننا القول بأنه مع تعنّت بروكسل في مفاوضاتها مع المملكة المتحدة، فإن سيناريو الخروج الحاسم من الاتحاد الأوربي هو الطريق الأقرب لمصلحة البريطانيين.

المصدر : الجزيرة مباشر