وليد الصايغ يكتب: فرتكة .. فرتكة

تذهب إلى فرتكات الرياضة والملاعب، تسمع آهات وصيحات تحسبها إيذانا بفتح القدس، وتحرير المسجد الأقصي، ثم تنظر فتتبين لك “وقفة رمضان”. يتبع

 وليد الصايغ – محامي مصري

فرتكة .. فرتكة ..أغنية شعبية انتشرت مؤخرا فى بر مصر انتشار النار فى الهشيم، ولا أعرف منها سوى هذه الكلمة التى تصلح لأن تكون عنوانا للمرحلة بامتياز.

 نعم نحن نعيش زمن الـ ” فرتكة ” محليا ودوليا، وحتى على مستوى التفصيلات الداخلية، الأسرة، الفرد، “فرتكة” فى السياسة، الاقتصاد، الرياضة، الأدب، وصولا للدين.

فى المساجد، الخطبة موحدة والمساجد مغلقة، والمفتشون بالأوقاف لهم سلطة الضبطية القضائية .. مفتش فى الأوقاف بدرجة مخبر!

وفى القضاء والمحاكم فـ”الفرتكة” هنا لأبعد الحدود، أحكام إعدامات بالجملة، ومحاكمات صورية حتى صرنا أضحوكة العالم.

ولو تجولت فى الأسواق، فالأسعار آخر “فرتكة”؛ بل تكاد تفتك بك، “وتفرتك” المرتب بينما يداهمك برومو الجزيرة الشهير يتردد على لسان سيدة مصرية “يامين يقول للوزير القوطة غليت .. عمار يا مصر وحمرا يا قوطة .. كيلو الطماطم بعشرة جنيه”..

تذهب إلى “فرتكات” الرياضة والملاعب، تسمع آهات وصيحات تحسبها إيذانا بفتح القدس، وتحرير المسجد الأقصي، ثم تنظر فتتبين لك “وقفة رمضان”، ولا أقصد بالطبع الشهر الفضيل وإنما لاعب الكرة بالنادى الأهلى الذى وقف على الكرة استهزاءً بالفريق الآخر، فقامت الدنيا ولم تقعد، أما وقوف صهيونى حقير على جسد مسلمة فأمر لا يستحق اهتمام الكثيرين.

“إسرائيل تضرب سوريا تحت غطاء روسي”، خبر مفزع تسمعه عبر الفضائيات، تتابع عبر الفيسبوك لعلك تجد غضبة ما فتجد الـ” تايم لاين” خاصتك ممتلئ بأخبار كأس السوبر.

صدقنى عزيزى القارئ إننا نعيش زمن “الفرتكة”، “فرتكة” فى سيناء، تهجير لأهلها وتدمير لبيوتهم، وحصار لغزة عبر بركة مياه وإغلاق للمعبر، فلا يستطيع اليهود أن يفخروا بحصار القدس، فنحن حاصرنا غزة سنوات وأحكمنا الخناق بينما فتحنا المعابر لأصدقائنا الصهاينة يتجولون فى الغردقة وشرم الشيخ، ويرتعون فيها كيفما شاؤوا، نعيد فتح سفارة الكيان الصهيونى بالقاهرة، وربما عن قريب نعتذر لهم عن أخطائنا بحقهم فى حرب أكتوبر 1973 التى كانت قبل “الفرتكة” مجيدة.

ومهما تحدثنا عن “فرتكات”، فإننى على المستوى الشخص لم أكن أتوقع أبدا أن أسمع ذات يوم شتما بأذناي يترامى عبر شاشة التلفاز من أحدهم وهو يطارد شبابا جامعيا نظموا مظاهرة سلمية للتنديد بما يحدث فى الأقصي “يلعن أبوك وأبو الأقصي”، سبا يصيبك بلا شك بـ”فرتكة” أخلاقية مميتة.

يأخذنى الحنين لأن أخرج إلى الشارع وأصرخ “يا أمة العرب .. شئ من الغضب”، من استغضب ولم يغضب فهو حمار، كما قال الإمام الشافعى. فالغضب ليس مذموما كله، بل منه المندوب، والواجب، فإذا كنا لن نغضب اليوم لانتهاكات الأقصي وقتل الحرائر بدم بارد، وإذا كنا لن نغضب لأطفال سوريا، والبيوت التى تهدم بدعوى الحرب على  داعش، فمتى نغضب؟!

إذا كنا لن نغضب لشباب مصر الطاهر المطارد أو الراقد فى المقابر والمعتقلات فمتى نغضب؟!
“فرتكة سوريا”، وفلسطين، ومصر وليبيا والعراق واليمن وصولا لبورما .. أمم تتداعى علينا كما تداعى الأكلة على قصعتها، غثاء نحن كغثاء السيل وقد تمزقنا فرقا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون. أدوار تبدلت .. .

وعن “فرتكة” الإنتخابات الأخيرة حدث ولا حرج، “محدش راح” كان هو الشعار الذى عبر به المصريون عن عزوفهم عن الذهاب للتصويت والمشاركة، ومع ذلك التوقع هو أن تسفر نتائج هذه الانتخابات عن مجلس بيادات بمقاسات مختلفة ترضي طبيب الفلاسفة، برلمان كختم مطاطى يمرر به ما يشاء من قوانين.

وتتصاعد حدة “الفرتكة” فى المجتمع المصري فتجد حربا غريبة مفتعلة على زى نسائي ” النقاب”، واتهام  من يرتدينه وهن ما يقرب من 9 ملايين امرأة مصرية  بالتخلف والرجعية، سبقتها دعاوى ومليونية لخلع الحجاب الذى ترتديه أغلب المصريات، وفى الوقت نفسه تجد نشرا لدعاوى الإباحية والصحوبية بل والإلحاد، وتصوير الملحد على أنه ” كيوت” بس زعلان مع ربنا شوية!

موجة عارمة من الـ “فرتكة ” تستبد بحال الأمة، ولا يزال التفاؤل يملأ نفسي فأرى آلام جسد الأمة هى آلام ما قبل المخاض، مخاض طويل، سواد ما يسبق الفجر، مخاض ستشرق بعده شمس الإسلام، يعود فيه مجد معتصمه القديم الذى كتب رسالته لكبير الروم :” من المعتصم أمير المؤمنين إلى توفليس كلب الروم، ابعث إلى بهذا الزنديق الذى لطم المرأة المسلمة؛ وإلا والله لآتينك بجيش رأسه فى عقورية وذيله فى العراق.


ستعود للإسلام دولته زاهرة، ينظر هارون الرشيد إلى السحابة ويخاطبها : امطرى هنا أو فى أى مكان سيأتيني خراجك.. ليست هذه أحلاما وردية وإنما هى وعد الله ورسوله، “ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” رغم أنف العلمانية ووكلائها نمنم وشركاه فى مصر .. وستنعم مصر بالحرية والعدل والرخاء ومعها جميع الدول العربية المنكوبة، فقط عليك أن تثبت فى وجه الفرتكة ولا تركن إلى السهوكة!

وليد الصايغ
محامى ومدون مصري
  

تجدر الإشارة إلى أن كل ما ورد في المقال يعكس رأي الكاتب الخاص ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع  .

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها