يسرا محسن تكتب : قاوموا .. وازرعوا الفرحة

كنت قد مررتُ بأحداث عصيبة مؤخراً، أحداث من التي تترك أثرها في نفسك لأعوام، دعوت الله مراراً وتكراراً أن يُخرجني من نفسي لأعود أرى الجمال فيما حولي. يتبع

كنت قد مررتُ بأحداث عصيبة مؤخرًا، أحداث من التي تترك أثرها في نفسك لأعوام، دعوت الله مرارًا وتكرارًا أن يُخرجني من نفسي لأعود أرى الجمال فيما حولي من جديد.

اقترحت عليّ صديقة أن أنزل الشارع وأزرع شيئًا ما في الناس، تصعّبتُ الأمر وظننتُها تمزح معي، وفكرت أنني لم أعتاد فعل شئ مجنون من قبل فما الذي سأفعله في الشارع وسط آلاف المتفرجين؟!

 قررتُ أن أنزل وأفكر وأنا أسير وسطهم، تأملتُ وجوههم، وجوه صمّاء ممتلئة بالخوف، وجوه لا تُبالي بشئ سوي لقمة عيشها وتأدية روتينها اليومي، فكرتُ كيف لي أن أغير هذا؟ هل أنا قادرة علي تغيير كل هذا البؤس؟ قلتُ ولِما عليّ أن أُغير؟ أنا قد نزلت إلى الشارع لأجد نفسي فيه، ماذا عن رسم ضحكة علي وجوه الناس، خطرت لي الفكرة فجأة، سأشتري بلالين وأوزعها علي الأطفال، يا لجنوني! أنا سأفعل هذا؟ يكف!

اشتريتُ بلالين، بسكويت، قلم ألوان وخيط، وقفتُ في الشارع لأبدأ المهمة، بدأتُ في نفخ البلالين، وكل من حولي يرمقني بنظرات سخرية، شاب يقول لي “النهاردة عيد ولّا إيه؟” لا أرد عليه، و غيرها من ألفاظ السخرية لم أعيرُ أياً منها اهتمامًا (وهذا جانب غريب في، فأنا أخافُ نظرات السخرية، وأخجلُ منها، وأبتعد عنها بكل ما أملك من قوة، فكيف لم أبالي بنظراتهم؟ حتي هذه اللحظة لا أعلم)، انتهيت من نفخ البلالين، رسمتُ عليهم وجوه تضحك، انتهيت من مهمتي، بدأتُ أسير وأبحث عن ضالتي عن أيّ طفل.

هم لم يعلموا أنهم أعطوني أكثر مما أعطيتهم، لم يعلموا أني قد اكتشفتُ جانب جديد بداخلي، لم يعلموا أنهم سبب في إعادة بناء نفسي من جديد، وأني قد عدتُ أري الجمال فيما حولي من جديد

أول من وجدته طفل لا يتعدى السنوات الخمس، يبكي بشدة وأمه تصرخ في وجهه “يالّلا إمشي” والطفل متسمّر في مكانه يبكي، إقتربتُ منهم، قلتُ لوالدتهم: هل لي أن أفرّحه قليلاً؟ ابتسمت الأم رغماً عنها، أعطيتُ للطفل بالونة وبسكويت، نظر لي في عدم فهم ونظر لأمه هل أقبل؟ فوافقته أمه، فضحك وذهب البكاء، شكرتني الأم ومشيت مع طفلها ويعلوا وجههم علامة تعجب كبيرة، مشيتُ قليلاً وجدتُ طفلة أخرى معها والدتها وجدتها، سألتهن إعطائي لطفلتهن ما بيدي، ضحكا وسألتني أمها “إنت تبع مين؟” قلتُ لها: تبع الفرحة، عايزة أفرحهم بس، ابتسموا وأخذوا ما بيدي وشكروني.

أتذكر وأنا أسير طارت بالونة ودخلت في إحدى الحواري، قلتُ لنفسي: لعلها تعرف طريقها لطفل ما أكثر مني، طفلة أخرى أعتقد أنها ابنة بواب في عمارة كانت واقفة وحيدة، مررتُ عليها وأعطيتها فرحة أخرى، رأيتُ ابتسامة ما رأيتُها في حياتي، هذه الطفلة تحديدًا أسعدت قلبي وروحي.

مررتُ علي كثير من الأطفال، من معهم أهلهم ومن بدون أهل، كنتُ قد قصدتُ أن أنزل في شارع من الشوارع الشعبية، تلك الشوارع التي يحتاجُ فيها الطفل لأيّ شئ وكل شئ، وجدتُ أطفال حفاة، بالكاد  تغطيهم الملابس، في مشهد لن أنساه ما حييت، تجمعوا حولي يصرخون “عايزين واحدة”، وزعتُ عليهم كلُ ما بحوزتي، كانوا يقفزون من الفرحة، وكان قلبي يقفزُ ويرقصُ فرحاً بهم ومعهم، واقترب طفل آخر ترك يد أمه مهرولاً ناحيتي ليري لماذا هؤلاء الأطفال يقفزون؟، فأعطيته فرحة، وأعطتني أمه ابتسامة كبيرة ورحلوا.

هم لم يعلموا أنهم أعطوني أكثر مما أعطيتهم، لم يعلموا أني قد اكتشفتُ جانبًا جديدًا بداخلي، لم يعلموا أنهم سبب في إعادة بناء نفسي من جديد، وأني قد عدتُ أري الجمال فيما حولي من جديد، لقد زرعتُ فرحة في يوم، وحصدتُ أعواماً من السعادة بداخلي، يحضُرني قول الأب الفلسطيني “مانويل مُسلّم” (راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقاً) “افرح إذن أنت تُقاوم، ازرع السلام والمحبة حولك إذا أنت تُقاوم”، فقاوموا.. وازرعوا الفرحة ما استطعتم إليها سبيلَا.

يسرا محسن
مدونة مصرية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها