إغراق الجيش للسوق وكورونا يدمران صناعة الإسمنت في مصر

يصل حجم إنتاج مصر من الإسمنت حاليا، 73 مليون طن
افتتح الجيش أكبر مصنع إسمنت في العالم ببني سويف رغم وجود فائض في الإنتاج يقدر بـ 18 مليون طن

قبل اجتياح وباء كورونا دول العالم كانت صناعة الإسمنت بمصر، تعاني بالفعل خسائر فادحة جراء تخمة المعروض، ما أدى إلى إغلاق العديد من المصانع، وتسريح الآلاف من العمال.

لماذا يعاني القطاع؟

وصلت أزمة القطاع ذروتها في 2018 مع افتتاح الجيش المصري لمصنع الإسمنت في بني سويف بطاقة إنتاجية 13 مليون طن سنويا، بالرغم من وجود فائض في الإنتاج آنذاك، ومع وصول المصنع لأقصى طاقته الإنتاجية، سيستحوذ على 26% من سوق الأسمنت في مصر.

وكان 2019 عاما شاقا على صناعة الإسمنت بعد زيادة المعروض، وانخفض إجمالي حجم المبيعات بنسبة 0.8% على أساس سنوي، ليصل إلى 49.8 مليون طن في العام المالي 2019.

وانخفض الاستهلاك المحلي بنسبة 3.5% على أساس سنوي ليبلغ نحو 48.7 مليون طن، في حين بقيت الطاقة الإنتاجية للبلاد على حالها ما بين 80 إلى 85 مليون طن، ما أدى إلى اندلاع حرب أسعار، ودخلت الشركات في منافسة على الاحتفاظ بحصتها في السوق.

وشهدت أسعار الإسمنت انخفاضا من 850 جنيها للطن في بداية العام إلى 800 جنيه (51 دولارا) للطن في نهايته.

وأدت قرارات الحكومة بخفض الدعم على الطاقة ورفع أسعار الكهرباء إلى مزيد من الضغوط المالية على الشركات، وزيادة تكاليف الإنتاج بنسبة 11%.

ونتيجة لذلك تراجعت أرباح القطاع الخاص، إذ شهدت شركة “السويس للإسمنت”، اللاعب الأكبر في القطاع بحصة 13% من السوق، انخفاضا في صافي الأرباح بنسبة 10% على أساس سنوي، لتصل إلى 1.2 مليار جنيه (76 مليون دولار) في العام المالي 2019، فيما هبط صافي دخل شركة مصر بني سويف للإسمنت، المملوكة للدولة بنسبة 20%، بنسبة 66.8% على أساس سنوي ليبلغ 80 مليون جنيه (5.1 ملايين دولار).

ودفعت الخسائر شركات الوطنية للإسمنت، وإسمنت طرة، وإسمنت النهضة لإغلاق مصانعها.

ماذا سيحدث في 2020؟

يتوقع قادة القطاع أن تستمر المعاناة، بل ربما تزيد، وتوقع سيرجيو ألكانتاريا الرئيس التنفيذي للشركة العربية للإسمنت أن عام 2020 سيكون أسوأ من 2019، حيث المزيد من توقف الإنتاج والمزيد من هبوط الإيرادات، وبالطبع المزيد من حالات الإفلاس، مشيرا إلى أن 3 أو 4 شركات ستتوقف عن العمل قبل نهاية العام الحالي، بينما ستواصل الشركات الأقوى نزيف الأموال وتستمر إيراداتها في الانخفاض.

أما خوسيه ماجرينا الرئيس التنفيذي للسويس للإسمنت فيتوقع استمرار المعاناة وأن يكون 2020 أسوأ من 2019، لأن القطاع يواصل الانحدار.

ويتفق مع ألكانتاريا في أن عمليات الإغلاق ستستمر، وستعصف بالوظائف في مجال الإسمنت. وقال في تصريحات سابقة إنه بالإضافة إلى إيقاف الإنتاج بشكل مؤقت في إسمنت طرةالتابع للشركة، اضطرت شركته إلى الاستغناء عما يقرب من 2300 عامل خلال السنتين الماضيتين.

واتفق كلاهما أيضا على أن عمليات الاندماج لن تنقذ القطاع، ببساطة لأن أحدا لا يريد الشراء. وقال ألكانتاريا إن مجال الإسمنت لن يشهد أي استثمارات جديدة، فلا أحد يريد الاستثمار في قطاع يبدو مستمرا في التراجع دون أي دعم حكومي ملموس.

دفعت الخسائر شركات الوطنية للإسمنت، وإسمنت طرة، وإسمنت النهضة لإغلاق مصانعها   (رويترز)
تأثير كورونا مدمر

يرى أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، ومدحت اسطفانوس، نائب رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات أن تأثير أزمة كورونا على قطاع الأسمنت ربما يكون “مدمرا”، مع تباطؤ وتيرة عمل مشروعات البناء والتشييد بسبب حظر التجول والإغلاق.

وعلى الرغم من أن سبب الأزمة الرئيسي هو ضعف الطلب فإن السبب الآخر للأزمة هو الزيادة الضخمة في المعروض خلال الخمس سنوات الماضية، وفقا لألكانتاريا، عندما قامت الحكومة بإصدار التراخيص على الرغم من ذلك.

وفي عام 2016 أصدرت هيئة التنمية الصناعية 3 رخص للأسمنت على الرغم من وجود زيادة في المعروض قدرت بـ 18 مليون طن.

منافسة غير عادلة داخليا وخارجيا

يقول برلماني سابق للجزيرة مباشر إنه في ظل تمتع شركات الجيش بمزايا كثيرة مثل الإعفاء من الضرائب، والحصول على الطاقة والخامات مجانا، والعمالة الرخيصة من مجندي الجيش، فإنه يستحيل على الشركات الأخرى منافسة شركات الجيش المصري في السوق المحلي.

وفي ظل قيام المنافسين في دول أخرى ببيع الأسمنت بسعر 12 دولارا أقل من مصر، فمن الصعب على الأسمنت المصري منافسة لاعبين إقليميين مثل الجزائر والمملكة العربية السعودية الذين يقومون بتوفير أسعار أرخص، إذ يشكل الوقود 50-60% من تكلفة الإنتاج.

وبحسب اسطفانوس فإن مصر ليست لديها ميزة تنافسية في هذا المجال، ولذلك سيتعين على السوق المحلية أن ترفع من الطلب أو على بعض المصانع أن تقلل من الإنتاج.

الأمر وصل لمرحلة دقيقة

توقعت فاروس القابضة أن يؤدي الوضع الحالي لإجبار الشركات التي ترهقها الديون وينخفض فيها مستويات الكفاءة على الخروج من السوق، وهو ما يقدر بـ 6 ملايين طن خلال عام مقبل، وكان ذلك قبل انتشار كورونا.

المصدر : الجزيرة مباشر