اعتقالات وتصفيات.. ما الذي يحدث داخل الجيش السوداني؟

المجلس العسكري الانتقالي في السودان

طرح كشف المجلس العسكري الانتقالي في السودان، عن إفشال مخطط انقلاب عسكري أسئلة عما يدور داخل المؤسسة العسكرية السودانية منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان الماضي.

المجلس يعلن إحباط محاولة انقلابية 

أزاح المجلس العسكري الانتقالي مساء الأربعاء الستار عن تفاصيل جديدة عن محاولات انقلابية عديدة جرى التخطيط لها.

الناطق الرسمي باسم المجلس الفريق ركن شمس الدين كباشي قال إن مجموعتين انقلابيتين واحدة مكونة من خمسة أشخاص وأخرى مكونة من 12 شخصا، وأن مجموعة منهما تتبع للنظام البائد، وأخرى بمشاركة بعض قوى إعلان الحرية والتغيير.

رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان
أبرز المعتقلين  

بحسب تسريبات المجلس العسكري الانتقالي، فان الاعتقالات طالت عددا من الأسماء، أبرزها اللواء عبد الغني الماحي محمد صالح، ويعتبر أعلى الضباط رتبة في المجموعة المتهمة بالتخطيط لانقلاب عسكري.

وحصل موقع الجزيرة مباشر على معلومات تفيد بأن اللواء الماحي هو ابن عم مدير الأمن والمخابرات السابق الفريق صلاح قوش.

تخرج الماحي من الكلية الحربية الدفعة 43، وعمل بالجيش ثم انتدب لجهاز الأمن الوطني في مطلع تسعينات القرن الماضي، وكان الماحي يعمل حتى لحظة اعتقاله مديرا لفرعية الأمن الخاص بوحدة الأمن الذاتي بجهاز المخابرات، ويعرف عنه أنه ذو انتماء للحركة الإسلامية السودانية.

مصدر عسكري قال للجزيرة مباشر إن المجموعة التي اعتقلت أبدت تذمرا واضحاً في الفترة الماضية على عدد من قرارات المجلس العسكري الانتقالي، أبرز اعتراضاتها على إحالة عدد من ضابط الجيش والأمن للمعاش.

المصدر أضاف أن هذه الاعتراضات هي التي جعلت المجلس العسكري الانتقالي يعتقلهم احترازيا خوفاً من قيامهم بانقلاب عسكري.

الفريق أول محمد حمدان دلقو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي
اتهام بالانقلاب 

أشيع على نطاق واسع أن المجموعة التي تم اعتقالها بقيادة اللواء عبد الغني الماحي، والعقيد ياسر الطيب كانت مدعومة من الإسلاميين في السودان بغرض الانقضاض على السلطة، إلا أن الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يوسف عبد المنان له رأي آخر إذ يرى أن المجموعة التي اعتقلت ربما لم يكون في نيتها الانقلاب العسكري، وأنها كانت تقوم باجتماعات أولية، وتخطط لأمر ما، لذا تم اعتقالهم. 

وأضاف عبد المنان لموقع الجزيرة مباشر أن الإسلاميين في السودان قدموا نقداً ذاتيا لتجربة انقلابهم على السلطة في يوليو/ تموز1989م، مشيرا إلى أنهم لن يقدموا على حماقات أخرى بقيادة انقلاب جديد.

وأشار إلى أنه ربما لبعض الضباط المعتقلين انتماء للحركة الإسلامية إلا أنهم لا يمثلون الإسلاميين، وأن تحركاتهم تأتي من منطلقات ذاتية.

بيئة خصبة 

أما الخبير الأمني اللواء عبد الهادي عبد الباسط، فيقول إن الخطوة ربما جاءت بسبب رصد استخبارات الجيش السوداني لنشاط المجموعة المعتقلة. 

وأضاف عبد الهادي أن الاجتماعات السرية لأفراد القوات المسلحة تعتبر نوعا من التخطيط للانقلاب، لذا سرعة اعتقال المجلس للعسكري لعدد من الضباط تحوم حولهم شبهات التخطيط لانقلاب عسكري.

ويرى اللواء عبد الهادي أن البيئة مهيأة للقيام بانقلاب عسكري من قبل أي مجموعة مغامرة من ضباط الجيش السوداني، مشيرا إلى أن الخلافات بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير خلقت سيولة أمنية، ربما تدفع عددا من ضابط الجيش للتفكير في الانقضاض على السلطة. 

بالمقابل يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يوسف عبد المنان إن المناخ غير مناسب للانقلاب العسكري وإن المجلس العسكري يحظى بقبول كبير داخل القوات المسلحة وإن التنظيم اليساري الموجود داخل الجيش ليس له عداء مع المجلس العسكري.

وزير الدفاع السوداني السابق عوض بن عوف(يمين) ورئيس الأركان السابق كمال عبد المعروف
ملاحقة الإسلاميين

مع مغادرة الفريق أول كمال عبد المعروف الماحي، رئاسة هيئة أركان القوات المسلحة السودانية عقب استقالة الفريق أول ركن عوض بن عوف عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي في 12 أبريل/ نيسان الماضي، بدأت حملة شبه منظمة لضرب عناصر الإسلاميين داخل القوات المسلحة، من خلال إحالاتهم للمعاش الإجباري واعتقال عدد منهم.
وأحال الجيش عددا من الضابط البارزين المحسوبين على الإسلاميين للتقاعد، أبرزهم الفريق محمد عثمان الأغبش مسؤول التوجيه المعنوي والخدمات بالقوات المسلحة، والناطق الرسمي السابق بالقوات المسلحة السودانية العميد الصوارمي خالد.
كما زادت المضايقات على عناصر الإسلاميين داخل الجيش بعد استقالة ثلاثة أعضاء محسوبين عليهم من المجلس العسكري هم الفريق أول عمر زين العابدين، والفريق جلال الشيخ، والفريق أول شرطة الطيب بابكر.
كما إن الفريق أول مصطفى محمد مصطفى دفع باستقالته من المجلس العسكري.
وبحسب مصدر أمني رفض ذكر أسمه تحدث لموقع الجزيرة مباشر، فإن الخلافات توسعت بين الفريق مصطفى محمد والفريق أول محمد حمدان حميدتي؛ فاضطر لمغادرة موقعه كرئيس للجنة الأمنية بالمجلس العسكري.
وكان الفريق مصطفى يعمل مديرا لاستخبارات القوات المسلحة حتى لحظة سقوط الرئيس المعزول عمر البشير. 
وبحسب المعلومات التي تحصلت عليها الجزيرة مباشر فإن الفريق أول محمد عثمان الأغبش والفريق أول ركن مصطفي محمد مصطفى هما المسؤولان عن الوحدة التنظيمية الخاصة بالحركة الإسلامية داخل الجيش السوداني. 
لم تقف الإحالات إلى المعاش التي نفذها المجلس العسكري الانتقالي بحق الضباط المحسوبين على الإسلاميين عند هذا الحد؛ بل قام المجلس بإعفاء عدد من ضباط جهاز الأمن والمخابرات حيث أحيل للمعاش العميد محمد حامد تبيدي مدير إدارة الاعلام بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي يعد من أبرز الوجوه التابعة للنظام السابق بجهاز الأمن والمخابرات وتربطه علاقة مصاهرة بالرئيس المعزول عمر البشير.

وجود راسخ 

تغلغل الإسلاميين داخل مفاصل المؤسسة العسكرية لم يكن وليد عهد بالانقاذ، حيث قال الأب التاريخي للحركة الإسلامية السودانية الراحل د. حسن الترابي في تصريحات إعلامية سابقة، إنهم أدخلوا عناصرهم في الجيش السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، وإنهم اسسوا تنظيما أمنياً خاصاً فاقت مقدراته وقوته مقدرات جهاز الأمن الوطني في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري وبلغ التنظيم الخاص ذروة قوته بعد نجاحه في التخطيط والتأمين للانقلاب الذي نفذته الجبهة الإسلامية القومية في يوليو1989م وظل حاكماً حتى أبريل 2019.
وعرف تنظيم الإسلاميين الأمني اصطلاحاً بالأمن الشعبي وهو التنظيم الذي تحول للعمل في الخفاء بعد سقوط البشير، وتفرغ لإعادة ترتيب صفوف الإسلاميين في الفترة القادمة، وبطريقة يصعب فيها ملاحقة عناصره. 

الفريق أول ركن عمر زين العابدين
خلفيات:

عقب سقوط الرئيس المعزول عمر البشير، أعلنت القوات المسلحة السودانية عن تشكيل مجلس عسكري انتقالي، أسندت رئاسته للفريق أول ركن ووزير الدفاع وقتها عوض ابن عوف، وعضوية نائب مدير الأمن والمخابرات الوطني الفريق جلال الشيخ وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو حميدتي، الذي اعتذر لاحقاً عن العمل مع ابن عوف.
وضم المجلس الذي ترأسه ابن عوف في تكوينه عددا من الأسماء، أبرزها الفريق أول ركن عمر زين العابدين الذي أسندت إليه رئاسة اللجنة السياسية، والفريق جلال الشيخ، والفريق شرطة الطيب بابكر، والفريق ركن مصطفى محمد مصطفى.
لكن بعد يوم واحد من سقوط البشير تنحى ابن عوف وصعد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، وبدأت موجة من الاستقالات داخل المجلس العسكري حيث غادر كل من جلال الشيخ وعمر زين العابدين والطيب بابكر ومصطفى محمد مصطفى عضوية المجلس العسكري الانتقالي، ولم يتبقَ من الوجوه البارز بالمجلس غير رئيسه البرهان ونائبه حميدتي.
رويداً رويداً بدأ المجلس العسكري الانتقالي، ينحو صوب تمكين نفسه، وتعيين ضباط من الموالين له حيث عين أكثر من شخص، مثل الفريق ركن جمال عمر في عضوية المجلس العسكري الانتقالي، الذي يعرف بولائه للفريق أول حميدتي.
كما بدأت موجة إحالات للمعاش شملت ضباطا بارزين في الجيش والشرطة والأمن، يقال إنهم من الموالين لتنظيم الحركة الإسلامية بالسودان.
هذه الخطوات خلقت موجة من الغضب في أوساط ضباط القوات المسلحة، ظهرت في حملة اعتقالات اشتملت على أكثر من 60 ضابطاً بالقوات النظامية قال المجلس العسكري إنهم كانوا يخططون للقيام بانقلاب عسكري.

المصدر : الجزيرة مباشر