التاريخ السري لتصنيع أسلحة إسرائيل النووية.. من هو الممول؟

مفاعل ديمونة الإسرائيلي في النقب- أرشيفية

رغم عدم اعتراف إسرائيل رسمياً بامتلاكها ترسانة نووية، إلا أن العالم متأكد من وجودها، وبينما دعمت فرنسا إنشاء هذه الترسانة، إلا أنها واجهت معارضة من رئيسين أمريكيين سابقين.

من أين جاء التمويل؟
  • برنامج إسرائيل النووي، لقى كذلك معارضة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون، ولكن بصورة أقل.
  • أمّا عن تمويل البرنامج النووي لإسرائيل، فقد تلقته الحكومة الإسرائيلية من أمريكا عبر مواطنين أمريكيين، وذلك بعد أن قاد الأمريكي اليهودي، أبراهام فاينبرغ، جهود حملة تمويل برنامج الأسلحة الإسرائيلية النووية.
  • يعد أبراهام فاينبرغ، أحد أبرز رجال الأعمال في نيويورك، كما أنه كان زعيمًا يهوديًا تربطه علاقة وثيقة بالحزب الديمقراطي الأمريكي، فقد كان مستشارًا غير رسمي لكل من الرئيسين جون كنيدي وليندون جونسون.
بداية الاهتمام الإسرائيلي بالأسلحة النووية
  • يعد تأسيس اليهود لكيان لهم على الأراضي الفلسطينية، عام 1948، سببًا رئيسيًا في اهتمامهم بامتلاك أسلحة نووية.
  • بقي شبح “الهولوكوست ونظرة العرب” تجاه قيام كيان صهيوني، يطارد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، ما دفعه إلى رؤية الأسلحة النووية كخيار لضمان إسرائيل بقاء كيانها في حال بناء العرب لجيوش تتفوق عليها من حيث العدد والإمكانيات المادية.
  • المشكلة التي واجهها بن غوريون وأقرب مستشاريه كانت تتمثل بعدم امتلاك الكيان الصهيوني آنذاك، إلى الإمكانيات المادية والتكنولوجية اللازمة لتصنيع أسلحة نووية.
  • تعلّق حينها أمل الإسرائيليين على إيجاد عرّاب أجنبي يتولى مهمة تمويل البرنامج الإسرائيلي النووي، وكانت الظروف التي توفرت حين ذاك، مواتية لتحصل إسرائيل على الدعم المالي اللازم.
العدوان الثلاثي على مصر والتعاون الفرنسي-الإسرائيلي النووي
  • في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، واجه الاستعمار الفرنسي مصاعب كبرى في الجزائر -التي كانت تعتبرها فرنسا جزءا منها وليس مستعمرة من مستعمراتها الأفريقية- بسبب دعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر للحركات الثورية في الجزائر.
  • هذا الدعم، دفع باريس إلى طلب مساعدة إسرائيل في توفير معلومات استخباراتيه خاصة، وذلك على أن توفر فرنسا للكيان الصهيوني أسلحة فرنسية تقليدية.
  • تحول هذا التعاون بين إسرائيل وفرنسا إلى تعاون نووي عام 1956، عندما طلبت كل من بريطانيا وفرنسا من إسرائيل الانضمام إليهم في حملتهم العسكرية ضد مصر لحل “أزمة قناة السويس” وهي الحملة التي عُرفت فيما بعد باسم العدوان الثلاثي.
  • موافقة فرنسا على تزويد إسرائيل بمفاعل أبحاث صغير مماثل لمفاعل (إي.إل-3 ) الذي بنته فرنسا في ساكلاي، جعل بن غورين يتخلى عن تحفظاته الكبيرة تجاه مشاركة إسرائيل لفرنسا وبريطانيا في عدوانهم على مصر.
  • تهديد كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لفرنسا وبريطانيا وإسرائيل بطرق مختلفة، دفع هذه الدول الثلاث إلى التفكير بالانسحاب، في حين لم تستطع فرنسا، حماية إسرائيل من تهديدات القوى العظمى، وطالبت إسرائيل فرنسا بتعزيز التعاون النووي بينهم، قبل الموافقة على الانسحاب.
  • وافقت فرنسا، من جهتها، على تزويد إسرائيل بمفاعل أكبر بكثير لإنتاج البلوتونيوم في ديمونا، وبيورانيوم طبيعي كوقودٍ للمفاعل، وبمحطة تخصيب، وبمعنى آخر، وافقت فرنسا على تزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه لصنع قنبلة نووية باستثناء الماء الثقيل.
  • تقديم فرنسا لإٍسرائيل هذا القدر الهائل من التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية، لم يحدث لا قبل ذلك ولا بعده بين أي دولتين.
إسرائيل عملت بكل قوة لإنشاء برنامجها النووي
رحلة البحث عن ممول للصفقة النووية الفرنسية
  • مع كل هذا، لم تكن إسرائيل حينها قد قطعت سوى نصف الطريق لبناء برنامجها النووي، فقد كان على بن غوريون أن يجد ممولًا لصفقة إسرائيل النووية مع فرنسا.
  • في عام 1960، دفعت إسرائيل على الأرجح لفرنسا ما بين 80 مليون دولار ومئة مليون دولار، إلا أن التكلفة الحقيقية للمنشآت النووية في ديمونا مازالت غير معروفة حتى اللحظة.
  • يعتبر دفع مبلغ كهذا، أمر مكلف لإسرائيل حينها، خاصة وأن بن غوريون لم يكن حينها يستطيع استخدام أموال ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية لتمويل مشروعه النووي.
  • خوف بن غوريون تحسبا من قلب الجنرالات الطاولة عليه، لا سيما وأن الجيش الإسرائيلي كان مقتنعًا بضرورة بناء قوةِ تقليدية قادرة على مواجهة وهزيمة الجيوش العربية.
  • بدلًا من اللجوء إلى ميزانية وزارة الدفاع، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إنشاء صندوق خاص لتمويل الصفقة النووية مع فرنسا.
  • في كتابه (القنبلة في القبو) وهو كتاب يوثق تاريخ برنامج إسرائيل النووي، يقول مايكل كاربين، إن بن غوريون طلب من فريق عمله أن يقوم بكل بساطة بالاتصال بـ “آبي” في إشارة منه إلى أبراهام فاينبرغ. 
فاينبرغ.. تاريخ طويل في تمويل الحركات اليهودية
  • كان أبراهام فاينبرغ قد قاد حملات تبرع نقدية لمساعدة يهود أوربا على الهجرة إلى فلسطين، قبل دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية.
  • بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، زار فاينبرغ، مثله مثل بن غوريون، معسكرات الاعتقال النازية والأماكن التي جرى فيها ما أسماه اليهود “الهولوكوست”. 
  • كما أنه ساعد في تهريب اليهود الناجين من “الهولوكوست” إلى فلسطين في الوقت الذي فرضت فيه بريطانيا حصارا لمنع الهجرة اليهودية غير الشرعية.
  • أقام فاينبرغ خلال هذه الفترة العديد من العلاقات مع عدد من الشخصيات اليهودية، التي أصبحت فيما بعد قادة كبار، في الحكومة الإسرائيلية.
  • ضغط فاينبرغ على الرئيس الأمريكي هاري ترومان للاعتراف بالكيان الصهيوني بمجرد إعلان الإسرائيليين “استقلالهم”.
  • في المقابل، ساعد فاينبرغ، الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان في حملة إعادة انتخابه، من خلال جمع أموال للحملة الانتخابية.
تمويل الصفقة النووية مع فرنسا
  • كان من الطبيعي أن يلجأ بن غوريون في أكتوبر 1958 إلى فاينبرغ للحصول على التمويل اللازم لصفقة ديمونا، وفي الواقع، لم تكن هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها بن غوريون إلى زعماء يهود أمريكيين لجمع الأموال لصالح إسرائيل.
  • سبق وأن ذهب بن غوريون إلى نيويورك، وبالتحديد عام 1945 -أي قبل إقامة الكيان الصهيوني بثلاثة أعوام- لجمع أموال بغية شراء أسلحة لليهود في فلسطين.
  • نجحت مهمة بن غورين في تجميع الأموال لصالح شراء الأسلحة لليهود، وورد في الوثائق السرية الخاصة بالكيان المستقبلي، أنه تم إعطاء الـ17 متبرعا أمريكيا من أصحاب الملايين، اسمًا حركيًا (معهد السونبون) على اسم المليونير الأمريكي اليهودي رودلف سونبون. 
  • بعدها بعدة سنوات، بلغت مساهمة هؤلاء المتبرعين لشراء الذخائر والآلات ومعدات المستشفيات والأدوية والسفن لنقل اللاجئين إلى فلسطين، ملايين الدولارات.
  • كان فاينبرغ أحد أعضاء (معهد السونبون) الـ17، حيث توجه إليهم وإلى العديد من القادة اليهود في أمريكا الشمالية وأوربا، من أجل جمع الأموال لتمويل مشروع ديمونا النووي، بعد طلب بن غوريون مساعدته، عام 1958.
  • حققت حملة فاينبرغ نجاحًا كبيرًا، مرة أُخرى، فيقول كاربين “بدأت حملة جمع الأموال السرية في نهاية عام 1958، واستمرت لمدة عامين، حيث ساهم حوالي 25 مليونيرا في جمع حوالي 40 مليون دولار”.
فاينبرغ.. نجاح المشروع النووي الإسرائيلي
  • يقول كاربين”لم يبرم بن غوريون الصفقة النووية مع فرنسا، إلا لأنه كان متأكدا من قدرة فاينبرغ على الجمع من يهود العالم المبلغ اللازم لتمويل هذا المشروع، إذ  لم يكن بإمكان إسرائيل في الخمسينات والستينات من القرن الماضي أن تمول وتشيد مشروعا متقدما تكنولوجيا مثل ديمونا، من ميزانيتها الخاصة، وكان لا بد من وجود ممول خاص للمشروع النووي الإسرائيلي.
  • لم تكن هذه آخر محطة في نسج فاينبرغ لعلاقات وطيدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فقد أصبح مستشارًا غير رسمي لكل من جون كنيدي وليندون جونسون، بعد أن استعاد الديمقراطيون سيطرتهم على البيت الأبيض في انتخابات عام 1960، حيث قاد جهود إقناع بن غوريون بالسماح للأمريكيين بتفتيش مفاعل ديمونا النووي.
المصدر : الجزيرة مباشر