يوم المرأة السورية

هل يعقل أن النساء اللواتي أصبحت قصص اعتقالهن يندى لها الجبين وأصبحت عار على العالم الذي يدعي التحضر لا يكون لها يوم تكرم فيه؟

في الثامن من مارس/ آذار من كل عام تحتفل المرأة حول العالم بعيدها حيث يكرمها المجتمع ويشجعها لأخذ مكانتها، ويعمل على حل قضايا المرأة وإعطائها حقوقها المختلفة.

هذا اليوم يعود تاريخه إلى بدايات القرن العشرين مع تظاهرات للآلاف من النساء في نيويورك يطالبن بتحسين ظروف عملهن، حتى إن إحدى هذه المظاهرات حملن فيها الخبز وباقات الورد للتعبير عن احتجاجهن على ظروف العمل وتشغيل الأطفال، ثم تطورت المطالب لمنح النساء حق الاقتراع في الانتخابات.

بعد هذه الأحداث تم الاحتفال بهذا اليوم تخليداً لهذه الحركة النسوية ومن بعدها أصبح الثامن من مارس يوماً للمرأة في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما على المستوى العالمي فقد اعتمدت الأمم المتحدة اليوم العالمي للمرأة لأول مرة عام ١٩٧٥م ليتحول هذا التاريخ إلى رمز لنضال المرأة وحقوقها.

على الرغم من أهمية ووجاهة الحدث، إذ له السبق في التقدم لقيادة الحركة النسوية في الغرب، إلا أن القصة برمتها وما بها من تضحيات تتضاءل أمام بطولات وتضحيات المرأة السورية.

فإذا كانت مظاهرة بالورود الجافة في الولايات المتحدة أصبحت يوماً للمرأة في العالم، فماذا تستحق المرأة السورية التي تقف أمام آلة القتل الإرهابية لتطالب بحريتها وحرية وطنها؟

تحدد الأعياد والأيام في كل أمة طبقاً لما قدمه الأفراد من بطولات وتضحيات، أو بما تم إحرازه من نصر وإنجاز صعب الحصول عليه. فما الذي حصلت عليه المرأة السورية من الحركة النسوية في الولايات المتحدة؟ بل أين خصوصية المرأة السورية في هذا اليوم؟ هل يعقل أن المرأة التي قدمت أكثر من ٢٥ ألف شهيدة حتى الآن في ثورتها ضد الاستبداد لا يحتفى بها حتى الآن؟ هل يعقل أن المرأة التي قدمت حتى الآن أكثر من ٧٠٠٠ (حسب الإحصاءات الرسمية فقط) معتقلة في سجون بشار الأسد دفاعاً عن الحرية والكرامة لسوريا لا يخصص لها يوماً؟

هل يعقل أن النساء اللواتي أصبحت قصص اعتقالهن يندى لها الجبين وأصبحت عارا على العالم الذي يدعي التحضر لا يكون لها يوم تكرم فيه؟

هل يعقل أن الأم التي تستيقظ كل يوم بحثا عن لقمة تسد رمق ابنها اليتيم الذي استشهد أباه بنيران روسية أو إيرانية أو أسدية مجرمة لا يخصص لها يوم يعبّر من معاناتها؟

مرحباً باليوم العالمي للمرأة، ولكن ما قدمته السوريات أكبر وأضخم بكثير من مجرد مسيرة بالزهور والخبز الجاف.

ما قدمته المرأة السورية ليس من أجل مطالب فئوية خاصة بالمرأة بل مطالبها كانت من أجل الوطن الإنسان والأرض والهوية.

ما تقدمه المرأة السورية ليس للمطالبة بتحسين شروط العمل بل لتحسين الحياة كلها.

لماذا لا يكون تاريخ أول مسيرة نسائية ضد الاستعمار الفرنسي عام ١٩٢٢ والتي خرجت من مدرسة المعلمات، وفتحت الباب أمام المسيرة الاحتجاجية التي امتدت حتى التحرير عام ١٩٤٦ يوماً للاحتفال والاحتفاء بالمرأة السورية؟

لماذا لا يكون يوم قتل النظام السوري للشهيدة حميدة فياض أول شهيدة في الثورة السورية هي وأسرتها بدم بارد يوما للاحتفال والتقدير للمرأة السورية؟

لماذا لا يكون تاريخ اعتقال مروة الغميان أول معتقلة في الثورة، تاريخاً لكل نساء سوريا لتذكيرهن بأنهن بطلات قدّمن مثل ما يقدمه الرجال وأكثر؟

الأحداث والمناسبات التي يمكن أن تكون ملهمة للمرأة السورية ونابعة من وجدانها وطبيعتها كثيرة، الثورة التي قامت من أجل تغيير نظام مجرم يحق لها أن تكون ثورة لتغيير وتطوير العقول والمفاهيم.

يحق لها أن ينطلق منها وعي وحس وطني يعمل على بناء وطن قوي له فلسفته الخاصة التي يقدرها العالم ويحترمها.

لن نسير في ركب الأمم دون وعي أو فكر سواء في المسائل الكبيرة أو القضايا الصغيرة، فهذه هي روح الثورة ومكنونها، أن يكون لنا الشخصية الذاتية الحاكمة في أفكارها والمتحكمة في أصولها.

لكل احتفال فلسفة يدفع الشعب للعمل والإنجاز، يجعله يفتخر بنفسه وبما قدم. يروي قصته للصغار وينقش معانيها في نفوس الأطفال. يربي الأجيال تلو الأجيال عليها. فكيف تتحقق هذه الفلسفة دون الارتباط بالحدث والتفاعل معه؟

لا أحد ينكر الإنجاز التي قدمته السيدات الأمريكيات بتظاهرهن، بل لا أرفض ارتباط اليوم العالمي للمرأة بهذا التاريخ وبهذا الحدث، ولكن في المقابل يجب أن يكون لنا يومنا الذي نحتفل ونحتفي به.

يوم المرأة السورية ليس من أجل تحقيق مطالب للمرأة بل من أجل تحقيق حرية الوطن وكرامة المواطن.

من أجل تخليد بطولات المرأة السورية وإجرام الحقبة الأسدية على مدار التاريخ.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها