وليد شوشة يكتب: جيل الأقصى

الذين يحولون بين الأمة وعقيدتها هم جنود في جيش العدو، وهم الأعداء الحقيقيون لهذه الأمة،أما أولئك الذين أعياهم السير في طريق التحرير. يتبع

  وليد شوشة

ما زلت أذكر هتافات طلبة الجامعة ، وحماستهم ، عند كل عدوان على قطاع غزة ، أو اقتحام  للمسجد الأقصى المبارك ، وقتها أحسست بأن هذا الجيل هو جيل تحرير الأقصى ، جيل النصر المنشود.

ومرت سنون ، ولم يتغير شيء ، فما زال الأقصى يُقتحم كل يوم ، وما زالت صرخاته تعلو: أين المسلمون؟ أين العرب؟ لقد ناديت من قبل على الناصر صلاح الدين فهب لنجدتي، وقام لنصرتي، حين صرخت:
   يأيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس
      جاءت إليك ظُلامة تسعي من البيت المقدس
         كل المساجد طُهرت وأنا على شرفي أُدنس
فوجه ضربته القاصمة للصليبيين في حطين، وأعاد للقدس حريتها، وللمسجد كرامته.
لقد سار صلاح الدين وقتها في مسارين للتحرير، مسار روحي، ومسار مادي.

في المسار الروحي .. أعد الأمة روحياً بكثرة ما بني لها من مدارس ومساجد، وأتاح للعلماء المجال لإحياء روح الجهاد والإيمان، والحنين إلى مسري رسول الله (عليه الصلاة والسلام). حتى كانت أغاني الأعراس والأفراح لتقوية روح الجهاد والعزة، كما كان للشعراء والأدباء دورهم في رفع روح الأمة وجاهزيتها، ولم يُر صلاح الدين إلا حزيناً ، ولما سُئل قال: كيف أضحك والمسجد الأقصى أسير ومدنس.

وفى المسار المادي ..عمل على توحيد الأمة، وقضى على عوامل الفرقة والانقسام، وأزال الخلاف بين زعماء المسلمين، وأعد الأمة عسكرياً، وجند قواها ليوم النصر.

لقد أدي صلاح الدين دوره، وانتقل إلى جوار ربه قرير العين، إلى أن دار الزمان دورته، ووقف الجنرال غورو عند قبره وقال مخاطباً: “ها قد عدنا يا صلاح الدين!”، بعدما دخل دمشق منتصراً بعد معركة ميسلون الشهيرة. ثم كانت نكبة فلسطين، واحتلال القدس، وبدأت عمليات التهويد تمضى إلى غايتها المرسومة داخل فلسطين وما حولها من دول، بدأت بتهويد النفوس، ثم انتقلت إلى الكثير من وسائل التعليم والثقافة والتربية.

ومن ثم كانت عمليات الحرق والهدم لكل ما هو عربي وإسلامي، لتحقيق الحلم المزعوم في بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

وقديماً قال تيودور هيرتزل “إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت ما أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل ما ليس مقدساً لدى اليهود، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون “، وقال بن غوريون “لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل”، وقالت غولدا مائير”إن أورشليم مدينتنا، وأنا لا أعرف وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني”. وقال بيجين “إن القدس ستظل عاصمة لإسرائيل طالما بقي الشعب اليهودي، وسيبقي الشعب اليهودي إلى الأبد”.

هذا قليل من كثير أعلنوه قديماً، وبدأت أجيالهم الحديثة في التطبيق والتنفيذ، وبنظرة واحدة إلى حال القدس والأقصى تتضح الرؤية، وتظهر نتائج هذه المخططات.

ولاستمرار الهيمنة، وضمان الوصول إلى مخططاتهم، وإقامة دولتهم الكبرى، وبناء هيكلهم المزعوم، لا بد من غياب جيل الأقصى، جيل التحرير، والحيلولة بينه وبين الإسلام ، لأن تحرير الأقصى يحتاج إلى عقيدة وإيمان قبل أي شيء، وعودة إلى تعاليم الإسلام وأخلاقه، والإسلام كان وما زال هو الضامن الوحيد لحفظ هوية الأمة في حالات الضعف، ودرعها الواقي، وحائط الصد المنيع ضد هجمات التغريب والضياع، كان ذلك أيام الحملات الصليبية والتترية والمغولية والصهيونية.

وما زال هو المحرك لكل حركات التحرير، ومقاومة المحتلين، حتي الذين خدعوا الشعوب يوماً ما، خدعوها باسم الإسلام، كما فعل كمال أتاتورك عندما أراد قيادة الأتراك لحرب اليونان، قام وفى يده المصحف، ونادى: أيها الأتراك هل تعلمون ما هذا الكتاب الذي بين يدي؟ قالوا: المصحف الشريف، فقال لهم: إنكم إن لم تخرجوا معي للحرب فلن يكون لهذا الكتاب بقاء في هذه الأرض. ثم كان سقوط الخلافة على يديه. يقول بن غوريون “نحن لا نخشي الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، ولكننا نخشى الإسلام فقط ، هذا المارد الذي نام طويلاً، وبدأ يتململ من جديد”.

وقد أزعجهم كثيراً المد الإسلامي، وانتشار ظاهرة الصحوة على مستوى العالم الإسلامي، وأزعجهم أكثر الربيع العربي، وظهور جيل من الشباب الحر. ثم كانت الطامة الكبرى، حين وصل الإسلاميون إلى الحكم في عدد من البلاد العربية، فبدأت مؤامراتهم للقضاء على هذه النهضة الوليدة، والذى قال عنها أبا ايبان “إن التيار الإسلامي في المنطقة يقلب الموازين الإسرائيلية رأساً على عقب، فعلى الغرب أن يدرك مدى قوة الإسلام إذا تمسك به المسلمون، وأتيحت له القيادة الملهمة، إن خطر البعث الإسلامي هو الخطر الذى نحذر منه الغرب على الدوام”.  ونشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت ” في نهاية السبعينيات أن اليهود نجحوا بجهودهم وجهود أصدقائهم  في إبعاد الإسلام عن المعركة مع العرب، وأنه يجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة، ولهذا فيجب عليهم أن لا يغفلوا لحظة واحدة، عن تنفيذ خطتهم في منع يقظة الروح الإسلامية، بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى ذلك الاستعانة بأصدقائهم لاستعمال العنف في إخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية “.
وأحب بن غوريون أن يريح الذين يُطالبون بحل الدولتين فقال : “لا تتعبوا أنفسكم في البحث عن حل، ليس هناك حل، الأرض واحدة وطالب الأرض اثنان، ولابد أن تكون لواحد منهما فقط “.

وعلي جيل الأقصى أن يعي دوره جيداً، ويفهم كيف يدير معركة التحرير، ويتزود بوسائل النصر ما استطاع، وعليه أن يفهم أن السلاح الوحيد الذى ينبغي أن يدخل به معركة المصير هو الإسلام عقيدة وتربية وجهاداً، وتحصين الأمة بعقيدتها عدة كفاحها ودرع صمودها .. وأن الأمة ستظل تتردى في مهاوى الهزائم والنكبات الداخلية والخارجية ما دامت تأبى أن تطلب النصر من الله  وتعد للنصر عدته. وأن الذين يحولون بين الأمة وعقيدتها هم جنود في جيش العدو، وهم الأعداء الحقيقيون لهذه الأمة. أما أولئك الذين أعياهم السير في طريق التحرير، فنقول لهم إن قضية فلسطين هي قضية الأمة الإسلامية بكل أجيالها وتاريخها وعقيدتها، والأولى لهم أن يتركوا الأمة في مواجهة العدو ومقابلة التحدي، من أن يقدموا لها مبررات ومسوغات للهزائم المتوالية.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها