إندبندنت: مشروع سد النهضة يعكس تراجع الدور المصري دوليًا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن مشروع سد النهضة الإثيوبي يعكس تخبطًا مصريًا في إدارة الأزمة، وسياسة خارجية عمدت إلى تقليل دور المساعدين المدنيين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

أبرز ما ورد في تقرير إندبندنت
  • هذا الأسبوع، هطلت أمطار غزيرة على مصر، وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر سيارات وأنفاق وطرق غمرتها المياه، وأصيبت الحياة المرورية في القاهرة بالشلل، وقضى 11 شخصًا في حوادث في أماكن مختلفة.
  • فشلت الحكومة المصرية تماما في احتواء الأمطار المتوقعة، وأماطت اللثام عن بنية تحتية متردية، وقيادة سياسية تمضي بلا رؤية استراتيجية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
  • تشي لافتات “مصر أولًا”، والمنتشرة على جانبي طرق القاهرة وجسورها الرئيسية، بعمق الأزمة التي تعيشها البلاد؛ فالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، زعيم شعبوي، يمضي في طريق انعزالي -على غرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب- ويهمل السياسة الخارجية جملةً وتفصيلا، ما نجم عنه تراجع الدور المصري تراجعًا بلغ حد الاختفاء من مسرح الأحداث العالمية.
  • يعد سد النهضة الإثيوبي أحد أبرز الأمثلة على هذا التراجع، ومؤشرًا لمدى تغوّل الجيش في مؤسسات الدولة، وتهميش مساعدي الرئيس والدبلوماسيين المدنيين، مقابل تصدر العسكريين المشهد، وما ترتب على ذلك من سوء إدارة أزمة السد الإثيوبي البالغة كلفته 5 مليارات دولار.
  • تشعر القاهرة بالقلق من توابع إنشاء سد النهضة -تجري أعمال الإنشاء فيه على قدم وساق- لما سيترتب عليه من تقليل حصة مصر المائية، لا سيَّما وأن حصتها شحيحة بالأساس، وتخطو باتجاه “ندرة المياه المطلقة” حسب شبكة سي إن إن. 
يمثل بناء سد النهضة الإثيوبي مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين ـ أرشيف

 

  • بعد سنوات من المحادثات الثلاثية، والتي ضمت القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، لم تسفر عن نتيجة ترضي القاهرة خصوصًا فيما يتعلق بشروط التشغيل والزمن المقترح لملء السد؛ فوفق الفاينانشيال تايمز تعتزم إثيوبيا إنجاز المهمة في أربع سنوات، بينما ترتأي الحكومة المصرية إطالة المدة حفاظًا على حصتها.
  • الآن، قررت واشنطن وموسكو التدخل وتنشيط وساطة بين طرفي أزمة سد النهضة، سارعت إدارة ترمب بدعوة الأطراف الثلاثة لاجتماع في واشنطن، ويبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قلق من اندلاع نزاع وشيك قد يهز القرن الأفريقي لسنوات.
  • في حالة فشل الوساطة، فإن احتمال المواجهة الحربية بين القاهرة وأديس أبابا لا مفر منه، ما يعرض حياة 215 مليون نسمة -سكان الدولتين مجتمعتين- لخطر جديد. 
  • لا ينبغي أن يكون هذا التصعيد المحتمل مفاجئًا؛ فالأسبوع الماضي حذر الفائز بجائزة نوبل ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، من أنه إذا دعت الحاجة لدخول حرب مع مصر حول مشروع السد؛ فإن بلاده “يمكن أن تحشد ملايين الناس”.
  • بالنسبة للمصريين، كان هذا الخطاب الإثيوبي الساخن لا يمكن تصوره قبل 10 سنوات. لقد حافظت مصر تاريخيًا على موقعها كقوة مخيفة في إفريقيا، وكان ينظر إلى القاهرة باعتبارها مجال نفوذ هائل والعمود الفقري لنفوذ القارة بأكملها في الشرق الأوسط. الآن مصر في عهد السيسي تبدو هزيلة المكانة بشكل متزايد.
  • يلقي الرئيس المصري باللوم على ثورة يناير 2011، وينسب إليها ضعف الدولة الواضح في أفريقيا والعالم. يقول إن الربيع العربي استنزف قوة مصر ومكانتها في الخارج، وشل قدرة ردها على التهديدات. لكن تسع سنوات تقريبًا قد مرت، ويبدو أن حكومة السيسي تستفيد من العيش في فترة من التوازن الوهمي، على الرغم من غرق أمتهم في الضعف وحتى الشلل بعد هطول الأمطار.
  • يكاد ينعدم دور الحكومة المصرية في الأحداث الجارية؛ فعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر، يشارك أقرب حلفاء مصر في الخليج في حرب باردة شرسة مع إيران، وحرب اليمن وأعمال الشغب المميتة في العراق. وعلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، تتعرض سوريا لحرب أهلية دموية وطويلة، وسط حضور تركي وإيراني وروسي وإسرائيلي. 
  • وفي بيروت، يمر لبنان بانتفاضة شعبية يمكن أن تغير النظام الإقليمي، ولا وجود للدور المصري في المنطقة، بل إنه لا يلوح أي دليل في الأفق على نجاح الجهود المصرية للإشراف على المصالحة بين حماس وفتح لإنهاء الصراع المستمر منذ 13 عامًا، ما يؤكد تقزّم الدور المصري في المنطقة.
  • يبدو المسؤولون المصريون مشغولين في مكان آخر. إنهم حريصون للغاية على دعم الجنرال الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، في حملته المطولة للاستيلاء على العاصمة طرابلس من خصومه الإسلاميين.
  • أما طرف النزاع الثاني على سد النهضة، إثيوبيا، فكانت تحركاتها مدروسة واستراتيجية؛ فبينما انشغلت القاهرة بإيجاد مخرج للرئيس السوداني السابق، عمر البشير، بعد الانتفاضة مطلع العام الجاري والتي أنهت حكمًا دام 30 عامًا، اكتسبت إثيوبيا تذكرة نفوذ مجانية في البلاد عبر التوسط في تسوية سياسية بين النشطاء العسكريين والمدنيين.
  • يعود الصراع والاستراتيجية في الشرق الأوسط بشكل متزايد إلى نقص المياه. كان نقص المياه النقية في المنطقة مصدر النزاع على مدار العقدين الماضيين. في العراق وسوريا، أدت موجة بناء السدود التركية على نهري دجلة والفرات إلى تعميق النقص في الموارد اللازمة لأي تنمية متوقعة ومستدامة في هذين البلدين، وتكثيف الهجرة الداخلية، ووضع الدولتين على مسار دموي للنزاع.
  • بعد اجتماع الأربعاء الماضي بين آبي أحمد والسيسي، ستستأنف المحادثات التقنية الشاقة التي استمرت لسنوات. لكسب مزيد من الوقت وإنهاء السد، تبدو إثيوبيا على استعداد لدخول مفاوضات مع القاهرة، ويبدو أن السيسي يتفقد الخيارات بشكل متزايد.
قام رئيس الوزراء الإثيوبي بدور الوسيط بين الفرقاء في السودان ـ أرشيف
  • إنها مسألة حياة أو موت للمصريين، إذ انخفض متوسط استهلاك الفرد من المياه في مصر إلى 500 متر مكعب في السنة، ومن المتوقع أن يكون للتداعيات المدمرة بعد بناء السد تأثير مضاعف على سكان مصر، الذين يزيد عددهم عن 100 مليون نسمة، بشكل خاص وعلى منطقة الشرق الأوسط ككل.
  • يبدو أن مصر في حاجة ماسة لإلغاء تأمين مجاري الصرف الصحي، إذا كانت ترغب في تجنب الجولة التالية من الأمطار الغزيرة. تشهد السياسة الخارجية المصرية مأزقًا منذ عقود، وتحتاج إلى إعادة بناء إذا أرادت أن تكسب النضال من أجل بقائها مع إثيوبيا، ويبدو أن السيسي لا يملك الحل.
المصدر : الإندبندنت