يوميات فتاة في العالم الافتراضي

فيسبوك يقدم وسيلة جديدة لجمع المال من الأصدقاء
فيسبوك تحذف تدوينات مرتبطة بوكالة روسية لتوجيه الرأي العام

صرت أتواصل مباشرة مع الأشياء ومع نفسي، هكذا وجدتُني أُسائل كل الذي تطاله دائرة إدراكي، حتى البسيط منها العادي جدا المُعاش الروتينيّ.

اليوم توقفت أمام خزانة ملابسي وقد هاجمتني الأفكار والاستفهامات والصُّور :لماذا توجد موضة، لماذا هذه الصَّرعات التي لا تكفّ عن التدفّق، لماذا هذه الاستطلاعات التي تُبيّن أن الإنسان وبالأخص المرأة تصل إلى أقصى درجات السعادة عندما تتسوق وتقتني ملابس جديدة؟!

نعيش في عالم استهلاكيّ وهو أمر معلوم للقاصي والداني، بناء على ذلك، ألا يمكن أن نكون نحن حقول تجارب واستثمار يعبث بها من يحركون نظام الاقتصاد العالمي، يُمكن أن تكون هذه أساليبهم “الشفّافة” والتي تُذوَّب في “كأس الموضة” و”كأس الاستطلاعات” ونحتسيها نحن بسلاسة وسهولة دون وعي كامل منّا.. يصنعون الموضة ويروجونها عبر نظام “النّمط” في الإعلام والإعلانات والأفلام والصّورة ، يرسخ في ذهن الإنسان أنه يجب أن يشتري تحديدا ذاك اللون من اللباس، ذاك الشكل من الفستان أو الحقيبة أو الحذاء، أي أن الماسكين بزمام السوق، كبار المصنِّعين والرأسماليين يُحددون لنا اختياراتنا وفقا لما يُروجون فيُطوّعون رغباتنا حسب ما تُنتجه صناعاتهم ونحن نقتني “بحرية مُبرمجة” كما صرت أسميها، هذه الحريّة المبرمجة صرت أشعر أنها صيّرت من أذواق الأفراد كذبة كبرى!

فلماذا إذا بالأمس كنا نضحك ممّن يرتدي سروالا بشكل ما، كأن يكون قصيرا مثلا، واليوم نفسه تماما تماما ذاك السروال يصير جذابا وأنيقا بمجرد أنه “موضة” و”ماركة” ؟

الكأس الثاني الذي نتخمّر به، كأس الاستطلاعات التي تُسرّب في أدمغتنا تصورات واعتقادات عبر مؤسسات تقوم بسبر الآراء والمواقف، صارت تساورني الشكوك في مصداقيتها حقا!

أليس من الممكن أن تكون مثل هذه المؤسسات وسيلة عند كبار التّجار ورجال الأعمال ينشرون بها “الوهم” في المجتمعات ويُضرمون فيها نيران الاستهلاك باعتباره مُحقق للسّعادة؟

ومن هنا استفزني تساؤل عنيد وفكرة عن “السعادة الخاطئةهل توجد سعادة خاطئة؟!

أسميتها هكذا عندما تابعت مرة فيلما فرنسيا عن صديقتين شابتين مولعتين باللباس والموضة لدرجة الهوس، كانت الواحدة منهما تقتني الكثير من الفساتين بماركات مشهورة وتعود آخر الليل تقهقه حتى تبكي بشدّة! هنا تذكرت استطلاع “المرأة المستهلكة السعيدة”، وهنا تذكرت شخصا من الأثرياء الذين يشترون ويستهلكون كما يتنفّسون وتذكرت كيف كان بائسا!

شعرت بأنهم ينشرون الوهم والسعادة الخاطئة، وقد اخترت لفظ الخاطئة بدل الزائفة لأن الزيف ينفي الحقيقة كُليّا عن المعنى بينما الخطأ لا ينفي الشعور الحقيقي إلى حد ما في لحظة معيّنة ثم يتبخّر، تماما كما تبخّرت سعادة بطلة الفيلم وصديقتها فجأة، هذا الموقف أحالني إلى فكرة أنه لا توجد سعادة مُطلقة، وأنّ الرّضا هو أرقى حالات الاطمئنان وأنه سلسلة متواصلة من “أوقات سعادة” الإنسان.

شعرت لوهلة أن كلمة “رضا” لها بعد وجدانيّ وكلمة “سعادة” لها بعد ماديّ هكذا وصلت بي الأمور لأن المجتمع الاستهلاكي العالمي مجتمع ماديّ يربط السعادة بالاستهلاك، بحذاء، بسيارة، بهاتف بأي شئ ملموس يُحقق الشعور الحينيّ بالمتعة السطحيّة وما إن تعمق الفرد في نفسه ووجد نفسه في مواجهة مباشرة معها يشعر بحالة من المأساة المتدفّقة من الداخل لأنه أشبع الجزء الصغير فيه ونسي الأكبر والأبقى!

نحن لا نشعر بكل هذا لأنه يُحيط بنا ونحن نسير فيه وفي تيّاره كجريان الزمن والتاريخ لا نستطيع لمسهما أو حصرهما ماديّا وهما يحيطان بنا ونسير عبرهما، لكنهما يتركان الأثر فينا فنشيب ونهرم.

 والاكتئاب هذا المرض المُتفشي هو أحد آثار هذه النزعة الإنسانية نحو المادة وهو مرض استفحل في المجتمعات الغربية ويزحف بصفة مُخيفة نحو مجتمعاتنا العربيّة، أمام خزانتي انتفضت، هربت من الموضة والسعادة والاكتئاب وكل تحليلاتي واحتمالاتي وتمتمت: لماذا أحلل كل هذا الآن؟!

تذكرت أنني قد بدأت أولع بشدة بعلم النفس والفلسفة وأنني وضعت قائمة من الكتب والمحاضرات التي سأَطّلع عليها لأني في سفر خارج الافتراضيّ، ودون سابق إنذار صرت أُخطئ في قراءة كلمة “فريد” فيهيأ لي أنها “فرويد” أعود وأصلحها مرات ومرات حتى أضحك مِنّي، ويمضي يومي الأوّل في حياتي خارج “العالم” وأنا أُفكّر في عدة أشياء وأشنّ حربا من التساؤلات، أكلت وشربت وغنيت وتحدثت إلى صديقة، ضحكت وتابعت مباراة في كرة القدم وحضرت برنامجا، ونمت دون أن يعرف “مارك” ذلك!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها