أطفال اليمن المصابون في الحرب.. قصص مأساوية للحاق بالمدرسة

يستعين “لقمان” المصاب بسبب الحرب في اليمن بصديقه “عبد الرحمن” ليوصله إلى المدرسة ويعود معه، حيث لا مواصلات خاصة بالمعاقين تجعله يستغني عن وجود مرافق.

قصة لقمان

في فصل مكتظ بالتلاميذ، يجلس الطفل “لقمان الرّماح” محشورًا في كرسي متحرك سوف يلازمه طيلة حياته، تمامًا كما ستلازمه صعوبات كثيرة في مراحل تعليمه اللاحقة، تتجدد كل يوم بدءًا من لحظة الذهاب إلى المدرسة مرورًا بمشقة ما يتجشّمه من صعوبات الدراسة في ظروفٍ لا تتناسب مع إعاقته التي تتطلب وضعًا خاصًا تساعده على التصالح مع اعاقته واكمال تعليمه بشكل طبيعي. 

أصيب لقمان جراء استهداف منزلهم الواقع بمنطقة  الروضة بمحافظة مأرب بصاروخ “كاتيوشا”، عشية قصفٍ للحوثيين على الأحياء السكنية من تمركزاتهم في جبل هيلان (غرب المحافظة)، دمّر منزلهم وشرّد عائلته في العراء، وكان حظ لقمان منه أن أصيب هو وابنة خاله في الواقعة، دخل إثرها في غيبوبة لم يفق منها إلا في المستشفى، غير قادر على تحريك نصفه الأسفل، حاملًا إعاقة دائمة كانت ستؤثر على مسار حياته إلى الأبد، لولا أنه قرر مواصلة تعليمه رغم العراقيل التي جعلت كثيرين أمثاله يزهدون في التعليم، بعد أن عجزوا على تجاوز السدود الشائكة التي كانت حائلًا دون حصولهم على حقهم في التعليم.. يقول لقمان “حين أرى أقراني يدرسون ويمشون على أقدامهم، فأنا لا أحزن إنما أقول الحمد لله، هذا قدري”. 
 يستعين “لقمان” الذي يدرس في الصف السابع الأساسي بصديقه “عبد الرحمن” ليوصله إلى المدرسة ويعود به منها، حيث لا مواصلات خاصة بالمعاقين تجعله يستغني عن وجود مرافق. غير بعيد عن لقمان هناك كثير سواه تركوا مقاعد الدراسة ولزموا العزلة في زاوية في البيت حين تعذر عليهم الوصول إلى المدرسة أو دفع تكاليف المواصلات التي تقلُّهم إلى مدارسهم إلى جانب التكاليف الأخرى التي يتطلبها ذوي الاحتياجات الخاصة، ناهيك عن صعوبات دمج الطلاب المعاقين مع أترابهم في المدارس المكتظة، في ظل عدم وجود مدارس خاصة بالمعاقين تشجع ذويهم على دفعهم إلى مواصلة التعليم. 

المعلم يعاني أيضًا

المعلمون أيضًا ليسوا بمنأى عن التأثر بمعضلة دمج الطلاب المعاقين مع زملائهم في المدارس العامة، حيث يواجهون صعوبات كثيرة في تدريس ذوي الاحتياجات الخاصة، في ظل عدم توفر فصول خاصة تُراعي قدرات هذه الفئة من الطلاب، الأمر الذي يوسّع فجوة الاستيعاب لدى هؤلاء الطلاب، ولا سيما مع الزيادة الكبيرة في عدد الطلاب في الفصل الواحد، الأمر الذي يضاعف العبء على كاهل المعلم. 
عدنان الشرعبي، وهو مشرف تربوي في مدرسة السلام بمدينة مأرب ” يقول: نجد صعوبة كبيرة في التعاطي مع هذه الفئة من الطلاب، إذ لا نستطيع إيصال المعلومة إليهم بسهولة مع الازدحام الكبير في الفصول، لذلك من الضروري توفير فصول خاصة بهم كونهم من ذوي الإعاقة”. 
ويضيف: “نرجو  من المعنيين وفاعلي الخير والمنظمات النظر إلى هذه الشريحة من الطلاب، الذين لا يستطيعون حيلة لتفادي هذا الوضع كونهم أبناء فقراء، كما نأمل من الجهات المختصة النظر بعين الرحمة لهؤلاء الطلاب المعاقين”. 

المشكلة في غياب الدعم 

صبري طارش المعمري، مدير صندوق رعاية المعاقين بمحافظة تعز يقول: إن معاناة الطلاب المعاقين أصبحت أعمق وأشد وطأة في السنوات الخمسة الأخيرة، وأبرز مشكلة يعاني منها الطلاب المعاقون عمومًا في محافظة تعز، هي عدم توفر الدعم اللازم، الخاص بالمواد الدراسية ونفقات إجار مبانٍ ووسائل تعليمية”.
وبحسب المعمري فإن “الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة تعز يفتقرون حاليًا إلى أبسط الحقوق في جانب الرعاية والتأهيل، على سبيل المثال، منهم من يحتاج إلى كرسي ليتمكن من الحضور إلى المدرسة، أو عكاز، أو سماعة،
 لدينا مثلا طلاب جامعيون من فئة الصم والبكم يحتاجون إلى سماعات، حتى يتمكنوا من سماع المحاضرات، بينما لا يوجد تمويل كافٍ لتوفير مثل هذه اللوازم الأساسية لمثل هؤلاء الطلاب”.  
“كما يحتاجون إلى وسائل مواصلات تمر يوميًا في كل الأحياء لأخذ الطلاب المعاقين من منازلهم إلى مدارسهم ذهابًا وإيابا، حاليًا لا يوجد حتى ايجار باصات للقيام بالدور، كما كان في السابق حين كان للصندوق باصه الخاص. وهذا ما أثر كثيرًا كون أغلب الطلاب المعاقين ليس لديهم وسائل مواصلات إلى جانب ضعف الحالة المادية، إضافة إلى الحاجة لوجود مرافق، وزاد الأمر تعقيدًا، بعد أن عجز الصندوق عن الاستمرار في نشاطه السابق في تقديم الدعم المادي لهذه الشريحة، حيث كان الصندوق يقدم ضمن مشروع الدمج مبلغ 50 ألف ريال للطلاب المعاقين الذين يدرسون في مدارس عامة، حاليًا توقف كثير من المعاقين بسبب غياب الدعم”.  
“أيضا كان يحصل المعاق على مساعدة بقيمة 50 ألف ريال (قرابة 90 دولارا) من صندوق المعاقين، بينما كان الطالب الجامعي يحصل على 200 ألف ريال (قرابة 300 دولار) إضافة إلى كرسي متحرك، أو كرسي كهربائي بالنسبة للطالب الجامعي، أما الآن فلم يعد شيئًا من ذلك يحدث”.
واستطرد: “لدينا أيضًا في جمعية المعاقين ذهنيًا، فصلان فقط في “مدرسة الصديّق” يتكدس فيهما من 90 إلى 100 طالب، علمًا بأنه كان لدينا في السابق مبنى خاص لكن للأسف تحول الآن إلى معسكر، وهو ما اضطرنا إلى استئجار مبنى بديل بمقابل 80 ألف ريال (150 دولار) شهريًا، لكن الصعوبة في النفقة التشغيلية، قدمنا على أساس أنهم يمنحون النفقة التشغيلية على غرار ما كان سائدًا قبل عام 2014م، لكن إلى حد الآن لا يوجد تجاوب في التجاوب في دعم الجمعيات والمراكز العاملة في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في المحافظة”.
ويكمل: “الصندوق الآن عبارة عن معاق، حيث لم يعد هناك أي اعتمادات تصرف للصندوق ما خلا 150 ألف ريال فقط في الشهر، هو مبلغ زهيد لا ينفع شيئًا، إلى درجة أنه لا يوجد لدينا طابعة حتى الآن، ولا حتى كمبيوتر”.
ويتساءل مدير صندوق رعاية المعاقين بتعز ” لماذا لم تقم اليونيسف أو وزارة التربية بتخصيص مدرسة نعمل منها مجمعا يشمل كل الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيما أن كل المباني التي كانت مخصصة لهؤلاء الطلاب تحولت اليوم إلى معسكرات، أما السلطة المحلية في تعز لم تقدم إلى الآن أي دعم يخص المعاقين، هناك فقط بعض المنظمات تعد بأصابع اليد، قدمت بعض الدعم، مثل الكراسي وعكازات ونسبة قليلة من السماعات”.  
ويختم المعمري ” لدينا ما يتراوح بين 600 إلى 700، طالب معاق دون سن ال 15 ، مع أن اجمالي عدد المعاقين المقيدين لدينا في الصندوق 10128 معاقا، منهم أكثر من 4 آلاف معاق حركيًا، 80% منهم أطفال، علمًا بأنه إلى الآن لم نقيد أيا من المعاقين من جرحى الحرب وإلا كانت النسبة تعدت 20 ألف معاق في تعز وحدها. لذا نأمل  أن يتم النظر إلى المعاقين، وتقديم الدعم اللازم ولو بالأشياء البسيطة، في جانب الرعاية والتأهيل.. فالمعاق من حقه أن يتعلم بدلًا عن أن يكون عالة على أسرته”. 

الحرب ضاعفت أعداد الأطفال المعاقين 

ساهم الصراع الدائر في اليمن منذ 4 سنوات في زيادة عدد المعاقين حركيًا في اليمن، حيث فقد الآلاف أطرافهم في اليمن منذ بداية النزاع في عام 2015. وتفيد بعض التقارير أن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقة خلال هذه الفترة بلغ 6,000 شخص أغلبهم بسبب انفجار أو لغم أو طلقة نارية.  
 وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن ” 38% من المرضى في مراكز إعادة التأهيل البدني التي تدعمها اللجنة الدولية هم أطفال يحتاجون إلى خدمات الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام نتيجة فقدهم بعض أطرافهم أو تعرُّضهم لإصابات بالغة فيها. ومع تغير خطوط المواجهة وتوسعها، يصبح المزيد من الأراضي ملوثًا بالذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية. وتُلحق هذه الذخائر غير المتفجرة الأضرار بالأطفال على وجه الخصوص، إذ غالبًا ما يلتقطونها ظانين أنها ألعاب”.
هذه الزيادة في أعداد الأطفال المعاقين حركيا في اليمن من جراء الحرب يقابلها عزوف أغلبيتهم عن مواصلة الدراسة نتيجة لظروف الإعاقة وما تحمله من معها من عوائق شتى تبعدهم أكثر عن المدرسة. 

المصدر : الجزيرة مباشر