الخروج الكبير: قصة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوربي (الحلقة الأولى)

علم بريطانيا وعلم الاتحاد الأوربي

لا شك أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، والذي يشار إليه عادة باسم بريكست، سيكون له عواقب جيوسياسية بعيدة المدى على كل من المملكة المتحدة والمجتمع الأوربي بأسره.

هذا ما يقوله المتخصصون، ولكن المتابع لمواقع الأخبار يحتاج إلى لغة قريبة تشرح له ما يتردد على سمعه يوميًا بدون أن يدرك تفاصيله. فما هو البريكست؟ ولماذا حصل؟ وما هي المفاوضات التي تمت بين الاتحاد الأوربي وبريطانيا؟ وما شأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بقرارٍ اتخذه أغلبية البريطانيين؟ وما الذي سينتج عن هذا الخروج بعد حدوثه؟ سنشرح كل هذا على ثلاث حلقات.

عند تحليل الأسباب التي دفعت لقرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوربي، ينبغي مراعاة العوامل الجيوسياسية، وهي كلمة تعني وصف تأثير الجغرافيا على السياسة، أي تقاطع موقع الدولة وطبيعتها مع القرارات السياسية التي تتخذها والعلاقات التي تربطها بغيرها من الدول.

أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي

أدّى التصويت الذي أجراه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ديفيد كاميرون في عام 2016، إلى قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وكان هذا بسبب أن المفاوضات بين بريطانيا وبروكسل لم تتمخض عن نتائج وامتيازات مرضية كانت تطالب بها بريطانيا قبل طرح التصويت.

بيد أن أكثر الأسباب جذرية وعمقًا في قرار الانسحاب، كانت ذات طبيعية جيوسياسية. فجميع الدول تسعى إلى تعزيز موقعها في العلاقات الدولية، وبريطانيا كانت ترى أن في استمرارية بقائها في الاتحاد الأوربي تنازلًا عن بعض سيادتها أمام الدول الأكثر سيطرة على صناعة القوانين الحاكمة للاتحاد، وهما في هذه الحالة: ألمانيا وفرنسا.

كل ما عليك معرفته عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي

نأت المملكة المتحدة بنفسها منذ البداية عن الاندماج الكامل في هياكل الاتحاد الأوربي. وكان هذا معبّرًا عن عدم رضا لندن عن قوانين الدمج، التي كانت ترى أنها تجرد المجتمعات الوطنية الديمقراطية من سلطتها وتحولها إلى المؤسسات الأوربية. بالنسبة للبريطانيين، كان من الأهمية بمكان مقاومة استيلاء كل من المفوضية الأوربية ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوربي على هذه السلطات وتحييد أجهزتها الوطنية. كما رأت لندن أيضًا أن هيئات الاتحاد الأوربي قد أخذت تتصرف أحيانًا إلى حد يخرج عن نطاق اختصاصها المنصوص عليه في المعاهدات الأوربية، وأصبحت تشكل نوعًا من العدوان الأوربي على المجتمعات الوطنية.

أدركت لندن أن هذا السلوك غير ديمقراطي، ورأت أنه يفرض في نهاية المطاف قيودًا على سيادة البلاد. أضف إلى ذلك أن رغبة البريطانيين في المغادرة ازدادت بعد ارتفاع عدد قرارات الاتحاد الأوربي التي يتم اعتمادها بتصويت الأغلبية. وهي قرارات لا يمكن للمملكة المتحدة أن تتحكم في إقرارها إلا بشكل جزئي، كما أنها تحاول بذل قصارى جهدها لصياغتها وفقًا لمصالحها، ولكن دون جدوى.

نتيجة لذلك، احتاجت المملكة المتحدة إلى مواجهة تهديدين جيوسياسيين:

  • القيود المتزايدة على سيادتها من المفوضية الأوربية ومحكمة العدل.
  • الدور الرائد لكل من ألمانيا وفرنسا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الأوربية وعمليات الدمج.

وبالتالي أصبحت المملكة المتحدة في سنواتها الأخيرة في الاتحاد الأوربي مجبرة بشكل متزايد على عرقلة السياسات الأوربية، وهي ظاهرة يشار إليها باسم “القيادة السلبية”.

وتعتبر مسألة الهجرة مثال على عمليات الدمج التي قاومتها المملكة المتحدة. فقد دفع التدفق الهائل للمهاجرين من الجزء الشرقي من الاتحاد الأوربي السلطات البريطانية إلى بذل الجهود للحد من حرية الحركة العمالية بين الدول الأوربية ومنع مواطني الاتحاد الأوربي من استغلال نظام الرعاية الاجتماعي الذي توفره بريطانيا. ولكن الاتحاد تجاهل هذه الشكوى. وجاء الاستفتاء البريطاني في الوقت الذي كانت تعاني فيه بريطانيا من تدفق المهاجرين غير الأوربيين إلى أراضيها، بسبب سياسات ألمانيا المتسامحة في ملف الهجرة واستقبال اللاجئين.

ويقول آلان فينكيل كروت، وهو مفكر فرنسي بارز “لو لم تسمح أنغيلا ميركل بإدخال مليون مهاجر إلى ألمانيا في عام 2015، لما كانت بريطانيا قد اضطرت لاختيار بريكست”. لقد بدأت المملكة المتحدة تنظر إلى الاتحاد الأوربي على أنه عنصر مزعزع لاستقرارها، حيث يحملها على تكبد المزيد من التكاليف مع تقديم القليل من الفوائد لمواطنيها، أو على الأقل عدم العدل في توزيع للتكاليف بين الدول الأعضاء، مما يؤدي إلى تصاعد حالة عدم الرضا لعدد متزايد من البريطانيين.

وتكمن المشكلة الأساسية في بريكست في أن طلاق بريطانيا مع الاتحاد لن يحل جميع المشاكل ولن يمنع المجتمع البريطاني من التعامل مع عمليات الدمج الاجتماعي للاجئين بطريقة سلبية. لقد كشف بريكست لكثير من النخب ومواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي عن المشكلات التي تعاني منها القارة العجوز، بينما عبر عدد متزايد من الدول القارية عن موقف مماثل لموقف بريطانيا لعمليات دمج اللاجئين والمهاجرين.

ستبقى جميع المخاوف والمشاكل التي واجهها مواطنو المملكة المتحدة سارية داخل الاتحاد الأوربي وستصيب مع مرور الزمن دولًا أوربية أخرى ما لم يتم معالجة هذه المعضلات من قبل الاتحاد.

المصدر : الجزيرة مباشر