يحدث في المصانع الحربية!

 

من المعروف أن المصانع الحربية في مصر بها عدد كبير من العمال المدنيين ومثلهم من الفنيين، هؤلاء وأولئك تراكمت لديهم خبرات طويلة ووصلوا إلى مستويات قياسية في تخصصاتهم أبهرت كل متابع؛ حتى وصل ببعضهم إلى تطوير الماكينات التي يعملون عليها وبعضهم قدّم اختراعات نوعية لبعض الماكينات التي ساهمت في جودة المنتج وتحسين الأداء.

وعلى الرغم من أدوار كثيرة قدّمها العمال والفنيون طوال تاريخ المصانع الحربية إلا أنهم حُرموا من الحصول على مكافأة نهاية الخدمة أسوة بزملائهم، ومن حق كفله لهم قانون العمل في نسخته المصرية أو في القوانين الدولية.

ظل هذا الأمر مسار حراك يهدأ حيناً ويتحرك أحياناً زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكعادة كثير من العمالة المصرية، لم يكن سقف الطلب عالياً حرصاً على لقمة عيشهم، وخوفاً من بطش الأجهزة الأمنية حينذاك.

اندلعت ثورة 25 يناير وشارك فيها مختلف أطياف الشعب المصري ولم يغب عنها عمال المصانع الحربية، وإثر الثورة وتحقيقاً لأحد شعاراتها طالب عمال المصانع الحربية بالمساواة والعدالة وحقهم في مكافأة نهاية الخدمة، وتم للعمال ما أرادوا وتحديداً فى ولاية الرئيس الدكتور محمد مرسي؛ إذ أُقر لعمال المصانع الحربية صرف شهر مكافأة نهاية خدمة عن كل سنة في الخدمة، وقد كنت وقتئذ عضواً بمجلس الشورى وكنت بفضل الله سبباً في إقرار هذا الحق.

مع وقوع الانقلاب تبدلت الأحوال، وانقلبت الأمور رأسا على عقب، وخاصة بعد أن تم تولية ركن الانقلاب الركين اللواء محمد العصار حقيبة وزارة الإنتاج الحربي، فالرجل تعامل حينها مع مصانع الإنتاج الحربي وكأنها تركة ورثها كابرا عن كابر، فتعامل مع العمال والموظفين كأنهم عبيد لا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات!

كالعادة كان الهدف العام والنهائي هو تصفية المصانع الحربية وتشريد عمالها كما حدث مع غيرها من الشركات، لكن الإجرام الجهنمي في آلية التعامل مع العمال وجاء على عدة أشكال:

•        تم فصل عدد كبير من العمال فصلاً تعسفياً

•        تم نقل عدد كبير من العمال إلى مصنع آخر في محافظة أخرى

•        تم إيقاف عدد كبير من العمال عن العمل حيث يجلس العامل في بيته ويحصل على أساسي الراتب فقط.

طبعاً كان المقصود بهذه القرارات هو تخويف وترهيب العمال وإسكاتهم حتى لا يستطيع أحد أن يتكلم ويطالب بحقوقه، وفي نفس الوقت تمر إجراءات تصفية المصانع وتنفيذ مخططاتهم بكل هدوء وأريحية.

الأمر الآخر، بعد طريقة الصدمة – النمط الشائع والذي يجيده العسكر وهو البطش بكل أنواعه- قامت وزارة العصار بتخفيض نسبة الحوافز لمن تبقى من العمال، فنزلت ما يقارب من 20%، وكانت قاصمة الظهر للعمال إلغاء مكافأة نهاية الخدمة التي أُقرتها ثورة يناير ببرلمانها.

لم يتحمل العمال كل هذه الإجراءات خاصة في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار وضراوة تكلفة المعيشة؛ لذلك حاول عمال مصنع 200 بالوقوف للمطالبة بحقوقهم؛ فما كان من العصار إلا أن أغلق المصنع لمدة ستة أشهر، ليجد العمال أنفسهم متقاعدين في بيوتهم هذه الفترة.

بعد فترة الإغلاق وعندما تقرر تشغيل المصنع، تم معاقبة عدد كبير من العمال منهم من تم فصله ومنهم من تم تحويله إلى المحاكمات العسكرية، علماً بأنهم عمال مدنيون وهؤلاء العمال ما زالوا على ذمة القضية وتم تشريدهم وتشريد أسرهم.

كل ما سبق يمثل حلقة من حلقات القهر للعمال وحقوقهم ومحاربتهم في أرزاقهم ولقمة عيشهم، لكن للأسف تأتي بعدها “المؤامرة القذرة” التي استغل المخططون لها – للأسف- سذاجة بعض العمال وكثير منهم من ضعاف الثقافة.

فمنذ فترة ومع بداية المؤامرة انتشر في المصانع بيع حبوب “الترامادول” وغيره من المخدرات بأسعار تكاد تكون مجانية؛ الأمر الذي وصل بنسبة كبيرة من العمال لتداولها بسذاجة وتعاطيها على نطاق واسع.

هنا ظهر العصار ليعلن عن خاتمة جريمته فيقرر عمل تحليل دم للعمال ومن يثبت عليه تعاطي هذه الحبوب يكون مبرراً لطرده من العمل والتنكيل به وتشريده هو عائلته وأطفاله.

بالله عليكم أي مخطط شيطاني خبيث تم تدبيره لهؤلاء العمال في أحد أهم قلاع الصناعة المصرية؟

هل يمكن تبرير هذه الجريمة لمجرد رغبة سلطة الانقلاب في تصفية المصانع الحربية؟!

بأي عقل يمكن تسويغ ذلك السلوك الشاذ لابتلاع أراضي هذه المصانع بأسعار بخسة؟

وأين يذهب هؤلاء العمال وأسرهم الذين هم ضحايا عصابة مجرمة ؟!

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها