الجغرافيا السياسية والاستراتيجية الروسية (الأخيرة)

في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسلة الجغرافيا السياسية الروسية واستراتيجيتها سنسلط الضوء على الأسباب التي دفعت روسيا إلى التدخل في سوريا ودعم نظام بشار الأسد.

احتواء الوضع الأمني ورعاية المصالح الروسية

يشير البعض إلى عدد من العوامل لشرح السلوك الروسي في الثورة السورية.

  • تدور هذه العوامل عمومًا حول مجموعة من المشكلات الأمنية، مثل احتواء الآثار غير المباشرة الناتجة عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز تدابير مكافحة الإرهاب.
  • لكن هذا التبرير إشكالي؛ فالمشاركة العسكرية قد تزيد، بدلاً من التقليل، من التعرض للانتقام من المسلحين.
  • مع ذلك، فقد أجرت روسيا عملية حسابية واضحة وبسيطة ورأت أنه مع وجود مجموعات قتالية مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا، سيكونون هم المستفيدين الرئيسيين في حالة سقوط نظام الأسد.
  • علاوة على ذلك قد يشجع ذلك المسلحين في روسيا كما حصل وأعلن تنظيم الدولة عن هجوم في روسيا في أغسطس/ آب 2017.
  • كما يشمل مبرر “حماية المصالح الروسية” التعويض عن العقوبات وانخفاض سعر النفط الدولي.
بسط النفوذ الروسي في المنطقة
  • لقد كان هدف روسيا من نشر نظام الدفاع الصاروخي S-300 في سوريا في عام 2016، هو ردع المتدخلين المحتملين الآخرين.
  • مما يؤكد على تأثير هذه الخطوة الروسية قيام واشنطن بتعليق المحادثات مع موسكو.
  • تتركز التفسيرات السياسية للتدخل الروسي في سوريا بشكل أولي؛ في سعي روسيا لاكتساب نفوذ دولي، خاصة أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.
  • وعليه، فإن هذا الهدف سيكون فاعلًا طالما كان الرئيس بوتين “يسيطر” على الوضع في سوريا – وهو أمر صعب على نحو متزايد وسط صعوبات اقتصادية جديدة.
عدم الثقة بالأوربيين
  • كان لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرة لمجموعة اتصال جديدة في سوريا، لكن تجربة الاتحاد الأوربي في العراق وليبيا ليست نموذجًا جيدًا ومغريًا بالنسبة لروسيا للبناء عليه.
الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار
  •  تسعى روسيا وإيران، بالإضافة إلى الصين لمناقشة مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وبصورة أساسية البنية التحتية والحدائق الصناعية.
  • يمكن لروسيا، شريطة أن تسير الأمور كما هو مخطط لها، أن تؤكد انتشارها العالمي لمرة أخرى والانخراط في دبلوماسية رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة. كما أن التدخل يسعى لتلبية المطالب الناشئة من قطاع الصناعة العسكرية في روسيا.
العمل على إنشاء محور موازٍ للولايات المتحدة
  • يمكن لاستعادة مكانتها كقوة عالمية من خلال التدخل في سوريا أن يساعد روسيا على إثبات قيمتها للصين كشريك استراتيجي.
  • في حين أن هذا الدافع، مثل غيره من الدوافع غير المقنعة للجمهور، إلا أنه منطقي وواقعي في السياسة العالمية.
  • أضف إلى ذلك أن التدخل الروسي من شأنه أن يؤخر دخول الصين إلى الشرق الأوسط كمنافس محتمل، وهذا يعزز النفوذ الروسي.
تأمين الوصول إلى المياه الدافئة
  • لا يمكن كذلك إغفال الدافع الروسي للوصول إلى موانئ المياه الدافئة خارج الاتحاد السوفيتي السابق.
  • عززت طرطوس السورية موقع روسيا الجغرافي الاستراتيجي. من خلال تأمين عقد إيجار مدته 49 عامًا على الميناء والذي يمكن تجديده تلقائيًا لمدة 25 عامًا وبذلك رعى الرئيس بوتين مصالح البحرية الروسية. كما تم تقديم التزام طويل الأجل مماثل في قاعدة حميميم العسكرية.
الخوف من عودة القتاليين إلى روسيا
  • القرب عامل مهم في موقف روسيا من قضايا الشرق الأوسط؛ فالمسافة من الموصل في العراق إلى غروزني في الشيشان حوالي 600 ميل، ومن سوتشي إلى طرطوس في سوريا حوالي 800 ميل.
  • لذلك، فإن إغلاق روسيا لحدودها ضد الجهاديين العائدين وتعزيز الأمن القومي يمكن اعتباره قوة دافعة رئيسية للانخراط الروسي في الصراع السوري.
  • مع ذلك، فقد شكل الجهاديون العائدون إلى منطقة شمال القوقاز، في عام 2014، 8 % من العدد الإجمالي لمقاتلي تنظيم الدولة.
  • لقد جاء المقاتلون من الشيشان وداغستان وكاراتشاي-شركيسيا. وهذه المناطق كانت قد طالبت بالاستقلال في الماضي واستضافت مقاتلين يشتبه في قيامهم بهجمات ضد الدولة.
  • التوترات المستمرة تجعل التطرف أكثر تهديداً لروسيا لا سيما من شمال القوقاز وجمهوريتي تتارستان وباشكورتوستان وآسيا الوسطى. وتفجير ماراثون بوسطن في أبريل/ نيسان 2013 من قبل اثنين من الشيشان أكد على هذه الحساسية.
  • كان عدد المقاتلين الذين يسافرون إلى سوريا عمومًا بالمئات، وقد ارتفع عددهم وبشكل مطرد من منتصف عام 2013 ليصل إلى 2900 مقاتل بحلول ديسمبر/ كانون أول 2015.
  • يعزى هذا العدد إلى صعود تنظيم الدولة في ذلك الوقت.
  • يمكن أن يكون العدد الإجمالي للمقاتلين من روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في أي مكان من 5000 إلى 7000 مقاتل.
  • تأتي روسيا في المرتبة الثالثة بعد تونس والمملكة العربية السعودية كمصدّر للمقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيم الدولة.
المصدر : الجزيرة مباشر