يحيى عقيل يكتب: الكمائن والموت المنتظر

ورغم انتشارها الكثيف إلا أن المسلحين يدخلون إلى قلب مدينة العريش ويقتلون ويخطفون ويحرقون دون أن يتم الإعلان عن إفشال عملية واحدة. يتبع

لكل هدف يبحث الانسان عن تحقيقية وسيلة تعينه في الوصول إليه وإذا أثبتت التجارب فشل هذه الوسائل وجب تغييرها إلى غيرها فورا وإلا سيظل هذا الإنسان لا يبرح مكانه ولن يستطيع أن يحقق أي تقدم باتجاه أهدافه (وعلى رأي المثل اللي بيجرب في المتجرب عقله مخرب) فإذا قسنا ذلك على فائدة اتخاذ الكمائن الثابتة التي يتخذها الجيش في سيناء نجد أنها تفهم لهدفين:  

الأول: توفير قدر ما من الإحساس بالأمن للمواطن العادي نتيجة لتواجد القوات في الشارع مما يزيد من إحساسهم بالأمان، هذه النقطة فقدت معناها إذ انها بعجزها عن توفير الحماية لنفسها أعجز من توفير إحساسا بالأمن لدى الآخرين.

ورغم انتشارها الكثيف إلا أن المسلحين يدخلون إلى قلب مدينة العريش ويقتلون ويخطفون ويحرقون دون أن يتم الإعلان عن إفشال عملية واحدة، أو القبض على منفذين لعملية حدثت في قلب المدينة حيث تحيط بها الكمائن فيكون عمليا لا فائدة من وجودها إلا إخافة المواطنين المدنيين وتعويق حركتهم وتعطيل مصالحهم.  

الثاني: إنها تعيق حركة المسلحين وتمنع انتقالهم من نقطة لأخرى، وهي كونها ثابتة ومعلومة سيجعل أي مسلح يتجنب الاقتراب منها إلا لغرض الهجوم عليها.

مع ذلك كوّن هذه الكمائن موجودة في مناطق ملاصقة لظهير صحراوي ضخم وغير مراقب يجعل مهاجمتها من الظهير الصحراوي والعودة إليه أمرا غاية في السهولة، وافتراضات كان يجب على من يضع الكمين أن يفكر ألف مره في كيفية توفير الحماية من الهجوم المفاجئ على الكمين ومن الأماكن الغير متوقعة وتوفير آليات رصد ومراقبة لكل حركة تقترب من الكمين.

لكن الواقع في سيناء يقول إنه حتى الجنود الذين يستشهدون في العمليات ضد الأكمنة لا يتم التعرف على بعض الجثث وتسجل جثة مجهولة والبعض يفتقد لمدة يوم أو يومين حتى يتم العثور على جثته وخلال هذه المدة لا يعلن عن فقدانهم كل هذا يقول إن فكرة سلامة الجنود والحرص عليها في أقل درجات الاهتمام  فإذا أضفنا انعدام الفائدة من وجود هذه الكمائن إذ أنها لا تمنع وقوع الجريمة ولا تحافظ على سلامة أفرادها فإن بقائها يكون له تفسير واحد فقط أن نرسل الجنود لكي يموتوا بأسهل طريقة.  

هذا واقع تعيشه سيناء باستراتيجية الحل الأمني فقط لم يحقق الأمن وقتل فيها للآن أكثر من مئة نفس لتكون الرسالة إنه لا حل أبدا عبر الحوار بالرصاص الحي ولا يمكن إقصاء هكذا بشر يعيشون فوق أراضي نشأوا وترعرعوا عليها بقرار أحمق ثم تبحث عن الأمن بهذه الطرق البدائية وبهذه العقلية الأمنية وهكذا تظل الأكمنة مكانا للموت المنتظر.

يحيى عقيل
عضو مجلس الشورى السابق على شمال سيناء – مصر

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها